نقاط على الحروف

القمة العربية: مصر تقود مجدّداً

 

ناصر قنديل

 

– كانت الرسالة الأميركية الصاخبة عبر إعلان الرئيس دونالد ترامب عن مشروعه لتهجير سكان غزة ومطالبة الأردن ومصر باستقبالهم، مع التهديد بوقف المساعدات الأميركيّة عنهما في حال عدم الانصياع، دعوة للعرب للتدخّل في إخضاع الشعب الفلسطيني ومقاومته، بعدما دخلت الحرب الإسرائيلية والرعاية الأميركية لها أزمة بنيوية وبلغت طريقاً مسدوداً. وترامب يعلم أن المشكلة في تهجير الفلسطينيين ليست مكان الاستقبال، بل هي رفض الفلسطينيين للتهجير، وقد فشل الاحتلال بعدما دمّر غزة وقتل عشرات الآلاف منها أن يدفع الفلسطينيين للاستسلام. وترامب يعلم أنّه لم يعُد بمقدور الاحتلال وأميركا من خلفه فعل شيء يغيّر المعادلة إلا الاستعانة بالعرب.

– ما تطلبه أميركا هو أن يقول العرب لكل حركات المقاومة وعلى رأسها حركة حماس، إن لا إعادة إعمار دون نزع السلاح، وأن يتغاضى العرب عن رفض الاحتلال لأيّ دور في إدارة غزة لحماس أو لفتح أيضاً، وأن يقبل العرب إذا اقتضى الأمر تشكيل إدارة عربية لغزة، وتكريسها بقرار عربي أمميّ، ضمن خطة مشتركة مع واشنطن وتل أبيب للقضاء على المقاومة، وأن يقول العرب إنهم ماضون في التطبيع مع كيان الاحتلال بمعزل عن مسار حل القضية الفلسطينية ومشروع الدولة الفلسطينية، وإن لم يفعل العرب ذلك فعليهم انتظار الغضب الأميركي، تلاعباً بالاستقرار الداخلي للدول العربية، وتشجيعاً للفوضى والفتن فيها، ووقف المساعدات عن دول العرب التي تحتاج هذه المساعدات، وتهديد بحجز أموال الدول الغنية، وفرض العقوبات على أموال الحكام، وكلهم أثرياء.

– ما صدر عن القمّة العربية كان لا قوية واضحة، تقول إن العرب لن يُقدموا على الانتحار خشية التهديد بالصراخ الذي رأوه في لقاء ترامب مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وإنهم يدركون أن الطلبات الأميركيّة بالمشاركة العربيّة في تصفية القضية الفلسطينيّة تمثل تهديداً وجودياً للحكومات العربيّة، لأن ما بعد الطوفان غير ما قبله، وحيث فشل جيش الاحتلال في كسر المقاومة لن ينجح أي جيش آخر، بل إن التورّط بحمل العبء الذي فشل الكيان في حمله يعني تكسير الجيوش والحكومات وتفجير العلاقات العربية الداخلية بين الحكومات والشعوب، ولذلك قالوا إن لا شيء اسمه حل في غزة خارج سياق حل القضية الفلسطينية من بوابة حصريّة هي قيام الدولة الفلسطينية، وقالوا لا للتهجير ولا للاستيطان ولا للحصار والتجويع، وقالوا إن لا حكم في غزة إلا للفلسطينيين، ووفقاً لهذه المبادئ يمكن الحوار والتوصل إلى حلول سياسية، لا تبدو المقاومة بعيدة عنها، مثل صيغة حكومة تكنوقراط مؤقتة.

– هذا نصف موقف مطلوب ومؤثر، لكن ثمّة نصف موقف كان مطلوباً وأشد تأثيراً عجز العرب عن تحمّل أعبائه، ورغم ذلك جاء نصف نصف الموقف نقطة بداية يمكن البناء عليها، والمقصود هنا الخطوات الإجرائية، التي كان المفترض أن تكون بحجم التحدّي، فتعلن نهاية الانقسام الفلسطيني دون ربطها بشرط انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة تنتظر موافقة الاحتلال على السماح بمشاركة القدس لتصير دعوة بلا معنى، وإنهاء الانقسام ممكن بقرار عربي إذا تكاملت جهود السعودية مع جهود مصر. كما أنه من المفترض أن تكون المواقف بحجم إعلان فتح معبر رفح دون المرور بالموافقة الإسرائيلية، لأن المعبر فلسطينيّ عربيّ، ومصر تحتاج دعماً عربياً وربما إسلامياً ودولياً أيضاً لتتحمّل تبعات فتح المعبر، وهو ما لا يزال ممكناً مع انعقاد مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية قريباً في جدة، وعندما يتخذ العرب قراراً بإنهاء الانقسام الفلسطيني وفتح معبر رفح يصير لكلمتهم وزنٌ تنفيذيٌّ لا يمكن لكيان الاحتلال مواجهته بالقوة، ولا يمكن لواشنطن مواجهته بالتجاهل.

– موقف حركة حماس المرحِّب بما صدر عن القمة، واستعدادها للتعاون مع لجنة إدارة غزة التي تمّ تشكيلها كخطوة إجرائية هامة صدرت عن القمة، وتولّت مصر رعايتها، كما سوف تتولّى رعاية إعادة تكوين إطار للأمن الفلسطيني في غزة برضا حماس والسلطة معاً، إشارات تقول إن القمة ربما تنجح بتشكيل نقطة تحوّل في المسار السياسي للقضية الفلسطينية انطلاقاً من تحصين الوضع في غزة بعد ملحمة بطوليّة خاضتها المقاومة وصمد خلالها الشعب مقدّماً عظيم التضحيات، ففشلت الخطة الإسرائيلية بتصفية القضية الفلسطينية بالقوة العسكرية، وجاءت مصر بموقف تُسجَّل له الشجاعة ويُحسَب له الإقدام، لردّ الاعتبار لمفهوم الأمن القوميّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى