خير الله: حقّ المواطن في الاختيار مبدأ دستوريّ حقوقيّ الحسيني: النظام الطائفيّ يحتضر وهو عاجز عن توليد السلطة
نظّم الحزب السوري القومي الاجتماعي ندوة في قاعة الشهيد خالد علوان تحت عنوان: «حرية الاختيار والطريق إلى الدولة المدنيّة»، حاضر فيها الباحث طلال الحسيني، وأدارها عضو المجلس الأعلى في «القومي» د. خليل خير الله. وذلك بحضور نائب رئيس الحزب توفيق مهنا، العمد: نزيه روحانا، وائل الحسنية، فارس سعد، معن حمية، نهاد سمعان، وكيل عميد القضاء اياد معلوف، أعضاء المكتب السياسي: رئيس الندوة الثقافية المركزية د. زهير فياض، منفذ عام بيروت بطرس سعادة، ووهيب وهبة، وعدد من أعضاء المجلس القومي.
كما حضر رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، رئيس اتحاد الكتّاب اللبنانيين وجيه فانوس، مدير التعليم المهني السابق د. عبد اللطيف قطيش، كاتب العدل جوزف بشارة، د. علي دندش، أعضاء المركز المدني للمبادرة الوطنية: لمياء عسيران، د. غادة عبد الله اليافي، د. علي خليفة، نايلة جعجع، والشاعر جودت فخر الدين، إضافةً إلى قوميين ومهتمين.
وأشار خير الله في كلمته إلى أن ما تعتمده دول العالم من أنظمة أحوالها الشخصية يشمل: تشريعاً مدنياً لا تعترف بسواه، أو تشريعاً مختلطاً بين المدنيّ والديني، أو تشريعاً دينياً واحداً، أو تشريعات دينية لا تعترف سوى بنظامها الطوائفي للأحوال الشخصية. ومن هذه الدول لبنان الذي يعتبر ذلك من الانتظام العام، وأنّه لا يمكن عقد زواج على الأراضي اللبنانية سوى بالاعتماد على هذه التشريعات، إلى أن نشأت مؤخراً مبادرات تم بموجبها إجراء عقود زواج مدنية أمام كاتب العدل، شرط شطب الإشارة إلى المذهب في سجل النفوس.
أما الانتظام العام في الفكر الدستوري القومي الاجتماعي، فيستند إلى مبدأ الوحدة الاجتماعية المنصوص عليها في المبدأ السادس من مبادئ الحزب الأساسية، وهو أنّ الأمة السورية مجتمع واحد، وأنّ الشأن القومي لا يمكن أن يقترن إلا بالشأن الاجتماعي، كي يستقيم المفهوم وإلا انهار المجتمع وتقاتلت أجزاؤه، وأصبحنا أمام مجتمعات متعدّدة في المجتمع الواحد.
وقال: لقد قدّم الحزب السوري القومي الاجتماعي مشروعه للأحوال الشخصية الموحدة، وهو، ولئن كان اختيارياً، فإن حرية الاختيار قد تكون طريقاً إلى الدولة المدنية.
ثم أشار خيرالله إلى القرار «60 ل ر» لعام 1936، وما يتضمنه من إشارة إلى طائفة الحق العادي، وإمكانية شطب الإشارة إلى الطائفة، وحق المواطن في الاختيار وهو مبدأ دستوري حقوقي.
واستهلّ الحسيني محاضرته مشيراً إلى أنّ الطائفيّة ليست في النفوس نفوس الأفراد والنصوص نصوص النظام السياسيّ فحسب، بل هي ماثلة في الأنظمة الرمزيّة أنظمة المجتمع ، أي في الثقافة أيضاً.
وقال: إنّ الطائفيّة والنظام الطائفيّ يظهران في التاريخ ويزولان بالتالي في التاريخ. … وأنّ كلّ مشروع وطنيّ يرمي إلى إنهاء النظام الطائفيّ، ولا يلتفت إلى مستوى وحدة الجماعة الوطنيّة مصيره الفشل.
وأضاف: وحدة لبنان واللبنانيّين، بل قيام دولتهم، إنّما شرطهما الأوّل ارتضاء اللبنانيّين لا إكراههم وقلقهم، وشرطهما الثاني أمن كيانهم في مجاله الإقليميّ، لا وهم هذه الحماية الأجنبيّة أو تلك.
وإذ أشار الحسيني إلى أنّ النظام الطائفيّ يحتضر وقد يطول أو يقصُر زمنيّاً، بعدما انتهى تاريخيّاً، أكد أنّ النظام السياسيّ، كلّ نظام سياسي، سواء كان طائفياً أو غير طائفيّ، إنّما هو توليد السلطة، مهما تكن طبيعة السلطة. وما نشهده، الآن، في مشاهد عدّة، إنّما هو عجز النظام الطائفيّ عن توليد تلك السلطة. المشهد الأول في رئاسة الجمهوريّة، الثاني في قانون انتخاب مجلس النوّاب وفي عمليّة الانتخاب، المشهد الثالث في كيفيّة تأليف الحكومة. ففي هذه المشاهد الثلاثة يظهر عجز النظام عن تحقيق الهدف من وراء وجوده، إذ إنّ توليد تلك المؤسّسات إنّما يتمّ بحصيلة إرادات الدول المعنيّة بالمسألة اللبنانية، بينما يقتصر دور النظام على أن يكون دور تصديق قرارات تلك الدول أو تبريرها أو إخراجها.
وأردف الحسيني: النظام الطائفي، بما هو نظام ثنائيّ يقوم على أساس واقع سياسي اجتماعي ثنائي، فقد أساسه الواقعي بطغيان المذهبية على الطائفية، وهو طغيان لا عودة عنه لأسباب عدّة داخلية وخارجية. أمّا التوافقية المزعومة في النصوص، فلا تشكّل تطويراً للنظام سواء كانت في النصوص أو في الممارسة، لأنّها لا تتعدّى كونها أسلوباً في الحكم لا نظام فيه.
وتابع: إن اشتداد العصبيات الطائفية أو المذهبية، تعبير عن سقوط النظام الطائفي، بما هو نظام دولة واحدة، ذات سلطة قادرة على حماية الأفراد أو حماية الجماعات، لا تعبيراً عن استمرار الحاجة إلى ذلك النظام.
واعتبر الحسيني أن إنهاء النظام الطائفي قانوناً، يتعلّق إذاً بتعديل الدستور ثمّ بوضع القوانين اللازمة، إذا أردنا إقامة نظام علماني، أو بوضع القوانين اللازمة من دون الحاجة إلى تعديل الدستور إذا أردنا إقامة نظام مدني.
وأشار الحسيني إلى سبيل سلمي قانوني يقتضي البحث عن أساس أعمق من الأساس الدستوري للنظام الطائفي. وهو أساس يمكن كلّ لبناني راشد أن يساهم مباشرة في نقضه، وفي الإعداد لإقامة نظام لاطائفي لا إمكان له أصلاً إلّا بوجود لبنانيين لاطائفيين فعلاً لا بمحض الادّعاء.
وقال: الأساس الأعمق للنظام الطائفي إكراه اللبنانيين على تحديد علاقاتهم في ما بينهم وبدولتهم كأبناء طوائف، لا كمواطنين متساوين أحراراًَ، وهذا الإكراه يكون توثيقه في سجلّات النفوس، كما يكون إسقاطه وإبطال مفاعيله القانونية الإكراهية في تلك السجلّات.
وأضاف: أمّا النظام الطائفي، كما هو واقعه في لبنان، فيقوم على الحطّ من هوية الفرد الشخصية، بتهميشه الأبعاد الإنسانية الحرّة والأبعاد الوطنية الجامعة في هذه الشخصية، وبإعلائه الانتماء الطائفي كأنَه الهوية الشخصية كلّها، إضافةً إلى تقديم هذا الانتماء كأنّه انتماء طبيعي أو قبلي. وهذا ليس سوى ماهية العنصرية. وهي أساس النظام الطائفيّ الذي يتابع احتضاره الطويل، مهدّداً وجود الشعب ووجود الدولة.
ودعا الحسيني إلى خطوات من أجل إقامة نظام لاطائفي وهي: إسقاط الإشارة إلى الطائفة في سجلّات النفوس. وهي خطوة صارت ممكنةً بعد نضال طويل. فلكلّ لبناني راشد الحقّ بأن يتقدّم من دوائر النفوس بطلب إسقاط هذه الإشارة، وعلى إدارة النفوس استجابة الطلب، في ظلّ القوانين الحالية. معتبراً أن بهذه الخطوة يتحوّل اللبناني من ابن طائفة في المجال العامّ إلى مواطن قانوناً في هذا المجال. لافتاً إلى أن تتويج هذه الخطوة الأولى إنّما يكون بتطبيق قواعد الحرية في الأحوال الشخصية.
واعتبر الخطوة الثانية هي مواجهة التدخّل الأجنبي في شؤون لبنان الداخلية، والثالثة تكون بردّ السلطة إلى اللبنانيين أنفسهم عبر وضع قانون يقضي بانتخاب جمعية تأسيسية، على أساس نظام النسبية، وفي دوائر تسمح بالتمثيل العادل.
وختم: إن مصير اللبنانيين إنّما هو بين أيدي اللبنانيين. وتلك هي الصلة بين حرية الاختيار وبين الدولة المدنية، في المستوى الشخصي وفي المستوى السياسي وفي المستوى الوطني.
بعد المحاضرة، كان حوار بين المحاضر والحضور، وردّاً على سؤال اعتبر الحسيني أن موقف وزير الداخلية نهاد المشنوق بعدم تسجيل عقود الزواج المدني تدبير لا مسوغ له، وليس من حقه ولا من صلاحياته، ولا بدّ له من العودة عن قراره هذا.