الشياطين الجدد
شهناز صبحي فاكوش
ليس بجديد تواجد الشياطين المأجورين في منطقتنا… لكن ظهورهم المكثف واستيلاءهم على الأرض وتحكّمهم برقاب العباد، بدأ يدخل المجال السياسي منذ ظهور السعوديين أبناء محمد بن عبد الوهاب في الحجاز، وبيعهم فلسطين لليهود.
رغم أنّ الشاه في إيران كان من أتباع الولايات المتحدة الأميركية، لكن التخلي عنه أو عن أيٍّ من عملائها، لا يحتاج إلا توريطه أو زجّه في أمر ما، يكون فيه تحقيق مصلحة استعمارية، ثم ينتهي بالضربة القاضية، أو بإهماله للوصول إلى النتيجة ذاتها.
سُخِّر صدام حسين بعد تنحية البكر لضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بحجة «محاربة الشيعة»… عجباً! ألم يكن الشاه رجلهم شيعيّاً؟ أدخلت العراق في حرب أنهكت جيشها على مدى ثماني سنوات، ثم ورطته ابريل غلاسبي باتجاه الكويت وصولاً إلى احتلال أميركا للعراق وحلّ الجيش العراقي.
إذاً الشياطين تصنعهم أميركا وترسلهم إلى المنطقة. أو تنتقيهم من شياطين الداخل لتنفيذ مآربها حيث توجد لها مصالح… وهي المتنفّذة في العالم على أنها القادر الوحيد على رسم الجغرافيا الحديثة… حيث تضع يدها.
الزرع الجديد أنبت سلمان على العرش السعودي… هذا الداعم الرسمي للإرهاب، ولـ«الإخوان المسلمين» كما تحدّث عنه تاريخه الحافل، وتأكد بحرب «عاصفة الحزم» على الجار اليمني، وهي باكورة منجزاته الإرهابية في المنطقة.
الحرب على اليمن هي المسمار الأول في نعش النظام السعودي، ولو استجدى بعد إشعال نيرانها قراراً مما يُدعى بالجامعة العربية، متذرّعاً بحلف عربي تدعمه دول اشتراها ببعض المعاهدات السابقة مثل باكستان، لكنها لم تدخل معه حيث لا منطقية في ذرائعه ضدّ اليمن.
أما المسمار الأهمّ… فهو في هبوب عاصفة قرارات سلمان في البيت السعودي، بانتزاع مراكز القوة من إخوته واحتكار ولاية العهد ولثلاثة أجيال في أبنائه. سابقة في تغيير للنظام الملكي القائم. ما استفز الشيطان الأقدم في بلاطهم، الهزاز الفيصل ـ أقدم وزير خارجية متعارف عليه ـ عند تنحيته.
المسمار الأكبر تدقه مؤسسة حقوق الإنسان «هيومن رايس ووتش»، بإعلانها استخدام العدوان السعودي على اليمن القنابل العنقودية المحظورة دولياً، التي تترك آثارها الإجرامية على المواطنين المدنيين، وتدعم ذلك بإصابات حية وآثارها عليهم.
جاءت «عاصفة الحزم» على اليمن عربون ولاء لأميركا، لينال الضوء الأخضر لتحريك أحجار الشطرنج على الرقعة السعودية، بما يوافق أهواءه، وهو المُبَشَّر منذ توليه من قبل أوباما أنّ مشكلته مع الشباب في الداخل السعودي.
التورّط في العدوان على اليمن دفاعاً عن شرعية وديمقراطية، لا يتنسّمها الحجازيون والنجديون وأبناء شبه الجزيرة العربية… مسمار آخر يدقّ في نعش العرش، وسيأتي عليه بريح صرصر، لا تبقي ولا تذرذ.
كان اعتداء بوش الابن على العراق ليس فقط بذريعة أسلحة الدمار الشامل، بل دفاعاً عن ديمقراطية مزعومة، دمّرت العراق وأعادته إلى ما قبل الحضارة، فهل مطلوب من سلمان أن يكون مستنسخاً منه، ليلعب ذات الدور التدميري، معلناً هويته الأمريكية؟
الشياطين الجدد في السعودية يدعون إلى مجلس التخريب الخليجي، ولكن هذه المرة في كامب دايفيد وبحضور أوباما… لماذا «كامب دايفيد؟ هي رسائل واضحة غير مشفّرة يطلقها أوباما الذي وعد الكيان الصهيوني بأنه ما زال الابن المدلل وأمنه من مسؤوليته.
أولها تطييب خواطر نتنياهو وحكام الكيان الصهيوني، الذين توجسوا من تخلي أميركا عنه بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، وثانيها منح مزيد من الأمان للكيان الصهيوني بتثبيت المعاهدة المصرية معه، والتي تحمل ذات الاسم، والشهود دول الخليج.
أما الأمر الذي يُراد توضيحه للعلن فهو وضع الجميع بمن فيهم ملك المغرب الذي لا يحضر القمم العربية، ويقضي معظم الزمن ليس في المغرب بل في قصوره بفرنسا. ها هو في ضيافة سلمان السعودي، ليكون في حاضنة الكيان الصهيوني «كامب دايفيد».
ما يدعى بمجلس التعاون الخليجي الذي أدخل المغرب والأردن في تكوينه. وهما ليسا ضمن الجغرافية التي صنّع منها المجلس، دلالة واضحة على تجمّع تلامذة الإدارة الأميركية ملوكاً وأمراء ومشيخات.
أما استبعاد العراق بداية ونهاية، وهي الأقرب جغرافياً، يشهر هويته العمالاتية، الأميركية الغربية، وحمايتها للاستبدادية القائمة فيها، بحجة أنظمتها الضامنة لها بعيداً عن الديمقراطية. التي تتذرّع بها لمواجهة أيّ نظام جمهوري.
الدلالة الكبرى محاربتها اليوم لجميع الأنظمة العربية الجمهورية، بأشكال مختلفة فإما أن تُذعن لأهوائها، والقبول بأن تكون تحت الإبط الأميركي، المحكوم باللوبي الصهيوني. لتخرج بأقلّ الخسائر، على أن تبقى حذرة من أيّ حركة ترفع بها رأسها.
أو أن تخرّب بلدها وتنتهك حرماتها مباشرة، كما في غزو العراق، وضرب الناتو لليبيا، أو بأيد مختلفة تجمعها الهوية الإرهابية، كما في الحرب القذرة ضدّ سورية.أو أن تذعن للتقسيم كما السودان. أو أن تدمَّر بأقرب يدٍ لها وهذا ما يحدث في اليمن.
وقد تترك للفوضى وعدم الاستقرار كما هي الحال في تونس… أو أن تبقى تحت التهديد المستمرّ بنشر الإرهاب، أو الاعتداءات البينية الداخلية كما الجزائر، أو النزاع الطائفي والفراغ السياسي كما لبنان. إذن لا بدّ أن يبقى المواطن العربي يقفز على الصفيح الساخن.
هولاند إلى الخليج لتوقيع صفقة بيع مقاتلات فرنسية لقطر، ثم ليحلّ ضيفاً على الرياض وبعدها سيكون ضيفاً مرحباً به على مجلس «كامب دايفيد».
كلّ شيء مطروح للبيع، فلا ضير أن تبيع الأردن معبر «نصيب» لـ«النصرة»، فسابقتها كانت في بيع «وادي عربة» لابن صهيون، ولا ضير أن تبيع دول الخليج نفطها مقابل سلاح تقتل به جوارها من الأهل.
لم لا فسوق عكاظ ما عاد ينصب للشعر ديوان العرب فقط، بل لبيع الهوية العربية، فهل ينطبق عليه المثل المصري «مولد وصاحبه غايب»؟ إنْ كان كذلك فهل من أمل في عودة هذا الصاحب…؟ أم أن الأمل يتلاشى على يد جو بايدن المقيم اليوم في العراق، ليعلن نهاية صلاحية «سايكس ـ بيكو»، ويبدأ بتقسيم العراق عملياً إلى ثلاثة أقاليم؟ بتسليح العشائر لما أسماه تسليح السنة، ليكون لها قَطْعٌ جغرافي؟
إقليم كردي بوجود البرزاني في واشنطن للتسليح لتحرير الموصل وإلحاقه بجغرافيا كردستان وتوسيع القَطْع الجغرافي الكردي، ومنح كليهما مالاً كثيراً، والإقليم الثالث للشيعة العراقيين، فهل يحقق بايدن أمنيته رغم رفض الحكومة العراقية وتحذير إيران؟
وخريطة «الشرق الأوسط الجديد» هل ينال «شرف» تنفيذها بايدن نائب أوباما فيكتب اسمه التاريخ كما كتب قبلاً اسمي سايكس وبيكو. «ما حدا أحسن من حدا»، التجربة تبدأ في العراق كما بدأ الاستعمار الجديد أولى حملاته في العراق عام 2003.
هل ينتشر فايروس التقسيم إلى اليمن وسورية كما يُعلن؟ وهل تسمح أميركا أن يتقاسمه معها شركاء أتراك وسعوديون؟ سؤال قد لا يكون له جواب الآن؟