جنيف ثلاثة بعيونهم وجنيف بعيوننا

جمال العفلق

لا يتوقف الإعلام المعادي لسورية وللمنطقة بشكل عام عن تكرار خطابة الأجوف في محاولة من محاولاته اليائسة رسم صورة للمعارضة السورية على أنها كيان حي وموجود، وخصوصاً ما يسمى «ائتلاف الدوحة». الذي تموله السعودية وقطر وتدعمه «إسرائيل» وأميركا سياسياً وتحتضنه تركيا العثمانية الآن.

لقد أصدر ما يسمى ائتلاف الدوحة بيانه بالموافقة على المشاركة في جنيف ثلاثة، وطبعاً لن نختلف أن كان هذا البيان هو أوامر المموّلين الذين رضخوا أخيراً للخط المنادي بضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار، وعلى رغم أن النتائج معروفة مسبقاً للشعب السوري وللمتابعين للشأن السوري أنّ هذا الائتلاف الممثل لجميع مصالح الدول الممولة والحاضنة ولكنه لا يمثل لا من قريب ولا من بعيد المصالح السورية الوطنية ولا الشعب السوري. وهذا أكرره دائماً وهو ليس بالاتهام أو بالخصومة، إنما واقع يفهمه كل السوريين ما عدا المنتسبين لهذا «الائتلاف».

واليوم وأهل الشام يحيون ذكرى شهداء أيار الذين قضوا على يد السفاح العثماني وعلقت مشانقهم لأنهم كانوا تنويريين وأزالوا تلك الغشاوة المسماة خلافة العثمانيين على بلاد المسلمين.

ولكن الخيانة تركت بيننا من تركت، فجاء من يخدم حلم أردوغان بالعثمانية الجديدة، وكان المال العربي الذي جُهزت له مجموعة من صبيان السياسة لتكون في قصر سلطانهم صاغرة لأوامرهم منفذة لأهواء دافع المال ورغباته.

فهؤلاء يعتقدون أن جنيف ثلاثة هو حفل اقتسام الكعكة السورية وتوسيع نفوذ الاحتلال الإرهابي وإعطاء مناطق لتربية قطعان الإرهابيين لتصبح خنجراً دائماً في الخاصرة السورية. ففي وقت يعلن العالم بأسره أن «داعش» و«النصرة» ومن في فلكهما هم إرهابيون لا دين لهم، يخرج صوت الائتلاف شاذاً مناشداً الأمم المتحدة بأن تمنع معركة القلمون أو توقف تحرير إدلب. هذه الأصوات هي نفسها التي تدعّي أنها تريد حماية سورية، وكيف تحمي سورية وهي التي تغرس الخنجر جسدها؟ جنيف بالنسبة لهم هو حالة استعراض وعرض لأحدث ربطة عنق. وجنيف بالنسبة لهم رحلة إلى أوروبا وتسوّق وفنادق على حساب الممولين. جنيف بالنسبة لهم هو فرصة لتقديم الولاء والطاعة لأسيادهم وردّ بعض الجميل في تقديم أسيادهم على وطنهم سورية. هذا هو جنيف بعيون الذين يرحبون ليل نهار بقصف التحالف السعودي لأطفال اليمن. هم الذين أرسلوا برقيات التهنئة لكيان اسمه «إسرائيل» ادعى أنه يحتفل بعيد الاستقلال.

وكيف نخاطب من يحتفل بعيد استقلال «الصهيونية» وهو يسلم بلاده إلى احتلال؟

وكيف نخاطب من يتجاهل ذكرى الجلاء في وطنه ويحتفل بنجاح أردوغان واستقلال ما يسمى «إسرائيل».

أما جنيف في عيوننا، فهو خطاب حق ورسالة وطن موجوع. هو في عيوننا منبر لنشر الحقيقة التي يغيبها الإعلام حتى الحليف أو ما هو محسوب علينا انقلب بفعل الدولار والريال وأصبح يكذب ويلفق ويطرح الحرب السورية على أنها حرب طائفية وينسى أنها حرب دفاع عن وطن وتاريخ عمره أكثر من ستة آلاف سنة. جنيف في عيوننا هو انتزاع اعتراف بوجودنا، وإننا مازلنا هنا ومازالت دمشق عاصمتنا الأبدية وليس كما يسوق إعلامهم بأنها ستُنقل في يوم ما إلى الساحل ويسلم الشمال إلى تركيا والجنوب إلى السعودية. جنيف في عيوننا هو مكان لتوجيه دعوة إلى السوريين والسوريين فقط، بأن مؤتمرهم الواعد دمشق حيث مسجد بني أمية حيث أجراس كنائس دمشق العتيقة. حيث غنت لنا فيروز وصفقنا لها.

جنيف في عيوننا هو حالة سفارة موقتة لنخبر العالم أن الشعب السوري صامد وواقف على حدوده. وحدوده اليوم من فلسطين إلى العراق. وإذا كانت «إسرائيل» ومن يخدمها يعتقدون أن المقاومة محصورة في بقعة جغرافية محدده فهم واهمون. لأن حقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم ولا بعدد السنين. مئة عام على جرائم العثمانيين وإبادة الأرمن مئة عام أو أقل بقليل على وعد بلفور وجرائم الهاغانا والصهيونية مئة عام أو أقل على جرائم فرنسا وبريطانيا. وهذه الحقوق لا نريدها دم بدم، إنما نريد اعترافاً بحقنا بأننا المعتدى عليهم ولم نعتدِ على أحد، ونحن مؤمنون بسوريتنا، لهذا فتحنا قلوبنا وعقولنا لمؤتمر ترعاه الأمم المتحدة وهي أحد الشركاء في سفك الدم السوري وهي أحد الذين غيبوا وثائق وجرائم العصابات الإرهابية ومموليها من السعوديين والعرب.

أما سياسياً، فدخول تحليلات وتوقعات لن يغيّر شيئاً من واقع أن جيشنا والمقاومة على خط النار يلاحقون الإرهاب ويقاتلون طيور الظلام. ولن يغيّر من واقع سورية التي عرفها ويعرفها التاريخ ما يبثه إعلامهم وما ينشرونه من تقارير وافتراءات مزوّرة سمعناها في لاهاي، وهي إنْ دلت على شيء فإنها تدلّ على مدى إفلاس محور العدوان على المنطقة من ليبيا إلى اليمن إلى العراق إلى سورية والحكاية بدأت في فلسطين المحتلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى