معركة القلمون… ومصير المنطقة

راسم عبيدات

في إطلالته الأخيرة، قال السيد حسن نصر الله، إنّ خطر الجماعات التكفيرية في القلمون وبالذات «جبهة النصرة» المرتبطة بالنظام السعودي، هو خطر جدي وحقيقي وقائم كل يوم، وليس خطراً افتراضياً. إذ إن تلك الجماعات تسيطر على مساحة واسعة من أراضي الدولة اللبنانية وتعتدي على الجيش اللبناني وعلى المواطنين اللبنانيين في عرسال، وكذلك يستمرّ احتجاز الجنود اللبنانيين. وأضاف سماحته: «أن نذهب لعلاج ما للجماعات المسلحة أمر محسوم، لكن الزمان والمكان لم يتم إعلانهما بعد»، وشدد على أنه لو أرادوا انتظار الإجماع اللبناني، لكانت الجماعات المسلحة داخل الأراضي اللبنانية، ولذلك سيذهبون لمعالجتها. وأضاف: «سنقول لمن يقولون من كلفكم بهذا الأمر: هذا تكليف إنساني وأخلاقي وديني ومن يتخلف عن هذا الأمر وهو يستطيع القيام به يتحمل المسؤولية».

معركة القلمون التي اقترب موعدها كثيراً، وهي معركة كسر عظم بين سورية وحزب الله ومعهما إيران ضد الجماعات المسلحة والمتطرفة من «نصرة» و«داعش» وغيرهما من مستنبتات وطحالب الإرهاب والتكفير المشيخاتي الخليجي ومعها جماعة التتريك، وعلى وجه التخصيص الحلف السعودي – القطري – التركي و«الإسرائيلي»، معركة ذات أبعاد استراتيجية، سيكون لها الكثير من التداعيات والنتائج على مستقبل المنطقة برمتها، ليس فقط على الصعيدين اللبناني والسوري، بل تتعدى ذلك للإقليم والعالم و«إسرائيل» في قلب ذلك.

طحن وكسر عظم تلك المجموعات يعني أن المشروع الإقليمي الأميركي للمنطقة سيتم القضاء عليه، هذا المشروع الذي بشرت به وزيرة خارجية أميركا السابقة كونداليزا رايس في الحرب العدوانية التي شنتها عنها «إسرائيل» بالوكالة في تموز 2006 على حزب الله والمقاومة اللبنانية، ولعل من المهم التذكير بأن أحادية قطبية أميركا لم تعد قائمة في القرن الواحد والعشرين، وقد خسرت أميركا ذلك من بوابة حربها على أفغانستان والعراق، حيث نشهد بروز تعددية قطبية في العالم.

حرب مفتوحة حشدت فيها كل قوى العدوان جميع أنواع السلاح بمختلف قطاعاته وأنواعه ومسمياته، وضخت المليارات من الدولارات وأكبر احتياطي بشري إرهابي وتكفيري، تم جلبه وتجريبه واستخدامه بمختلف مسمياته وعناوينه إلى وفي سورية، مترافقاً ذلك مع حرب سياسية وإعلامية واستخباراتية ودبلوماسية ولوجستية ضد النظام السوري من أجل إسقاطه وتغيير وجه المنطقة، وترسيخ معالم المشروع الأميركي في المنطقة والقائم على الفوضى الخلاقة والتفكيك وإعادة التركيب للجغرافيا العربية خدمة لهذا المشروع، ولكن لم تنجح أميركا وكل هذه المروحة الواسعة من الحلفاء التابعين في إسقاط الحلقة السورية، التي شكلت رقماً صعباً أمام هذا المشروع، ولذلك سعت إلى محاولات تحسين وتغيير الظروف والمعطيات على أرض الواقع من خلال عاصفة «حزم»، كالتي شنت على فقراء اليمن من قبل السعودية، اندفاعات واسعة لآلاف الجماعات الإرهابية من شيشان وتركمان وعرب وغيرهم، مدججين ومغطين بقصف بأحدث أنواع السلاح من الأراضي التركية، والسيطرة على مدينة إدلب وجسر الشغور، وتجنيد أسطول إعلامي واسع للتهليل والتطبيل لهذا «النصر» المبجل عن قرب سقوط النظام السوري، ولكن كل هذا التهليل والتطبيل والتزمير والتضخيم، ليس سوى فقاعات بالون فارغة، فتركيا في حربها هذه، كما هي حرب السعودية على اليمن، فأقصى ما ستحققانه هو تحسين شروطهما التفاوضية لا أكثر.

ولكن الحسم وتغيير الخريطة للمنطقة سيكونان في القلمون. حسم القلمون يفتح الطريق نحو إدلب وحلب والرقة والحسكة، والسقوط المدوي للمشروع الأميركي- «الإسرائيلي» التركي – الخليجي في المنطقة، وحسم روسيا مكانتها كقوة كبرى مقررة في العالم، وإيران ستصبح النافذة والمتسيّدة إقليمياً ومعها مروحة واسعة من قوى المقاومة من الشام حتى صنعاء. وإذا لم تحسم المعركة في القلمون أو حسمت لمصلحة الحلف المعادي بمجاميعه التكفيرية والظلامية والقوى العربية والإقليمية والدولية الداعمة لها، فالحلف التركي- «الإسرائيلي» الخليجي سيسيطر على المنطقة اقتصادياً وأمنياً، ويتقزم الدور الروسي لمجرد دولة آسيوية ملحقة وتابعة في القطب الأميركي- الأوروبي الغربي.

معركة القلمون والنصر فيها، يعني حلحة وفك الكثير من الملفات العالقة لبنانياً من الرئاسة إلى الحكومة، فالقضايا الأمنية والأمن والاستقرار وقوى الإرهاب والتطرف، وفي سورية هذه المعركة والحسم فيها مهم لجهة تعزيز الحماية الواسعة حول دمشق، وكذلك هذا النصر مهم جداً لجهة الروح المعنوية للشعب السوري، بعد ما تعرضت له من انتكاسة وتأثيرات سلبية عقب سيطرة عصابات النصرة على إدلب وجسر الشغور، ونشر الأكاذيب والتضليل من قبل القوى المعادية، حول اقتراب سقوط النظام السوري، وكذلك قطع الطريق على التمويل وتهريب السلاح والأفراد والجماعات الإرهابية من لبنان إلى سورية.

وحسم القلمون يعني أن عمق المقاومة سيتسع، وهذا سيشكل خطراً جدياً على دولة الاحتلال «الإسرائيلي».

ما قبل القلمون ليس كما بعدها، هي حرب ستحدد مصير المنطقة، معركة القلمون شبيهة بجبال «تورا بورا» في أفغانستان»، المارينز الأميركي عجز عن تحقيق انتصار على جماعة «طالبان»، ولكن حزب الله وسورية سيوجهان ضربة كاسحة للقوى التكفيرية والظلامية، وستخلق المعادلات الجديدة من نجران في اليمن، حيث الجيش اليمني خرج للمنازلة، وفي القلمون حزب الله وسورية يخرجان للمنازلة لحسم المعركة في شكل نهائي.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى