بين مشهد ثلاثي الأبعاد مرتبك… وحسم ميداني حتميّ
معن حمية
من «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» ضدّ اليمن، إلى النقاشات في أروقة الكونغرس الأميركي حول تسليح مشروع تقسيم العراق، إلى الغزوة الإرهابية لمدينتي إدلب وجسر الشغور في سورية، تنفّس حلف الحرب الصّعداء، من نافذة الإيهام بأنه يحقق ما يرمي إليه.
العناوين الثلاثة الآنفة الذكر، جرى الترويج لها إعلامياً بوصفها «إنجازات» لمصلحة حلف الحرب، وأُسندت بسلسلة من التقارير والتصريحات والتسريبات تتحدّث عن شبه «انكفاء» إيراني وشبه «نأي» روسي، واعتبار ذلك إشارات تخلّ عن سورية وقوى المقاومة!
وضع العناوين الثلاثة في سلة «إنجازات» واحدة لمصلحة حلف الحرب، كان كفيلاً بتبيان الهدف الحقيقي من وراء هذا الترويج، ألا وهو الإعلان عن تصعيد الحرب على سورية وقوى المقاومة. لكن، ما لم يتنبّه له المحتفلون بـ»الإنجازات» الثلاث، أنّه في حالة الانكفاء الإيراني والنأي الروسي لا يمكن استثمار العناوين الثلاثة مجتمعة.
في العنوان الأول، لم يلحظ المراقبون انكفاءً إيرانياً، لا بل أن إيران تقوم بحراك واسع في مواجهة الحرب التي تشنّ على اليمن، وهي وبلسان أكثر من مسؤول رفيع، أعطت إشارات قوية بأنّ مسار المفاوضات حول برنامجها النووي غير مرتبط بمواقفها من قضايا المنطقة، لا بل أصدرت مواقف عالية النبرة تضمّنت تحذيرات واضحة للمملكة العربية السعودية من تداعيات مواصلة حربها على اليمن، وهي أقدمت على احتجاز سفينة أميركية بالقرب من مضيق هرمز، وهذا يدحض كلّ كلام عن انكفاء إيراني. لا بل أن ما يؤكد العكس ظهر في تصريحات وزير خارجية أميركا جون كيري ونظيره السعودي عادل الجبير 7 أيار 2015 وإعلانهما عن هدنة لخمسة أيام ودعم الحوار بين اليمنيين تحت مظلة الأمم المتحدة ومطالبة إيران بالضغط على الحوثيين للالتزام بالهدنة. وهذا تأكيد على دور إيران من جهة، وحراجة الموقف من استمرار التدخل العسكري في اليمن من جهة أخرى، وكذلك فشل أهداف الحرب.
أما بالنسبة إلى روسيا الاتحادية، فلم تصدر عنها إشارات تخلّ، لا بل على العكس فإنّ نسق السياسية الروسية تجاه قضايا المنطقة يشهد ارتفاعاً في وتيرته، وهذا ما تؤكده مواقف وتصريحات المسؤولين الروس، وكذلك الإعلان الدائم عن تعزيز القدرات الروسية، ومؤخراً تمّ الإعلان عن جيل جديد من الدبابات الروسية الحديثة والفائقة الدقة.
كما أنّ الدرع الصاروخية الأميركية المنصوبة في دول قريبة من روسيا والتي تشكل تهديداً للأمن القومي الروسي، لا تزال أزمة عالقة وشائكة، وعلى خلفية هذه الأزمة أوصلت روسيا رسالة قوية إلى أميركا وحلفائها بالتوغل في الأراضي الجورجية عام 2008، ومن ثم السيطرة على شرق أوكرانيا من خلال حلفائها… بالتالي فإنّ الموقف الروسي الحادّ تجاه هذه المسألة سيكون أكثر حدّة في حال وسّعت الولايات المتحدة من مناطق نشر الدرع الصاروخية وتحديداً في المنطقة، خصوصاً بعدما تسرّب كلام عن أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما سيطرح خلال لقائه قادة مجلس التعاون الخليجي في «كامب دايفيد» منتصف أيار الجاري نشر الدرع الصاروخية في الخليج وتقديم ضمانات أمنية لهذه الدول، والكلام المُسرب أكده سفير إحدى الدول الخليجية في الولايات المتحدة حيث قال 7 أيار 2015 : «نتطلع إلى ضمانات أمنية أميركية مكتوبة خلال قمة كامب دايفيد، وليس كما كانت في السابق شفهية». مضيفاً: «لا ننظر إلى قمة كامب ديفيد كنتيجة للمفاوضات النووية، بل لتعزيز العلاقة مع واشنطن». وإذا كانت مسألة الضمانات تأكدت من قبل السفير الخليجي، فإنّ أمر نشر الدرع الصاروخية مطروح على الطاولة، وهذا ما سيدفع الروس إلى القيام بخطوات إضافية لحماية المصالح الروسية في المنطقة، وتحديداً من خلال سورية.
أما العنوان الثاني، فهو المشروع المقدّم من لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي والذي ينصّ على تسليح مكوّنات عراقية من دون العودة إلى الحكومة العراقية المركزية. وإذا ما أقرّ هذا المشروع في الكونغرس الأميركي وسلك طريقه بحيازته على موافقة الإدارة الأميركية، فهذه إشارة البدء ليس بتنفيذ مخطط تقسيم العراق وحسب، بل بتنفيذ مخطط تقسيم كلّ المنطقة، بما فيها الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، فكيف تضع هذه الدول الأمر ضمن سلة «الإنجازات» طالما أنّ دول الخليج نفسها مقبلة على التقسيم؟
والأخطر في طرح مشروع التقسيم من بوابة التسليح، هو التوقيت، وتأثير هذا المشروع على مسار المعركة التي تخوضها الدولة العراقية لتحرير المدن والمناطق العراقية من تنظيم «داعش» الإرهابي. وهذا أمر يضع شكوكاً كبيرة حول جدية التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في خوض الحرب ضدّ هذا التنظيم الإرهابي.
ويبقى العنوان الثالث، غزوة الإرهاب لإدلب وجسر الشغور . فهذه الغزوة الإرهابية جاءت بعد تنسيق منقطع النظير بين دول العدوان على سورية، خصوصاً تركيا، نتج منه توحيد المجموعات الإرهابية في تشكيل واحد أطلق عليه تسمية «جيش الفتح» وضمّ أيضاً «جبهة النصرة» المصنّفة دولياً إرهابية. وقد نشرت وكالة «اسوشيتد برس» 7 أيار 2015 نقلاً عن مسؤول أميركي «أن التنسيق التركي السعودي يساعد جبهة النصرة على السيطرة على المزيد من الأراضي في سورية».
ولأنّ إدلب وكذلك جسر الشغور موقعان مهمان في الجغرافيا السورية، ويشكلان عقدة وصل وتواصل بين مدن سورية أساسية، فإنّ سيطرة الإرهابيين عليهما، تشكل تحدياً صعباً للدولة السورية. لكن ما هو أهمّ أنّ المجموعات الإرهابية لن تكون قادرة على تثبيت سيطرتها على هذين الموقعين. ففي جسر الشغور بقي المستشفى الوطني عصياً على المجموعات الإرهابية وداعميها، والرئيس الدكتور بشار الأسد أعلن في 6 أيار 2015 أنّ المواقع ستتمّ استعادتها إلى حضن الدولة، والجيش السوري والقوى الحليفة استكملوا الاستعدادات لهجوم معاكس لاستعادة المدينتين، ما يعني أنّ احتفاء حلف العدوان لن يستمرّ طويلاً.
إذن المشهد الثلاثي الأبعاد الذي تحاول دول الحرب والعدوان استثماره، ليس منطبقاً على الواقع، فهو فقط يُستخدم في إطار البروباغندا الإعلامية للزعم بتحقيق أهداف وهمية. وقد وقع هذا الحلف في فخ ربط العناوين ببعضها بعضاً، لأنّ هذا الربط ينقض صحة المزاعم عن انكفاء إيراني ونأي روسي عن سورية وقوى المقاومة وقضايا المنطقة.
من خلال ما تقدّم يظهر جلياً أنّ حلف الحرب والعدوان يشنّ، في موازاة حربه الإرهابية، حرباً نفسية تستهدف النيل من إرادة محور المقاومة، مستنسخاً نفس أسلوب الحرب النفسية التي اعتمدها منذ بداية العدوان على سورية، الأمر الذي يكشف عن الأهداف الحقيقية من وراء احتفالية الإنجازات، وهو مضاعفة الحرب المستمرة على سورية منذ ما يقارب السنوات الخمس لإسقاطها دوراً وموقعاً، لأنه بإسقاط سورية تفقد المقاومة وفلسطين حاضنتهما، وتفقد روسيا وإيران مصالحهما في المنطقة.
لذلك، مع أهمية موقع اليمن في المنطقة العربية، ومع أهمية الحفاظ على وحدة العراق وتكثيف الجهود لمنع تقسيم هذا البلد، تبقى سورية هي الأساس في معادلة المنطقة وأساسية في تأمين مصالح الدول الحليفة.
وما هو مؤكد أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها يحاولون الاستفادة من مرحلة ما قبل توقيع الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهذا الاتفاق إذا ما تمّ، يرى فيه مراقبون إنهاء للقطبية الواحدة لمصلحة عالم جديد متعدّد الأقطاب، لذلك لا بدّ من أن يتركز جهد الدول الحليفة لسورية وقوى المقاومة، على مضاعفة الدعم لسورية على كلّ المستويات من أجل تسريع الحسم في معركة اجتثاث قوى الإرهاب والتطرف. مع الإشارة إلى أنّ الأسابيع المقبلة ستشهد تطوّرات ميدانية حاسمة، سواء على جبهتي إدلب وجسر الشغور أم على جبهة القلمون وسائر المناطق السورية، لا سيما في المناطق السورية الجنوبية التي يحاول العدو الصهيوني جعلها حزاماً أمنياً خاضعاً لسيطرته.
كلّ الاستعدادات تؤشر إلى أنّ الحسم الميداني بات حتمياً، وأنّ الخناق بدأ يضيق على المجموعات الإرهابية في بعض الجبهات، خصوصاً في محاذاة السلسلة الشرقية للبنان، وهذا ما دفع مسؤولاً لبنانياً إلى أن يلفت الأتراك إلى ضرورة الطلب من المجموعات الإرهابية عدم الاحتكاك بالجيش اللبناني في نقاط تواجده على السلسلة الشرقية!
مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي