عربيات ودوليات

حول استيلاء أميركا على المعادن من دول أخرى

 

بدأت الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر في الاستيلاء على الأراضي لاستغلال الموارد الطبيعية. وقد مكّن قانون جزر غوانو لعام 1856 من الاستيلاء على الجزر غير المطالب بها والغنية بالأسمدة المطلوبة. وفي نهاية المطاف، ضمّت الولايات المتحدة ما يقرب من 100 من هذه الجزر في المحيط الهادئ ومنطقة البحر الكاريبي، وفقًا للمؤرخ دانييل إيمروار (وقد أعيد تشكيل بعضها لاستضافة المطارات والقواعد العسكريّة في سنوات ما بعد غوانو).
يبدو أن الرئيس دونالد ترامب يحبّ هذه الاستراتيجية. فخطوته للسيطرة على رواسب أوكرانيا من الليثيوم والجرافيت والكوبالت والمعادن النادرة وما إلى ذلك ــ بعد الدعوة إلى شراء جرينلاند والاستيلاء على كندا، جزئياً للاستيلاء على كنوزها الضخمة من المعادن الحيويّة ــ تشير إلى أنه يصمّم استراتيجيّة من القرن التاسع عشر لكي تنجح في القرن الحادي والعشرين.
لقد أدركت الحكومات الديمقراطيّة والجمهورية على حد سواء الحاجة إلى الحصول على المعادن الأساسية؛ «النفط الجديد» للاقتصاد العالمي. وهو أمر ضروري لتقنيات الطاقة النظيفة مثل بطاريات الليثيوم أيون، والمركبات الكهربائية، وطواحين الهواء، فضلاً عن الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية والمعدات العسكرية.
إن الطلب على هذه المعادن يتزايد في مختلف أنحاء العالم. وفي تقرير صدر العام الماضي، حذّرت وكالة الطاقة الدولية من أن نقص المعادن والفلزات الأساسية من شأنه أن يعيق انتقال البشرية إلى الطاقة النظيفة. وبحلول عام 2035، لن يلبي العرض المتوقع من الليثيوم سوى 50% من الطلب العالمي، وسوف يلبي النحاس المتاح أكثر من ثلثي هذا الطلب بقليل.
وتهيمن الصين على سلاسل التوريد لمعظم هذه المواد. فهي تمثل 60% من إنتاج العالم من المعادن النادرة و90% من قدرته على المعالجة. كما تنتج الصين 98% من الغاليوم العالمي و77% من الجرافيت. وهذا يضع الولايات المتحدة في مأزق. ففي عام 2021، أشار محللو وزارة الدفاع إلى أن المنافسة الدولية على المعادن الحيوية كانت «رمزًا للمنافسة الجيوسياسية الشديدة في القرن الحادي والعشرين».
ولكن توجيه السلاح إلى رؤوس الدول المنتجة للمعادن من خلال التهديد بفرض رسوم جمركيّة على كندا مثلاً، أو إجبار أوكرانيا بالاختيار بين التنازل عن معادنها أو فقدان الدعم الأميركي في حربها ضد روسيا، يبدو غير حكيم إذا كانت الولايات المتحدة تريد تجنّب التحوّل إلى منبوذ دولياً ودفع حلفائها السابقين إلى أحضان خصومها.
في عالم يزداد اضطراباً، تشير الحكمة إلى أن الولايات المتحدة لا بد أن تبذل المزيد من الجهود لبناء القدرات في الداخل لضمان إمدادات كافية ومستقرة من المعادن والفلزات والمواد الأخرى الحيوية. ولكن من المؤسف أننا لم نحرز تقدماً كبيراً نحو تحقيق هذه الغاية، ويرجع هذا بحدّ كبير إلى أن المصالح البيئية كانت عائقاً أمام ذلك.
لقد أنفقت الحكومة مليارات الدولارات لتنمية الإنتاج المحليّ من خلال قانون خفض التضخم الذي أصدره الرئيس جو بايدن وقانون البنية التحتيّة الذي أقرّه الحزبان، من بين أمور أخرى. ومع ذلك، لم تحقق هذه الجهود أي تقدّم ملموس، ويرجع ذلك بحد كبير إلى فشلها في التغلب على معارضة دعاة حماية البيئة وتبسيط عملية الترخيص بما يكفي لتمكين مشاريع التعدين واسعة النطاق.
تمتلك الولايات المتحدة احتياطيّات هائلة من الليثيوم، وهو ضروريّ لإنتاج بطاريات المركبات الكهربائية. ومع ذلك، لا يوجد في البلاد سوى منجم واحد لليثيوم يعمل في ولاية نيفادا. وقد قاوم المدافعون عن البيئة وغيرهم من المعارضين الموافقة على إنشاء المزيد من المناجم وأبطأوا من وتيرة الموافقة عليها. وقد حدث شيء مماثل مع المعادن النادرة.
الواقع أن ترامب لا يملك الكثير من الصبر على مقاومة دعاة حماية البيئة. ولكن من غير المرجح أن يحالفه الحظ في زيادة إنتاج المعادن في الولايات المتحدة. وربما تكون الأغلبية الجمهورية الجديدة في الكونغرس حريصة على التخلص من العقبات التنظيمية التي تحول دون التعدين في مختلف أنحاء العالم، ولكنها تضع عقبة جديدة على الطريق من خلال إنهاء الدعم لتقنيات الطاقة النظيفة التي تخلق الطلب على المعادن.
إن إلغاء الدعم الفيدرالي لـ IRA لتطوير البطاريات وطاقة الرياح، وخفض الإعانات المخصصة لتوسيع أسطول المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة، من شأنه أن يضعف الحجة التجارية للاستثمار في سلاسل التوريد لليثيوم والجرافيت وغيرها من المواد – ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن أيضًا بين الشركاء التجاريين.
ربما تكون الحاجة إلى مصادر بديلة للمعادن – والتي يعترف بها أعضاء كلا الحزبين – فرصة لأفق سياسيّ بين الحزبين. فلن يحتاج الديمقراطيون إلا إلى المساعدة في تخفيف العقبات التنظيميّة التي تبطئ أو توقف فتح مناجم ومصانع تكرير جديدة، في حين سيتعيّن على الجمهوريّين التسامح مع بعض إعانات الطاقة النظيفة الموروثة من إدارة بايدن.
وقد يستغرق ذلك وقتاً طويلاً، لكن البديل هو الاعتماد على الصين للحصول على المعادن الرئيسية. وفي القرن الحادي والعشرين لا تستطيع الولايات المتحدة أن تلعب دور القرصان لتحصل على مواردها الأساسية حول العالم بالقوة، لأن ذلك لن يستمرّ لفترة طويلة.

(نُشر في «روسيا اليوم» نقلاً عن «واشنطن بوست»)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى