أخيرة

سبع ملاحظات حول اعتراف الڤاتيكان بـ «دولة إسرائيل»!*

 

 الياس عشي

 

في جلسة هادئة وبعض الأصدقاء، احتدم النقاش حول اعتراف حاضرة الڤاتيكان بـ «دولة إسرائيل»، وحول المواقف الرسمية والشخصية التي صدرت من هنا، أو من هناك، وحول الآثار السلبية التي يمكن أن تترتّبَ على هذا الاعتراف، ليس فقط على السياسة العالمية، وإنما على الموقف الديني ـ اللاهوتي ـ المسيحي برمّته!
بعيداً عن الانفعال يمكن أن أسجّل الملاحظات التالية:
أوّلاً – اعتراف الڤاتيكان بـ «إسرائيل» هو اعتراف بصوابيّة الموقف اليهودي من السيّد المسيح الذي اعتبروه دجّالاً، فحاكموه ثَمّ صلبوه.
ثانياً – اعتراف الڤاتيكان بـ «إسرائيل» هو صكّ براءة لليهوديّة العالمية التي ما زالت تعتبر أنّ «دم المسيح عليهم وعلى أولادهم». وإذا كان ثمّةَ تراجعٌ عن هذا الموقف فإنما ينبغي أن يعلن عنه من قبل الدولة اليهودية، أو المراجع الدينية اليهودية.
ثالثاً – اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية، وبعض الدول العربية، لا يبرّر اعتراف الكنيسة الكاثوليكية بـ «إسرائيل»؛ فالڤاتيكان، ومنذ ألفي عام، على عداء مع اليهودية من موقع روحي ـ إيديولوجي ـ تاريخي؛ أيّ أنّ العداء موجود قبل المسألة الفلسطينية بمئات السنين. ولا يجوز الربط بين ما يجري الآن أو ما جرى منذ خمسين عاماً، وبين الصراع المسيحي ـ اليهودي.
رابعاً – الإدّعاء بأنّ الڤاتيكان دولة كأيّة دولة أخرى في العالم، واعتراف هذه الدولة بـ «إسرائيل» هو حقٌّ سياسيٌّ مشرعنٌ لها؛ هذا الادّعاء مردود، لأنّ الڤاتيكان يمثّل كاثوليك العالم كلّهم، وينطق باسمهم، ويؤثر على مشاعرهم. واعتراف هذه الدولة، ذات الشخصية المعنوية، بالدولة اليهودية، سيؤدي حتماً إلى قناعة كاثوليكية جَماعيّة بأنّ العداء مع اليهود قد انتهى، وأنّ لليهود حقّاً قوميّاً في فلسطين التي هي، بزعم يهودي، أرض الميعاد!
خامساً – يعتبر يوم الخميس الواقع فيه 30 كانون الأول من عام 1993 موعداً آخِرَ لصلب يسوع الناصري، لأنه في مثل هذا اليوم تمّ اعتراف الڤاتيكان بالدولة اليهوديّة.
سادساً – تُرى لماذا الاعتراف واليوم بالذات؟ إنه انتصار آخر يُضاف إلى انتصارات حكّام «إسرائيل» الذين يريدون أن يظهروا للعالم أنهم دعاة سلام، وأنّ المشكلة ليست عندهم، بل عند الإنسان العربي المصرّ على ذبح اليهود، ورميهم في البحر. تصوّروا معي هذه الورقة الرابحة التي قدّمتها حاضرة الڤاتيكان إلى «إسرائيل» هديّة بمناسبة الأعياد.
سابعاً – كيف يريد الڤاتيكان أن نقرأ ونفسّر، بعد اليوم، الإنجيل المقدّس؟ ماذا نقول لأولادنا عندما يبدأ الكلام عن صلب المسيح؟ كيف يمكن لأولادنا أن يميّزوا بين اليهود صالبي المسيح والدولة اليهودية المعترف بها من قِبل أعلى سلطة روحيّة تمثّلهم؟ هل نكذب عليهم؟ هل نعيد كتابة الانجيل من جديد؟ هل نقول لهم: لقد تغيّر اليهود وصاروا أصدقاء للمسيح وللمسيحية؟ هل نحذف من الإنجيل عبارة «دمه علينا وعلى أولادنا»؟ هل نلغي سرّ الفداء؟ وإذا سُئلنا عن هيرودس ذابح الأطفال في بيت لحم، فبماذا نجيب؟
سأقول لهم: انتظروا الجواب من البيت الأبيض.
8/1/1994

*من كتابي «وطن للبيع… فمن يشتري؟»
الصادر سنة 1995

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى