ترامب لـ«حماس» بعد تفاوض أميركي معها: إطلاق جميع الأسرى فوراً أو الجحيم / أقل من 10 % فقط من نازحي الشمال عادوا رغم محاولات الحكومة تجميل الوضع / إحباط رسميّ من عدم التجاوب الأميركي واتساع الاحتلال والعدوان يُضعف الدولة

كتب المحرّر السياسيّ
لم تنجح جولة التفاوض التي جمعت مبعوثاً أميركياً مع قادة من حركة حماس في الدوحة في التوصل إلى اختراق يتناسب مع تطلعات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بينما يتواصل الجمود في مسار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي رعته واشنطن ومبعوثها ستيف ويتكوف الذي لم يعد معلوماً إن كانت عودته للمنطقة قد تأثرت بما جرى، خصوصاً بعدما أعلن ترامب أن أمام حركة حماس أحد خيارين، الإفراج الفوري عن جميع الأسرى الأحياء والأموات لديها أو مواجهة الجحيم، في استعادة لتهديد مماثل أطلقه ترامب قبل أسبوعين عندما قرّرت حماس تعليق عملية تبادل رداً على الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاق، ثم عاد عنه قائلاً إن الأمر متروك للإسرائيليين، وحينها تردد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بالانسحاب من الاتفاق رغم تشجيع حلفائه في اليمين المتطرف له للعودة إلى الحرب، وفضل العودة الى الاتفاق، بما وصفه المعلقون السياسيون في كيان الاحتلال بإدراك نتنياهو محدودية قدرة الخيار العسكري على فعل شيء جديد وهو يُخاض في ظروف أشدّ سوءاً بالنسبة للاحتلال عما قبل عندما فشل جيش الاحتلال في القضاء على المقاومة، إضافة لحجم الخطر الذي يحيط بوضع الأسرى في حال تجدّدت الحرب، ويقول محللون أميركيون إن ترامب هذه المرّة أيضاً يترك للإسرائيليين التصرف.
في كيان الاحتلال تفاعلات للإعلان عن عودة 19000 من نازحي الشمال، وادعاء الحكومة أنهم يمثلون 30% من إجمالي النازحين من الشمال البالغين 67000، حسب تقارير الحكومة الرسمية، وهو العدد الذي قامت الحكومة بإخلائه، والذي يمثل وفق التقارير الإعلامية ثلث العدد الفعلي للذين تركوا الشمال بتنسيق مع الحكومة أو على عاتقهم دون تنسيق مع الدوائر الحكومية، حيث سجلت هيئة الطوارئ الوطنية بعد أيام من انطلاق جبهة إسناد غزة من جنوب لبنان عدد 125000 نازح، وتحدثت وول ستريت جورنال في ربيع عام 2024 عن 225000 الف نازح. ويعتقد محللو القنوات التلفزيونية العبرية أن المباراة مع عودة نازحي جنوب لبنان لن تكون لصالح «إسرائيل» مهما كانت الإغراءات الحكومية للعودة ومهما كان التلاعب بالأرقام، لأن عودة 10% أو أقل من النازحين لا تشكل نتيجة مشرّفة للحملة الدعائية والمالية التي نظمتها الحكومة بين النازحين لتحفيزهم على العودة، مقابل عودة 50% في القرى الأمامية لجنوب لبنان في ظل دمار شامل وغياب للدولة ومساعدتها ولخطط إعادة الإعمار.
سياسياً، بدأت الأوساط الحكومية والرئاسية تتساءل عما إذا كان بقاء قوات الاحتلال واعتداءاتها سيشهدان توقفاً قريباً، وما إذا كان الإحجام الأميركي عن التجاوب مع الطلبات اللبنانية، مؤقتاً أم دائماً، وقد بدأ الكثيرون يتحدّثون عن تحوّل في الموقف الأميركي من دعم قيام الدولة في لبنان بقيادة شخصيات صديقة لواشنطن، تتراجع لهم المقاومة عن وجودها جنوب الليطاني وتتراجع أمامهم «إسرائيل» بطلب أميركي عن الأراضي اللبنانية المحتلة، كما كان مضمون النقاش الحالي قبل وقف إطلاق النار والانتخابات الرئاسية. ونتج عن هذا التحوّل التموضع وراء دعم الموقف الإسرائيلي بالكامل انطلاقاً من قناعة أن «إسرائيل» لا تتحمل تمايزاً أميركياً حتى إعلامياً عن الموقف الإسرائيلي، وأن الانسحاب ووقف النشاط العسكري العدائي عناصر إضعاف لموقف «إسرائيل» الداخلي بعدما عجزت عن الحصول على وضعية المنتصر القادر على إقناع مستوطنيه في الشمال والجنوب أنه انتصر.
وبقيت زيارة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى السعودية ومشاركته في القمة العربية الطارئة في القاهرة والمواقف التي أطلقها، تطغى على المشهد الداخلي، وسط ترقب لنتائج جولته الخارجية الأولى منذ انتخابه، وما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستترجم وعودها للرئيس عون بالانفتاح على لبنان على الصعد الاقتصادية والسياحية بعد الانفتاح السياسي على العهد الجديد.
غير أن مصادر مطلعة لفتت لـ«البناء» إلى أن مباحثات الرئيس عون مع المسؤولين السعوديين وتحديداً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كانت إيجابية وتبشّر بالخير، لكن تصريحات المسؤولين السعوديين تحمل تفسيرات متعدّدة، لكن التفسير الأقرب للواقع هو ربط السعوديّين ودعمهم بالتزامات على لبنان تنفيذها تتعلق بتطبيق القرارات الدولية وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها إضافة إلى الإصلاحات المالية والاقتصادية، ما يعني أن الانفتاح السعودي الاقتصادي مرتبط بملفات سياسية وأمنية تحتاج الحكومة اللبنانية لوقت طويل إلى تنفيذها ما يعني أن الدعم السعودي سيتأخر». كما تشير المصادر إلى أن «الانفتاح السعودي على لبنان سيجر انفتاحاً لكل دول مجلس التعاون الخليجي». وتنوّه المصادر إلى أن «السعودية لن تتخذ قرار فك الحظر الاقتصادي والسياحي على لبنان من دون ضوء أخضر أميركي».
وحذرت المصادر من ربط المساعدات المالية والانفتاح والتعاون الاقتصادي الخليجي مع لبنان وإعادة الإعمار، بشروط سياسية لا سيما تشديد الحصار الحكومي اللبناني على حزب الله والضغط على سلاح حزب الله، مضيفة أن «هذا الضغط سيولد انفجاراً شعبياً داخلياً وبالتالي تعرّض العهد إلى نكسة وطنية ستسبب بشلل في عمل الحكومة»، مشيرة إلى ضرورة فصل موضوع الدعم الاقتصادي وإعادة الإعمار عن ملف سلاح المقاومة. وتساءلت المصادر كيف يطالب البعض في لبنان بتسليم سلاح المقاومة إلى الدولة لكي يقوم الجيش اللبناني بتفجيره، في وقت لا يزال الجيش الإسرائيلي يحتل جزءاً كبيراً من الجنوب ويواصل اعتداءاته اليوميّة على المواطنين في الجنوب ويشن الغارات على البقاع وطائراته ومسيّراته تسرح وتمرح في الأجواء اللبنانيّة فيما يوجه قادة الاحتلال التهديدات بالحرب على لبنان في أي وقت ويستعدّ لتوسيع عدوانه في لبنان وغزة والضفة الغربية وسورية وإيران. وحذّرت المصادر أيضاً من تورّط بعض الدولة في لبنان بالمشاريع الخارجية الجهنمية والفتنوية والتقسيمية كما يحصل في سورية.
وفي سياق ذلك، أشار المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان إلى أن «الإعمار سيحصل ولن يوقفه شيء ولبنان لا يقوم إلا بأهله، وتاريخنا الوطني يقول لا قيام للبنان بلا تضحيات، ولن نقايض سيادة لبنان وقوة سيادته بأي ثمن على الإطلاق، ومشاريع الخنق لا شرعية وطنية لها سوى أنها تدوس القيمة الوطنية وتضع الدولة بقلب التهمة الوطنية الأخطر، والقوانين التي تتحوّل ضد الوطن وشعبه وتضحياته ليست قوانين ولا قيمة لها بتاريخ الأوطان، ومزيد من الضغط يضعنا بقلب الانفجار، وليس لنا بهذه الدنيا كلها وطن آخر، ولا بديل وجودي لنا عن لبنان».
بدوره، دعا رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» طلال أرسلان اللبنانيِّين إلى الاتعاظ من الدرس السوري والاستفادة من عِبَره، منبِّهاً إلى خطورة التخلّي عن خيار المقاومة بلا تأمين بديل يستطيع مواجهة الاحتمالات المستقبلية. مضيفاً: «لا يزايدنّ عليّ أحد في دعمي للجيش اللبناني، وأصلاً والدي الأمير مجيد إرسلان هو الذي أسسه وظلّ وزيراً للدفاع على امتداد سنوات طويلة، وبالتالي نحن أمّ الصبي، ولذا نرفض تحميل الجيش اللبنانيّ ما يفوق قدرته على التحمّل، خصوصاً أنّ إمكاناته معروفة بسبب منع مدّه بسلاح نوعيّ يسمح له بالدفاع عن نفسه ووطنه».
ولا يُخفي أرسلان خشيته من أن ينعكس الاحتقان الدرزيّ في سورية على لبنان، مشيراً إلى «أنّ الموحّدين في الجبل يتعاطفون تلقائياً مع إخوانهم المهدَّدين بالخطر ويقفون إلى جانبهم في أي خيار يتخذونه للدفاع عن أنفسهم». ويلفت إلى «أنّ النيات الشريرة للعدو الإسرائيلي معروفة، وليس خافياً أنّه يحاول استغلال مكامن الخلل في الوضع السوري الحالي بشتى الوسائل لتنفيد مشروعه الساعي إلى تفتيت سورية وزرع الفوضى في أرجائها ضمن سياق الشرق الأوسط الجديد الذي يطمح إليه».
الى ذلك، تُواصل قوات الاحتلال الصهيوني خرقها وقف إطلاق النار والتمادي في اعتداءاتها على جنوب لبنان جوًّا وبرًّا، وكان آخرها استهداف سيارة في رأس الناقورة بأكثر من غارة بصواريخ مُسيّرات «إسرائيلية»، بالقرب من مكبّ للنفايات جنوب موقع «اليونيفيل»، ممّا أدى إلى جرح شقيقين من آل جهير كانا يتفقّدان أرضهما في رأس الناقورة، وقد جرى نقلهما إلى المستشفى.
وعمد الطيران المُسيّر إلى استهداف محاولات الاقتراب من السيارة بغارة ثانية، وشنّ غارةً ثالثة على محيط السيارة المستهدفة، وذلك لمنع عناصر الجيش وفريق من الدفاع اللبناني والمواطنين من الوصول إلى المكان المستهدف.
كما قام العدو «الإسرائيلي» بعملية تمشيط بالرصاص والرمايات الرشاشة من موقع العاصي المعادي باتجاه منطقتي الجدار ودرب الحورات جنوب شرق مدينة ميس الجبل، مستهدفًا المواطنين والأهالي الذين حاولوا تفقد منازلهم المدمّرة عند أطراف ميس الجبل الشرقية، حيث تضرّرت سيارة مدنية تعود لأحد المواطنين من دون تسجيل إصابات.
وفي سياق الاعتداءات الصهيونية، ألقت مُحلّقة معادية صهيونية قنبلة صوتية باتجاه مواطنين على الطريق المؤدية من تلّ النحاس إلى كفركلا.
كذلك واصلت المحلّقات التجسّسية التابعة للعدو خرقها للسيادة اللبنانية، فحلّقت مُسيّرة معادية على علو منخفض جدًّا فوق سهل مرجعيون، والقليعة، وبرج الملوك، والخيام، كما حلّقت طائرة مُسيّرة مُعادية على علو منخفض في أجواء بلدة الناقورة.
وأكّد عضو كتلة «التنمية والتحرير» النّائب علي حسن خليل، التزام الحكومة ببيانها الوزاريّ في شأن العمل على تحرير الأرض. ورأى أنّ ذلك يستوجب أولًا أن يكون هناك موقف جماعيّ، داخل مجلس الوزراء، على هذه المسؤولية وأن لا يتحول الغنى في الاختلاف السياسيّ، داخل مجلس الوزراء، إلى انقسام في الرؤيا الوطنية. وقال: «نحن ملتزمون بوضوح في تطبيق القرار ١٧٠١ ومن يخرق الاتفاق وكل ملحقاته هي «إسرائيل»، من يخرق ويعتدي ويحتلّ ويضرب الإرادة الدولية هي «إسرائيل»». وشدّد على وجوب الالتفات إلى هذا الأمر وأن «لا نعطي «إسرائيل» أي ذريعة نتيجة خطاب سياسيّ ينطلق من حسابات ضيقة أو فئوي». كما شدّد على وجوب أن تكون اللغة المشتركة بين جميع أعضاء الحكومة ووزرائها نابعة من الالتزام الوطني باتجاه مسؤوليّة التحرير بكل الوسائل كما ورد في البيان الوزاريّ. ورأى خليل أنّ لبنان في مرحلة مصيريّة بالتوازي مع ما يجري في كل المنطقة، هذا الأمر يستدعي مقاربة جديدة للتحديات الداخلية والخارجية أولًا.
بدوره، أشار نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب إلى ضرورة إقرار الاستراتيجية الدفاعية لأنها مهمة، وعلى اللبنانيين الاتفاق على كيفية حماية لبنان، خاصة أن الجيش اللبنانيّ ممنوع أن يتسلّح لمواجهة «إسرائيل» وهو يفجّر السلاح الذي يصادره في الجنوب.
ورداً على سؤال حول تهديد «إسرائيل» بمهاجمة لبنان مجدداً، أكد الخطيب بأنه «إذا كان الإسرائيلي يريد مهاجمة لبنان لن نستسلم ولن نخضع له، و»إسرائيل» لم تستطع إخضاع المقاومة خلال الحرب». وأردف «نحن نطالب بإقامة دولة حقيقيّة في لبنان وتطبيق اتفاق الطائف كاملاً، وهذا هو المطلب الأساسي اليوم». واعتبر أن «زيارة رئيس الحكومة نواف سلام للجنوب ايجابية وتدل على أنّه مهتم بإعمار المنطقة وتحرير ما تبقى من الجنوب». واستطرد بأنه «بالرغم من الإيجابية في زيارة سلام إلى الجنوب، ولكن كان يمكن له أن يكون أوضح بتصريحه فيخفف عن الناس أكثر، وكان أفضل لو تصرّف كرئيس الجمهورية جوزيف عون وتطرّق إلى موضوع شهداء المقاومة».
وعشية جلسة لمجلس الوزراء سيرأسها الرئيس عون اليوم في قصر بعبدا، اجتمع رئيس الحكومة نواف سلام مع وزير المال ياسين جابر وحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري وجرى البحث في شؤون مالية.
فيما يستبعد ان تُطرح التعيينات اليوم في مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال، أعلن وزير المال في حديث لـ«الشرق بلومبرغ»، أن «تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان سيتم قبل نهاية شهر آذار الحالي، بهدف تأمين استمرارية العمل في المصرف»، معتبراً أن «على الحاكم الجديد أن يتمتع بسمعة طيّبة وخبرة طويلة وأن يكون معروفاً ولديه تاريخ في المجال المالي والنقدي». وبالنسبة إلى موضوع شطب الودائع في المصارف، أكد جابر أن «هذا الأمر ليس وارداً»، مشدداً على أن «التركيز ينصبّ على تعيين حاكم جديد «يقدّم خطة نقدية ويعالج موضوع الودائع. وبعد إنجاز ذلك، تتم معالجة قضية الدائنين، حيث تمّ توجيه المصارف إلى تأجيل موضوع الدائنين حتى سنة 2028 تقريباً».
وعلمت «البناء» أن سلة التعيينات في المواقع الأمنية والعسكرية والقضائية والمالية لم تنضج بعد ولا زالت تحتاج إلى مشاورات بين رئيسي الجمهورية والحكومة ووزراء المال والدفاع والداخلية، مشيرة إلى أن في جلسة اليوم لن يطرح ملف التعيينات من خارج جدول الأعمال.
وفي حين موقع قائد الجيش أصبح شبه محسوم ولا خلاف عليه لكون رئيس الجمهورية لديه الرأي المرجح في هذا الموقع غير أن معلومات «البناء»، تشير إلى أن موقعي قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان سيخضعان للتأثير الأميركي، وتلفت المعلومات إلى أن المطروح في حاكمية مصرف لبنان الوزير السابق جهاد أزعور المدعوم من قبل الرئيس فؤاد السنيورة، وكريم سعيد المدعوم من رئيس الحكومة ومجموعة «كلنا إرادة»، غير أن أوساط متابعة رجحت لـ«البناء» تعيين اسم غير هذين الاسمين.