اسحاق رابين يتكلم بلسانين!*

في أروقة الأمم المتحدة، وأمام عدسات المصوّرين، وفي مقابلات صحافية وخطابات علنية، يعلن إسحاق رابين أنه يسعى للسلام، وأنّ «اتفاق غزّةَ – أريحا» ما زال في مساره الطبيعي، و«أنّ دولة إسرائيل تسعى لإقامة علاقات طبيعية مع جيرانها العرب»!
إنه لسان «إنكليزي» غايته تلميع صورة «إسرائيل» أمام الرأي العام العالمي، بعد أن لاحظ حكّام الدولة العبرية أنّ هذا الرأي لم يعد مستعدّاً للموافقة على كلّ ما تفعله دولة احتلّت أرضاً بالقوّة، وطردت شعباً لتزرع مكانه شعباً آخر جاء من كلّ مكان.
لكنّ لإسحاقَ رابين لساناً آخر، يتحدث فيه أمام أعضاء حكومته، وبين جنرالات حربه، وبين المستوطنين اليهود، وفي الكنيست الإسرائيلي؛
إنه اللسان العبري…
ولغة هذا اللسان غيرُها عن لغة اللسان الإنكليزي!
فبلسانه العبري هذا يأمر بضرب جنوب لبنان، وإحداث مجزرة يدفع ثمنها تلاميذُ أبرياء؛
وبلسانه العبري يأمر المستوطنين أن يكونوا الوجه الإرهابيّ المعلن لحكومة تعلن محاربتها الإرهابَ؛
وبلسانه العبري ذاته يعلن حرباً على مدينة الخليل، ويأمر بقصف بيوت العرب بالصواريخ، ليزرع مستوطنات جديدة.
وأقولها آسفاً… إنّ الأكثرية من القادة العرب لم يسمعوا من إسحاق رابين إلا ما قاله بلسانه الإنكليزي؛
والسبب؟ هو جهلهم لطبيعة العقلية العبرية رغم أنهم عاشوا ساديّتها، واستبدادها، وغرائزها، أكثر من خمسين عاماً!
وحدها سورية، سمعت رابين بلسانين، وفهمته بلسانين… وعلى هذا الأساس ترسم سياستها، وتخطّط للمستقبل…
26/3/1994
*من كتابي «وطن للبيع… فمن يشتري؟»