حوارات الدوحة… إلى أين؟

سعادة مصطفى أرشيد*
تبدي الأوساط (الإسرائيلية) الرسميّة غضباً مكبوتاً وتكظم غيظها إثر تسرب أخبار عن أن الإدارة الأميركية قد فتحت قناة اتصال مباشرة مع حركة حماس في الدوحة، وأن الإدارة الأميركية هي مَن كانت وراء تسريب هذا الخبر لوسائل الإعلام وقد علمت به حكومة الاحتلال من وكالات الأنباء، لكن (إسرائيل) تعرف تماماً أن إطلاق تصريحات ضد إدارة دونالد ترامب ليست بعمل حكيم لذلك تكتفي بالشكوى الهادئة وفي الغرف المغلقة، أما المسؤول الفلسطيني الرسمي فقد ابتلع لسانه لأيام ثم عاد ليهاجم حماس باعتبارها غير مخوّلة بالاتصال بجهات أجنبية ولا تمثل الشرعية الفلسطينية التي هي حكرٌ على السلطة في رام الله.
يرى الرئيس الأميركي نفسه مسؤولاً عن الأسرى الذين يحملون جنسية مزدوجة أميركيّة – إسرائيلية والذين يريد الإفراج عنهم ومعهم مَن توفر من (الإسرائيليين)، ويتصرّف فوق ذلك على أنه قائد للعالم، ورب الأسرة الغربية وشيخ القبيلة الرأسمالية، والأخ الكبير لدولة الاحتلال. وهذا يعني أنه يعرف مصلحة (إسرائيل) أكثر مما تعرف حكومتها. وجاءت تقديراته متوافقة مع كثير من العقول الأمنيّة والعسكرية في دولة الاحتلال التي تنظر إلى المسائل بشكل مهنيّ ودقيق، فيما تنظر إليها الحكومة ورئيسها بالطريقة التي تضمن بقاءهم بالحكم ولو على حساب مصالح دولة الاحتلال العليا.
ترى الإدارة الأميركيّة ومعها كثير من العقول الأمنيّة والاستراتيجيّة في تل أبيب أن فكرة القضاء على المقاومة واقتلاعها قد أصبحت بحكم المستحيلة خاصة المقاومة الراديكاليّة في موقفها، وأن فكرة إلغائها وإبادتها إن حصلت فستترك فراغاً لا تستطيع السلطة الفلسطينيّة في رام الله أن تملأه، ولا تستطيع ذلك مصر أو الأردن، أو يستطيعه تجمّع من الشخصيات المستقلة، ولا حتى أي قوات دوليّة وأن “إسرائيل” نفسها إن قررت فعل ذلك فهذا يعني دخولها في مستنقع قد يكون الخروج منه أمراً بالغ الصعوبة، لذلك فإن من الأفضل أن يتمّ حوار مع المقاومة الأقل راديكاليّة والأكثر براغماتيّة، وذات الارتباطات مع البترو- دولار (قطر في هذه الحالة)، وكذلك التابعة في قراراتها الاستراتيجية لحركة الإخوان المسلمين والتي لديها – أي حركة الإخوان المسلمين من المرونة مقداراً كافياً لتقايض مصالح في غزة بمصالح في مكان آخر، وفي كل الأحوال النتيجة التي يريدها الأميركي هي الخروج العسكريّ والقياديّ لحركة حماس ومَن أراد أن يلحق بها من غزة، وترك من لا يعجبه ذلك لمصيره وتسليم السلاح وعلى أن يدعم جمهورها الخطط الأميركية (الإسرائيلية) بالتهجير وتحويل القطاع إلى مشروع استثمار عقاري وسياحي، وما دون ذلك فإن هذا الفراغ لن تملأه إلا جهات المقاومة المتطرفة والتي قد تكون على شكل مجموعات صغيرة أو ذئاب منفردة لا عنوان لها ولا يمكن السيطرة عليها.
لا تلقي الإدارة الأميركية بالاً للخطة المصريّة – العربيّة لإعادة إعمار غزة والتي أقرّتها القمة العربيّة الأخيرة في القاهرة. فهذه الخطة وإن صدرت عن القمة إلا أن الحضور العربي المهم كان غائباً، ثم أن مَن أقرّ الخطة يعرف تمام المعرفة أن لا فرص لتنفيذها طالما لا تحظى بالرضا والقبول من واشنطن وتل أبيب.
تل أبيب في نهاية الأمر لا تستطيع أن تتحدّى القرارات الاستراتيجية للإدارة الأميركية، وبخاصة إدارة دونالد ترامب، التي يصعب تقدير ردة فعلها إن تطايرت التصريحات العلنية التي قد يكون ثمنها غالياً، ولكن إدارة ترامب تستطيع أن تحقق لنتنياهو ما يريد وعلى طريقتها.
يريد نتنياهو الإبقاء على الائتلاف الحاكم وأن يبقى رئيساً للوزراء، وهذا ما يمكن أن تقدّمه له واشنطن بإطلاق يده في الضفة الغربية، الأمر الذي يُرضي أطراف الائتلاف المشارك في الحكومة، وكذلك جمهور المتطرّفين في الضفة الغربية هي ساحة بديلة عن غزة وهي في الوقت ذاته أكثر أهمية من النواحي الدينية – التوراتية كما في النواحي الاستراتيجية من غزة.
المشروع (الإسرائيلي) المطروح في الضفة الغربية يمكن اختصاره بنقطتين:
الأولى ضمّ مناطق واسعة من الضفة الغربية إلى (إسرائيل) جغرافياً لا ديموغرافياً أي ضم الأرض دون سكانها.
النقطة الثانية في تهجير أعداد كبيرة منهم إلى خارج فلسطين، وبالطبع لاستقرارهم في الأردن الذي سيكون وطناً بديلاً أو دولة فلسطينية، أو لاتخاذ الأردن كمحطة انتظار مؤقت لحين نقلهم إلى جهات الدنيا الأربع.
هذا كان – ولا يزال برنامج حكومة الكيان الحالية التي قالت إنها تختلف عن الحكومات التي تولت الحكم منذ عام 1948 حتى تشكيلها عام 2022، مختلفة عما كانت عليه الحكومات السابقة التي كانت تدير الصراع مع الفلسطينيين، أما هذه الحكومة فستحسم الصراع معهم بالضمّ والتهجير والتطهير وإقامة دولة يهودية خالصة، وهي خطط سبق للوزير سموتريتش أن كتبها وترجمت للغة العربية في عام 2017.
مَن يتابع أخبار الضفة الغربية يرى أنّها تبدو وكأنّها قد عادت إلى ما قبل 1993 أي عام تشكيل السلطة الفلسطينيّة فهي محتلة بالكامل ولا تكاد مركبات الاحتلال وعساكره وطائراته المسيّرة تتوقف عن الدوران، فيما يتواصل القتل والاعتقال وهدم المباني ومصادرة الأرض والأخطر في كل ما تقدّم هو إطلاق يد المستوطنين المسلّحين بالبارود والحقد والإجرام لممارسة أبشع ما تحمله أنفسهم من كراهية للفلسطيني ولدفعه ليغادر حقله ومزرعته ومن ثم مغادرة فلسطين مهاجراً إلى غير عودة.
هل ترى واشنطن أن هذه الحوارات ونجاحها في جلب حركة حماس إلى المكان الذي يريدون شرط لنجاح مشاريعها؟ وأن فشل الاتفاق يعني أن تنفيذ المشروع الأميركي يحتاج إلى عودة الحرب من أجل وضع أهل غزة أمام أحد خيارين: الموت أو الرحيل؟
هذا ما يواجه الفلسطيني اليوم إنْ في غزة وإنْ في الضفة الغربية، وفي الوقت ذاته في الأردن، وهذا ما يستدعي أعلى درجات الحذر والبحث عن أدوات للتصدّي لما تقدّم.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين – فلسطين المحتلة