أولى

الانفجار التركي

 

يصعب على أي مراقب للوضع التركي تصديق الرواية السطحية للحكومة التركية عن طابع تقني قضائي للملاحقة التي تسببت بانفجار المشهد التركي، بعد أن استهدفت أحد زعماء المعارضة، رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام اوغلو بتهم فساد ورشى.
الانفجار الذي شهده الشارع التركي تفاعلاً مع التطورات الأمنية والقضائية لملاحقة أوغلو، يقول إن الغليان يرتبط بعوامل انقسام سياسي حاد كان ينتظر شرارة الإشعال، كما يقول إن المشهد السوري وتداعياته يلعبان دوراً محورياً في هذا الانقسام.
تحت تأثير الانحياز إلى خيار إسلامي بعنوان نصرة غزة من جهة، أو الانحياز الى العنوان المذهبي لأولوية السيطرة على سورية عبر نصرة جبهة النصرة، ينقسم التيار الإسلامي التقليدي في تركيا، حيث يقود حزب الرفاه الجديد محور نصرة غزة ويتّهم حكومة الرئيس رجب أردوغان بدعم كيان الاحتلال اقتصادياً من تحت الطاولة، ويسأل عن سبب عدم السير على طريق بوليفيا وكولومبيا بقطع العلاقات مع الكيان، وهذه دول غير إسلامية وبعيدة آلاف الكيلومترات عن فلسطين. وبالمقابل يقود حزب العدالة والتنمية محور الرهان على العثمانية الجديدة من بوابة سورية تحت سقف معادلات دولية وإقليمية لا تزعج أميركا و”إسرائيل”، كما قالت تجربة ما بعد السيطرة على سورية.
بعدما بدا لأسابيع أن رهان العدالة والتنمية يربح، بدأت التعقيدات بالظهور مع اقتناع الشركات التركية الكبرى بأن وعود المشاريع الضخمة وإعادة إعمار سورية، قد تبخّرت، فلا تمويل عربي ولا تمويل أوروبي ولا رفع عقوبات حقيقي، والفقاعة المالية التي نمت على هامش هذه الآمال انهارت بسرعة، في اقتصاد يعاني الاختناق وكانت بوابة سورية آخر فرص الخروج من عنق الزجاجة.
أظهرت أحداث الساحل السوري تأثيراً متعاكساً داخل المجتمع التركي، فقد قابل التضامن العلوي التركي مع ضحايا مجازر الساحل السوري والداعي بصوت مرتفع إلى تدخل تركي يليق بدولة علمانية، برز التيار العثماني الفاشي الذي يعتبر الحفاظ على الحكم الناشئ في دمشق وحمايته من أي انتقاد قد يُضعف قبضته، دفاعاً عن أول تجربة عملية واعدة تقدمها نظرية العثمانية الجديدة.
الواضح أن الأطراف المتقابلة في المشهد التركي قد اقتربت من استحضار كل أوراق قوتها على طاولة المواجهة في اللحظة التاريخية الراهنة، ويبدو أن بين الإسلاميين المساندين لغزة والمناهضين لمشروع العثمانية الفاشية وبين الأكراد والعلويين والعلمانيين تفاهمات على خوض معركة مواجهة فاصلة سوف ترسم مستقبل تركيا، ومعها مستقبل المداخلة التركية الإقليمية انطلاقاً من سورية.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى