«إسرائيل» والقلمون: حذار التفجيرات والاغتيالات والفتن
روزانا رمّال
مع حرب القلمون من الجبة إلى نحلة إلى تلة موسى تشخص العيون «الإسرائيلية»، فسيطرة حزب الله على هذه الجبال الاستراتيجية تعني تغييراً نوعياً في الجغرافيا العسكرية للمنطقة وليس فقط للحرب الدائرة في سورية، أو لميزان الردع القائم بين المقاومة و«إسرائيل»، والمعزّز بعد عملية مزارع شبعا.
لطالما اقترن اسم حزب الله باسم «إسرائيل» في كلّ حرب يخوضها، وبالتالي كتحصيل حاصل في الرؤية، فأينما يوجد حزب الله هناك رابط ما بـ«إسرائيل»، والعكس صحيح فحيث يكون حزب الله لا تستطيع «إسرائيل» إدارة ظهرها، وعليها أن تفتح كلّ عيونها، فكيف إذا كانت على صلة مباشرة بما يجري؟
إنّ مصلحة حزب الله في أي معركة لا تفسر ولا تحسب، وفق التجربة والمعطيات، إلا بحجم ما تعكسه مباشرة على «إسرائيل»، وربما يكون العكس صحيحاً، فمصلحة «إسرائيل» منذ زمن صارت بوصلتها كيف ستنعكس على حزب الله. حتى في سورية ربطت «إسرائيل» عناوين تدخلها بحزب الله، وكان لغاراتها عنوان واحد هو ضرب قوافل سلاح نوعي لحزب الله، والتهويل والتحريض على حرب ضدّ إيران، لكنّ حزب الله كان حاضراً دائماً.
لم تكن عملية القنيطرة التي استهدفت قادة من حزب الله سوى لحظة الانكشاف العلني المباشر للمواجهة الدائرة، بأشكال وعناوين متعدّدة، بين حزب الله و«إسرائيل»، ومثلها عملية الردع في مزارع شبعا وشعارها إسقاط الحزام الأمني المفترض أن تقيمه «جبهة النصرة» الإرهابية على جبهة الجولان، فالمعركة مستمرة بين الطرفين وخط النار لم يهدأ يوماً واحداً.
تتفادى «إسرائيل»، وفقاً لما يقول العميد الركن هشام جابر لـ«البناء» الدخول المباشر في حرب القلمون، وخصوصاً بعد عملية مزارع شبعا، لكنها تقدم إسناداً غير مباشر وقد كانت تفعل ذلك دائماً، كما يقول مصدر أمني لبناني، منذ اغتيالات عدة شخصيات قيادية حزبية ومحاولات اغتيال بينها ما كان على طرقات البقاع اللبناني وعلى الأراضي السورية، وصولاً إلى التفجيرات الإرهابية التي هزت الضاحية، أكثر من مرة، وفي كثير منها اليد «الإسرائيلية» واضحة.
بدأت حرب القلمون الكبرى من تلة في جرد بريتال، وصولاً إلى عسّال الورد وجرد الجبة وجرد نحلة، وترك المسلحون وراءهم سيارات مفخخة وعبوات ناسفة، كما تركوا عتاداً عسكرياً وألبسة ومؤناً غذائية داخل معسكرات كانوا يستخدمونها للتهريب والتحضير للعمليات الإرهابية.
فهل ينحصر الاهتمام «الإسرائيلي» بكونها معركة فاصلة يخوضها حزب الله؟
يبدو أنّ أمّ المعارك المرتبطة اليوم بحزب الله هي معركة القلمون فهي معركة مرتبطة بمصير «إسرائيل» وحساباتها وأمنها وربما وجودها.
ترتبط القلمون تاريخياً بأهم المعارك الاستراتيجية الكبرى، فعندما قرّر الأمير فخرالدين حماية لبنان وجبال الشوف ذهب إلى عنجر لتكون حربه في القلمون، وقبله بمئات السنين تمركز الجيش الروماني في القلمون، وكانت منطقة النبك مقرّ قيادته لدمشق وبيروت، فالنبك كانت عاصمة التجارة أيام طريق الحرير، وعبرها تمرّ البضائع الصينية إلى البحر.
في القلمون، طلبت «القاعدة» التمركز كجائزة لقبول مهمّة القتال في سورية، مثلها مثل تورا بورا، فالقلمون هي مدخل ممرّات سلاح حزب الله وبوابة عمقه الشعبي في بعلبك ـ الهرمل، وهي أيضاً خلفية نقطة المصنع، أي بوابة الشام على البحر وبوابة جبل الشيخ على لبنان وسورية.
سياسياً، قالت «إسرائيل» إنّ مصير الرئيس السوري بشار الأسد سيتقرّر في القلمون، لكنّ المعارك التي جرت وما زالت تتجه نحو الأشدّ والأصعب، تؤكد أنّ هذه المعركة هي معركة المصير «الإسرائيلي».
القلمون في يد القاعدة، يعني أنّ العالم في خطر، أما القلمون في يد حزب الله فذلك يعني أنّ «إسرائيل» في خطر.
هذه المعادلة رسمها ضباط لبنانيون كبار عايشوا مرحلة حرب الضنية مع مجموعات «القاعدة» عام 2000، وقالوا: «لطالما كان هدف تنظيم القاعدة الوصول إلى البحر عبر القلمون، من خلال مناطق متعرجة لكنها سهلة الوصول شمالاً إلى البحر، ومتى ربطت القاعدة وجودها على البحر بعمق استراتيجي منيع كجبال القلمون مفتوح على امتداداتها في الأنبار عبر صحراء تدمر، على العالم أن يخشى، وعلى أوروبا أن تشعل الضوء الأحمر وتنتظر العمليات التي تدقّ أبواب أمنها.
وبالتالي، فإنّ كلّ البعد الذي يهمّ «إسرائيل» من الحرب السورية يوضع اليوم على المحك، ولا غرابة في أن تكون «إسرائيل» حاضرة بكلّ تفاصيل هذه الحرب، وتقدم كلّ الممكن من الدعم اللوجيستي والمخابراتي وتربط مصادرها المعلوماتية بقيادة تنظيم القاعدة، الذي يعمل تحت اسم «جبهة النصرة»، واللجوء إلى التفجيرات والاغتيالات ومشاريع التفجير الأمني في المناطق الخلفية لحزب الله. كلّ هذه الاحتمالات تصير واردة بقوة في هذه المرحلة للضغط والإرباك وتشتيت القوى، والتأثير على المعنويات وعلى تماسك الجبهة الأمامية لحزب الله.
إنّ انتصار حزب الله في القلمون، مع معادلة مزارع شبعا للردع، يعني أنّ سوار جبل الشيخ من الجهتين اللبنانية والسورية في يد حزب الله، وعمقه حتى الشمال مفتوح للهرمل والقلمون، وتلك خسارة استراتيجية لـ«إسرائيل»، ربما تعادل خسارتها في حرب تموز 2006.