نتنياهو يسقط مبكراً…!
سومر صالح
أدرك نتنياهو ومن خلفه قادة اليمين والليكود مع بدايات العام 2011 أنّ البيئة الإقليمية والدولية المحيطة بـ«إسرائيل» تمثل فرصة استثنائية لتمرير مشرع «يهودية الدولة»، منطلقاً من قناعة مفادها أنّ تراجعاً قد حدث في مركزية القضية الفلسطينية في الإقليم العربي، نظراً إلى انشغاله بأحداث وتداعيات «الخريف العربيّ»، التي جهدت «إسرائيل» ومن خلفها المنظمة الصهيونية على دعم وتدريب «قادتها»، ومستفيداً من دعم جمهوري لمشروعه في الولايات المتحدة الأميركية. هذه المتغيّرات يمكن الاستفادة منها «إسرائيلياً» في إنهاء الخطر الديموغرافي العربي المتعاظم في الأراضي المحتلة عام 1948، عبر تمرير قانون «يهودية الدولة» في الكنيست والذي سيُواجَه بأقلّ ردود الفعل الإقليمية والدولية في هذه الظروف، والتخلي المصري الأردني حتى عن الحدّ الأدنى المتفق عليه في اتفاقيتي الإذعان في الأعوام 1978 كامب ديفيد و 1994 وادي عربة ، وقد يتجه اليمين المتطرف في «إسرائيل» إلى اعتبار إقرار قانون «اليهودية» في مقابل الاتفاق النوويّ بين الغرب وإيران وتجاهل أميركا لمصالح «إسرائيل» الأمنية، فاتجهت حكومة نتنياهو إلى محاولة إقرار قانون «إسرائيل دولة يهودية» في الكنيست، بعدما أقرّته بالأغلبية في جلسة الحكومة «الإسرائيلية» بتاريخ 23/11/2014، الأمر الذي أثار عاصفة سياسية ودينية في «إسرائيل» وأفضى بتاريخ 2/12/2014 إلى أزمة سياسية قادت إلى حلّ الكنيست لنفسه بتاريخ 8/12/2014 مفسحاً المجال أمام انتخابات مبكرة في آذار 2015.
في النتيجة فاز نتنياهو في الانتخابات التي كان عنوانها إقرار «يهودية الدولة» وإجهاض الاتفاق الغربي مع إيران، الذي أكده نتنياهو في خطابه في الكونغرس الأميركي، هنا اتجهت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى إيجاد صيغة ما ترضي «إسرائيل» من جهة، ومن جهة أخرى تمنع تقويض الاتفاق النووي مع الغرب عبر إرضاء الجمهوريين الذين يعتبرون الاتفاق بحدّ ذاته خطراً على «إسرائيل»، فعملت إدارة اوباما على تهيئة المناخات الإقليمية العربية لتمرير مشروع «يهودية الدولة» عبر توريط السعودية في الحرب اليمنية في محاولة منها لفرض التقسيم السياسي في هذا البلد بين شمال وجنوب ظاهره سياسي ومضمونه ديني، ثم عملت بالتوازي على مشروع تقسيم العراق انطلاقاً من دعم أميركي للكرد في الشمال العراقي وهو ما بدا جلياً في حرب أميركا «الهزيلة» ضدّ «داعش» في العراق، استتبعه الجمهوريون لاحقاً بمشروع تقسيم العراق إلى ثلاث كيانات سياسية، مع تسهيل أميركي لمحاولة تركية سعودية لفرض حكومة أمر واقع في الشمال الغربي من سورية، كلّ هذه المحاولات الأميركية بهدف تهيئة المناخ الإقليمي لتكون «إسرائيل اليهودية» كياناً سياسياً قوياً في المنطقة المفتتة طائفياً وعرقياً.
هذه السياسات الأميركية لاقت قبولاً من نتنياهو فعمل على تخفيض نبرة العداء والتهديد بحرب إقليمية وضربة استباقية لمشروع إيران النووي بعيد نجاحه في الانتخابات المبكرة، وعمل نتنياهو بذات الوقت على إجهاض الاتفاق بأيادٍ عربية فكان الدعم «الإسرائيلي» للسعودية في حربها على اليمن، في محاولةٍ لتوريط إيران بحرب استنزاف مع العرب بدلاً من «إسرائيل»، طبعاً فشل نتنياهو في مخططه نتيجة فشل التحالف العربي في عدوانه، كما فشلت أميركا بفرض حكومة الأمر الواقع في سورية، ليجد نتنياهو نفسه في مأزق أكبر من إجهاض الاتفاق النووي بين إيران والغرب، وهو تشكيل الائتلاف الحكومي، فالتيارات الدينية ترفض مشروع «يهودية الدولة» انطلاقاً من قناعة توراتية لا سياسية، وهو غير قادر بمفرده على تشكيل الائتلاف الحكومي في ظلّ صراع المصالح السياسية والحزبية الداخلية «الإسرائيلية»، ليتجه إلى تقديم تنازل تاريخيّ بسحب مشروع «يهودية الدولة» من بيانه الحكومي المرتقب ومقدّماً تعهّداً للأحزاب الدينية بعدم تقديمه إلى «الكنيست» إلا بتوافق مع فريقه الحكومي، تنازل قاده في اللحظة الأخيرة إلى تشكيل ائتلاف هشّ ومرهون بإرادة الحاخامات الصهاينة ومن أمامهم المصالح الضيقة لقادة الأحزاب الدينية، بذلك يكون نتنياهو قد عاد إلى نقطة البدء في الأزمة السياسية «الإسرائيلية»، فمشروع «الدولة اليهودية» هو من أطاح بائتلافه الحكومي، ليجد نفسه بعد الانتخابات عاجزاً عن تمرير هذا المشروع، وعاجزاً في الوقت ذاته عن إجهاض «اتفاق الإطار» بين إيران والغرب.
إذا فشل نتنياهو فشلاً ذريعاً في تحقيق وعوده الانتخابية قبل تشكيل حكومته العتيدة، تكون النتيجة السقوط السياسي المبكر لنتنياهو، طبعاً هو سيحاول تصدير أزمته السياسية كالمعتاد إلى الخارج، فيجري الحديث عن سعيه لشنّ حرب على الجبهة الشمالية ضدّ المقاومة اللبنانية، وهو بالتأكيد يحظى بدعم عربيّ خليجيّ لمثل هذه المبادرة ويضع في حساباته الخاطئة أنّ سورية مشغولة بأزمتها الداخلية وإيران لن تغامر باتفاقها النووي مع الغرب، وأن لا أفق سياسياً له في الداخل بعد فشل تمرير «قانون اليهودية» في الكنيست، هنا قد يتجه نتنياهو إلى إشعال الحرب، لكنه بذلك يكون قد حفر قبره بيده، لأنّ المقاومة واضحة بخيارتها، وأنّ قواعد الاشتباك قد تغيّرت، وأنّ المعركة لن تكون في لبنان بل في الجليل الأعلى، وأنّ الصواريخ لن تقف في حيفا، طبعاً المقاومة بدأت بإجهاض السيناريو «الإسرائيلي» انطلاقاً من تصفية الذراع «الإسرائيلية» في المنطقة، «جبهة النصرة» الإرهابية التي أوكلت إليها مهمة الانقضاض على «حزب الله» في البقاع الشرقي وجرود القلمون حال التحرك «الإسرائيلي» في الجنوب اللبناني، لتكون رسالة الأمين العام السيد حسن نصر الله أنّ الحزب جاهز ليتواجد في الأماكن التي يتطلب وجوده فيها، رسالة تحدّ إلى الخارج قبل الداخل ونقرأ في انطلاق عمليات المقاومة السورية في الجولان رسالة أبلغ مفادها أنّ الحدود الجغرافية للمعركة قد تغيّرت بالكامل…
طبعاً الولايات المتحدة الأميركية ستعمل على دعم حليفتها «إسرائيل» فإنْ نجحت ولن تنجح تكون أميركا قد كسبت جولة في المنطقة، وإنْ خسرت وهي ستخسر بالتأكيد سيكون نتيجة الهزيمة سقوط نتنياهو السياسيّ والعسكريّ وسقوط حكومته برمّتها، ومع سقوطه يمكن البدء أميركياً بمفاوضات سلام بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» برعاية أوباما.
بالمجمل انتهى نتنياهو سياسياً بفشله بتمرير «قانون اليهودية» بانتظار الضربة القاضية في الجولة المقبلة مع المقاومة اللبنانية، ليكون موعد جمهور المقاومة مع النصر مجدّداً… طبعاً المعركة ستكون قاسية والخسائر كبيرة والتدمير سيكون على نطاق واسع، لكن هذه المعركة لن تكون كسابقاتها، لأنّ ما بعدها ليس كما قبلها، فحجم الخسارة الصهيونية سيكون أكبر من قدرة الكيان على تحمّله عسكرياً وسياسياً، ونحن كجمهور مقاومة خضنا جولات كثيرة مع العدو «والموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة» لكننا على ثقة بالنصر مهما اشتدّ حقد الغزاة ودعم الأعراب، فملامح النصر ترتسم… والصمود والصبر عناوين النجاح.