مقالات وآراء

لبنان بين آمال بناء الدولة ومخاطر التدخلات الخارجية

 

 باسم جوني

 

يستمرّ العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان، رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار تحت الرعاية الأميركية. وقد تمّ توثيق أكثر من ألفي خرق «إسرائيلي» منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار، حيث تضمّنت الخروقات تفجير منازل، قصفاً جوياً ومدفعياً، وتوغلاً لجيش الاحتلال داخل الأراضي اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك، عمدت «إسرائيل» إلى البقاء في أكثر من 7 نقاط رغم زعمها البقاء في 5 فقط، مما يتيح لها التوغل بشكل متواصل داخل القرى اللبنانية. وقد سجل صباح الأحد الفائت توغلاً إسرائيلياً داخل بلدة العديسة جنوب لبنان، ضمن سياق الاعتداءات اليومية على الأراضي اللبنانية، لتصبح أكثر من 20 نقطة لبنانية تحت الاحتلال «الإسرائيلي» بعدما كانت 13 نقطة قبل اندلاع الحرب الأخيرة على لبنان.
وفي النظر إلى الواقع الداخلي اللبناني، يظهر للمتابع وجود شرخ واضح بين الدولة اللبنانية والظروف التي يمرّ بها المجتمع اللبناني بشكل عام، وأهالي الجنوب بشكل خاص. لعلّ أبرز ما يعكس هذا الشرخ هو إقرار حكومة نواف سلام لموازنة عام 2025 التي أعدّتها الحكومة السابقة برئاسة نجيب ميقاتي، والتي تفتقر في رؤيتها الاقتصادية إلى الأخذ بعين الاعتبار مستجدات توسع الحرب «الإسرائيلية» على لبنان.

تطبيق القرار 1701

بعد حرب تموز عام 2006، نص القرار الدولي على انتشار 15 ألف عسكري من الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني، وهو ما لم يكن للجيش قدرة عليه، حيث انتشر حينها حوالي 4000 إلى 5000 جندي. ومع العودة إلى تطبيق القرار في أكتوبر 2024، وصل عدد عناصر الجيش اللبناني إلى حوالي 6 آلاف عسكري، مع ارتفاع هذا العدد في ظلّ زيادة أعداد المتطوعين. وفي إطار التزام لبنان في تطبيق القرار 1701، تسلّم الجيش اللبناني العديد من النقاط العسكرية ومخازن الأسلحة التابعة لحزب الله. أما في الشق السياسي، فأعلن رئيس الجمهورية جوزاف عون، مراراً عن التزام الدولة اللبنانية في متابعة ملف الأراضي اللبنانية المحتلة، ومحاولة تحريرها ديبلوماسيّاً، عبر تقديم الشكاوى إلى مجلس الأمن، والضغط على «إسرائيل» من خلال لجنة مراقبة تنفيذ وقف الأعمال العدائية، دون اللجوء إلى الطرق العسكرية، لتجنّب الدخول في حرب مع «إسرائيل». وكان أوّل إنجازات الحلّ الديبلوماسي هو تحرير 5 أسرى لبنانيين، اعتقلتهم «إسرائيل» في الفترة السابقة، مع استمرار المفاوضات غير المباشرة بين لبنان و»إسرائيل»، عبر الولايات المتحدة، لتحرير ما تبقى من الأسرى اللبنانيين الموجودين داخل أراضي فلسطين المحتلة.

سيادة الدولة اللبنانية برضى أميركي

نجحت المشاورات بين رئيس الجمهورية جوزاف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، في الوصول إلى الاتفاق على أسماء قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية. حيث تمّ تعيين العميد الركن رودولف هيكل قائداً للجيش اللبناني، والعميد حسن شقير مديراً عاماً للأمن العام، والعميد إدغار لاوندس مديراً عاماً لجهاز أمن الدولة، كما تمّ تعيين العميد رائد عبد الله مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي. وإنْ دلّت هذه التعيينات على شيء، فإنها تشير إلى الاستمرار بنفس النهج المتبع سابقاً، من خلال التعيين بحسب المحاصصة الطائفية التقليدية، على خط بعبدا ـ عين التينة، مع موافقة السرايا الحكومي عليها. وبالطبع كسابقتها، مع رضى أميركي كامل، حيث قد وضعت واشنطن سابقاً «فيتو» على العديد من الأسماء التي كانت مطروحة لتولي قيادة الجيش خلفاً للرئيس جوزاف عون، فضلاً عن إعلانها في الرابع من آذار عن رفع التجميد عن 95 مليون دولار من المساعدات للجيش اللبناني ـ
كما أوردت «رويترز»، وعن مشاورات تجريها الولايات المتحدة مع الحكومة اللبنانية، لاختيار حاكم مصرف لبنان الجديد في سياسة أميركية متشددة وواضحة، لمحاولة تقليص نفوذ حزب الله، مقارنةً بالمرحلة التي سبقت فتح جبهة الإسناد في الثامن من أكتوبر 2023.

مستقبل لبنان
بين الواقع المحلّي والإقليمي

إنّ شكل التغيير الحاصل وطبيعة ظرفه، تُظهر أنّ الأولوية لا تكمن في تحسين الحياة المعيشية أو القيام بالإصلاحات الجذرية، بل الهدف هو تقويض فريق الممانعة، مع وضع معادلة واضحة على الطاولة تتمثل بإعادة الإعمار مقابل سحب السلاح. وأنّ الإصلاحات لا تكمن في محاسبة الفاسدين من مختلف الفرق السياسية التي شاركت في تعميق الأزمة الاقتصادية منذ عام 2019، بل تتعدّى ذلك لتركز على تقليص، أو ربما محاولة إنهاء دور حزب الله في لبنان وتأثيره على الواقع الإقليمي. فمنذ إعلان وقف إطلاق النار، بدأت تظهر معالم الشكل الجديد الذي يُرسم للمنطقة، حيث يُعدّ لبنان من أول المتأثرين بذلك. فإنّ انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، بموافقة أميركية، وما تضمّنه الخطاب الرئاسي، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نواف سلام بدعم سياسي خليجي. وما شهدناه من توزيع للحقائب الوزارية، وافتقار البيان الوزاري إلى خارطة إنقاذ عملية ورؤية اقتصادية واضحة. وصولاً إلى ملف التعيينات الأمنية والعسكرية، الذي سيؤدّي دوراً بالغ الأهمية في تطبيق القرار 1701 على الحدود اللبنانية، بالإضافة إلى العمل على إنهاء الفراغ في حاكمية مصرف لبنان. وما يحمله المشهد الحالي من استمرار للعربدة «الإسرائيلية» في لبنان، وبناء الجيش «الإسرائيلي» لمراكز عسكرية في النقاط الواقعة تحت احتلاله، مع تقدّمه في سورية، والأحداث الأخيرة في الساحل السوري التي قد تؤثر على لبنان إذا استمرّت، نظراً إلى الواقع اللبناني الغني بالصراعات الطائفية. يجعلنا أمام احتمالات عديدة: إما العودة إلى النقطة الصفر مع استئناف الحرب في ظلّ استمرار الاعتداءات «الإسرائيلية» وما قد تحمله المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية، وهذا ما لا يريده ترامب حتى الآن، أو صراع داخلي لبناني تتسبّب فيه عوامل مختلفة بدءاً من أحداث الساحل السوري وصولاً إلى ما قد تفرضه الدولة اللبنانية بدعم أميركي لمحاصرة حزب الله في الداخل اللبناني. أو ربما يتبنّى الحزب رؤية جديدة قد تبعده عن الصدام مع الداخل والخارج، في سياق إعادة بناء نفسه بعد الضربات التي تلقاها، مما سيؤدّي إلى سير الخطة الأميركية في لبنان بسلاسة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى