القلمون: انتهت عمليات التقطيع… والساعة الصفر تقترب
كتب المحرر السياسي:
على جبهتي الشمال والجنوب تتسارع تطورات المنطقة، وتعد بالأيام المسافة الفاصلة عن الثلاثين من حزيران، الموعد المرتقب لتوقيع التفاهم النووي مع إيران، وهو تفاهم صار حتمياً مع اتضاح الصورة من واشنطن، بكلام شبه رسمي شرحه مصدر عسكري أميركي لم يذكر اسمه لقناة «سي أن أن»، قال فيه إنّ عدم التوقيع يعني عودة إيران إلى التخصيب المرتفع النسبة وبكامل الطاقة التي تملكها أجهزة الطرد المركزي لديها، وهذا يعني امتلاك كمية من اليورانيوم المخصب شهرياً تكفي لتصنيع رأس نووي لأيّ من صواريخها الباليستية إذا استمرت بتغذية مفاعلاتها لإنتاج الطاقة بالوقود النووي اللازم، وإذا خصّصت كلّ إنتاجها لسلاح نووي فهي تصنع أول قنبلة خلال شهر، أيّ ما يعادل عشرة رؤوس لصواريخها، وفي المقابل فإنّ الذهاب إلى الحرب سيصيب الجسم النووي الإيراني لكنه سيعطي إيران مبرّر الإعلان عن امتلاك سلاح نووي خلال أسبوع بإيقاف مفاعلات مولدات الطاقة والتفرّغ لبناء سلاح نووي، يصير ضرورة ردعية مشروعة في نظر القيادة الإيرانية في حال التعرّض للحرب، كما تبلغت واشنطن من القنوات الديبلوماسية، أنّ تحريم هذا السلاح يسقط في حال الحرب.
بديل الاتفاق هو الاتفاق، هذه هي معادلة الملف النووي الإيراني، ولإيران التي أثبتت مكانتها كدولة عظمى وهي تحت الحصار والعقوبات، وبربع طاقتها الإنتاجية من النفط والغاز، فكيف ما بعد الاتفاق؟
على دول المنطقة ترتيب أمورها على هذا الأساس وملاقاة التفاهم بما تملك من أوراق قوة، وهذا يعني الغليان المستمرّ في المنطقة حتى يحين الموعد المرتقب وترسو سفن التوازنات عندها على ما تحقق لكلّ فريق.
في جنوب المنطقة، مقابل معادلة بديل الاتفاق هو الاتفاق في الملف النووي الإيراني، بدا أن بديل الفشل هو الفشل في الحرب السعودية على اليمن، حيث لم ينتج تمديد الحرب تحت عنوان الثأر من صعدة إلا المزيد من المجازر التي استعادت بمشاهدها المؤلمة، ذاكرة الأيام الأخيرة من حرب تموز 2006 وحروب غزة، عندما كان الفشل العسكري والسياسي «الإسرائيلي» يترجمان قتلاً عشوائياً جنونياً بحق المواطنين والمدارس والمستشفيات ودور العبادة بذريعة أنّ المقاومة تتخذ من الناس دروعاً بشرية، وبالذريعة ذاتها والوحشية ذاتها حصدت الغارات السعودية مئات الضحايا خلال يومين، وعلى اليمنيين تحمّل يومين باقيين من الكراهية والحقد، حتى تدخل الهدنة حيّز التنفيذ، وبدلاً من أن تعزز الحرب مكانة السعودية في الإقليم صار عليها أن تخرج من دور الراعي للحلّ في اليمن، وأن تتخلى عن التطلع إلى لعب الدور المرجعي في المنطقة وترتضي الخروج من نادي الكبار.
مصدر قيادي في حركة أنصار الله، قال إنّ قيادة الجيش واللجان الشعبية الثورية، أبلغت موافقتها على الهدنة الإنسانية للأمم المتحدة، إلا أنها استثنت من أحكامها تنظيم «القاعدة»، الذي لا يعتبر شريكاً في أيّ مساع للتهدئة وأيّ عملية سياسية، وفي المقابل فإنّ الحركة أبلغت أيضاً ترحيبها بأيّ مساع للحلّ السياسي، تدعو إليه الأمم المتحدة في جنيف أو أيّ عاصمة لم تكن طرفاً في العدوان على اليمن، لكن بشرط إنهاء الحصار البحري والجوي من جانب قوى العدوان، ناقلاً عن المصادر الأممية تعهّدها برفع الحصار عن السفن التجارية وسفن مواد الإغاثة، خصوصاً بعدما أعلنت إيران أنّ إحدى سفنها قد أبحرت نحو اليمن ولن تلتزم بأيّ من قواعد التفتيش والحصار السعودية. وتوقع المصدر اليمني أن تسقط عدن كلياً بيد الثوار بعد وقف الغارات السعودية، لأنّ من يقاتل هناك هو تنظيم «القاعدة» في وجه الثوار، وهو غير مشمول بالهدنة.
هذا جنوباً أما في شمال المنطقة فعلى جبهة القلمون كما على جبهة جسر الشغور تتواصل التحضيرات والاستعدادات لساعة صفر تبدو قريبة للمعنيين بالجبهتين، مع اكتمال عمليات التقرّب من منطقة الاشتباك الرئيسية، ففي القلمون أنهت المجموعات المكلفة بالمعركة تقطيع أوصال المنطقة الممتدّة على قرابة الألف كيلومتر إلى أربعة أقسام على طريقة صحن البيتزا، وستواصل التقطيع إلى ستة أو ثمانية قبل الدخول في عمليات الالتهام والقضم، بينما أظهرت المواجهات الأولى أنّ كلّ الضخ الإعلامي عن عزيمة مقاتلي تنظيم «القاعدة» التي تعمل هناك بِاسم «جبهة النصرة»، حمل أخباراً محبطة للمراهنين على الحرب من الضفة السعودية التركية «الإسرائيلية».
بالتزامن مع القلمون كانت جبهة جسر الشغور تشهد تقدّم حشود الجيش السوري نحو خطوط الاشتباك، وصارت المسافة الفاصلة للقوات السورية عن المستشفى الوطني في جسر الشغور المحاصر تقارب الكيلومتر الواحد، حيث توقعت مصادر متابعة في دمشق أن تحمل الأيام القليلة المقبلة المزيد من التطورات في معركة جسر الشغور يتغيّر معها المشهد العسكري الذي فرضه دخول «جبهة النصرة» إلى إدلب وجسر الشغور.
المعركة الأكبر
تُتابع العمليات التمهيدية من قبل رجال المقاومة والجيش السوري لمعركة القلمون الأساسية بنجاح تام، حيث تمكن هؤلاء خلال 48 ساعة من الوصول للسيطرة على مراكز أسلحة ومستودعات ذخيرة وتدمير ثلاثة معسكرات كبيرة تديرها «جبهة النصرة» إضافة إلى تفكيك عشرات الألغام والعبوات الناسفة في الجبة وجرود بريتال، وعسال الورد التي تعتبر منطقة استراتيجية على الجانب السوري من منطقة جبل القلمون، ما أدى إلى انسحاب الإرهابيين إلى فليطا في الشمال. وسألت مصادر مطلعة عبر «البناء» هل يدخل الإرهابيون إلى جرود عرسال ورأس بعلبك، وما هو الدور الذي سيقوم به الجيش اللبناني في هذه الحالة؟
وكانت قوات الجيش السوري والمقاومة أحرزتا تقدماً في جرود الجبة في القلمون بعد سيطرتهما على 40 كيلومتراً مربعاً منها، وبسطت سيطرتها على نصف مساحة الجرد للجبة وتمت السيطرة على تلال ثلاث: هي قرنة المعيصرة وتلة الدورات وعقبة أم الركب، هذا فضلاً عن تقدم حزب الله باتجاه مشارف مرصد الزلازل في منطقة الجبة التي تعد من المواقع المهمة إستراتيجياً، ووصوله إلى سفح «تلة موسى» الاستراتيجية أعلى تلة في جرود فليطة والذي يعني شل حركة المسلحين في جرود عرسال من الناحية الشرقية بالإضافة إلى كشف كل المعابر غير الشرعية التي تربط جرود فليطة بجرود عرسال وقطع خط الإمداد والمؤازرة بين الجردين.
وأكد مصدر عسكري لـ«البناء» أن حزب الله والجيش السوري في مرحلة الاستعداد والقضم وتثبيت النقاط التي تم السيطرة عليها واستكشاف النقاط الأخرى عبرها وتطويقها تمهيداً للهجوم الثاني أي التدمير، لافتاً إلى «أن المعركة الأكبر ستبدأ خلال ساعات، فحزب الله والجيش السوري يقومان بقطع الأوصال بين المجموعات المسلحة وشل حركتها والتمركز في نقاط حاكمة لمنع تسللها».
وأشار المصدر إلى أن «الجيش السوري وحزب الله سيطرا على عسال الورد وتلال الجبة ومنطقة قرنة نحلة التي تفصل المسلحين الموجودين في الزبداني والمجموعات الأخرى الموجودة في جرود بريتال وتحديداً في منطقة الميدعا التي سيطر عليها الجيش السوري وبالتالي فصل جرود بريتال وفليطا عن الزبداني، متوقعاً أن تكون المعركة المقبلة في جرود بريتال وعلى حدود فليطا».
حرب عصابات
وشرح المصدر واقع المنطقة وطبيعتها الجغرافية، مؤكداً «أن حزب الله والجيش السوري يخوضان حرب عصابات مع هذه المجموعات تتطلب البحث عن المسلحين في الأوكار والكهوف ليتم تطويقهم وتدميرهم لاحقاً فهم ليس لديهم مواقع وثكنات عسكرية كالجيوش بل يختبئون في المغاور والأودية».
وأوضح: «أن المسلحين يتمركزون في نقطة حي العين وهم في وضع سيئ ويحاولون خرق الطوق وفتح الثغرات والطريق الوحيدة أمامهم للانسحاب هي وادي بردة والزبداني التي يسيطر على نصفها الجيش السوري».
وأشار متابعون للمعركة لـ«البناء» إلى «أن هذه المعركة التي يتم الإعداد لها منذ ثلاثة أشهر، بدأت منذ أربعة أيام، بمعركة تمهيدية، على مراحل، تهدف إلى تحقيق السيطرة على الجرود الواقعة بين لبنان وسورية والتي يستخدمها المسلحون للمرور، ونقل السيارات المفخخة لاستهداف المدنيين».
ولفت المتابعون إلى «أن المعركة ستصوب الوضع الأمني بالمعنى العام، فتقدم المسلحين في جسر الشغور وإدلب، لا يعني أن الواقع العسكري في القلمون سيكون لمصلحتهم. واعتبرت المصادر «أن معركة القلمون مقررة سواء حصلت معركة جسر الشغور أو لم تحصل»، مشددة في الوقت عينه على «أن تحرك حزب الله والجيش السوري وقيامهما بعملية استباقية سيعيد التوازن لمصلحة محور المقاومة، هذا فضلاً عن أن الانتصار في هذه المعركة من شأنه أن يربط بين شمال سورية وجنوبها، ويؤمن حماية لبنان ويمنع تمدد الإرهابيين إليه».
وأكد المتابعون «أن حزب الله حقق نجاحات هائلة بوقت قياسي خلافاً لبعض التكهنات من أن هذه المعركة ستكون هزيمة لحزب الله». وذكر المتابعون بـ القرار الدولي الذي يعتبر «أن هذه المنطقة حاجة استراتيجية للضغط على دمشق»، ولفتوا إلى أنه على رغم إغداق المسلحين الإرهابيين بالسلاح والعتاد، فإن حزب الله تمكن من تحقيق جزء كبير من الأهداف المعلنة للمعركة والمتمثلة بحماية القرى اللبنانية في السلسلة الشرقية بريتال، الطيبة، نخلة، حام، النبي شيت، مشاريع القاع بالإضافة إلى حماية كافة المناطق اللبنانية من التفجيرات والعمليات الانتحارية لا سيما أن هدف الإرهابيين كما أعلنوا مسبقاً الانقضاض على لبنان بعد سورية». واعتبروا «أن الإرهاب قائم ويستهدف لبنان منذ اليوم الأول للأزمة السورية، لافتين إلى «الدعم السياسي للمجموعات الإرهابية من قبل بعض القوى السياسية التي تُرتهن في قراراتها ومواقفها لجهات إقليمية ودولية». ورأوا «أن الحديث عن أن المعركة ستستجلب السيارات المفخخة مجدداً إلى الضاحية والمناطق اللبنانية هو كلام ديماغوجي يبغي التبرير للمسلحين، لا سيما أن المسافة بين مشاريع القاع والمصنع تبلغ 80 كلم والتعزيزات العسكرية التي اتخذت لم تضع حداً للمعابر غير شرعية، فجغرافية المنطقة صعبة وهناك الكثير من الهضاب والوديان، وبالتالي قد تكون تلك السيارات دخلت خلال الأشهر الماضية عبر هذه المعابر وليس في الأيام القليلة الماضية»، معتبرة «أن أي تفجير أمني في لبنان ينتظر القرار الإقليمي».
وأكد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش، «أننا حققنا إنجازات وأبعدنا خطر المجموعات التكفيرية عن لبنان، وبات دورها العسكري ضعيفاً مقارنة بما كانت عليه في السابق»، مؤكداً «أننا لم نطلب يوماً من أحد في لبنان إقراراً أو اعترافاً بفضل، ولم نسأل في تأديتنا لواجبنا الرسالي والأخلاقي والوطني والإنساني، ولم يكن همنا أن نحصل على إشادة من أية جهة أو أي فريق سياسي».
السلسلة في الموازنة
حكومياً، يعقد مجلس الوزراء جلسة اليوم لمتابعة البحث في ملف الموازنة العامة. وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» «أن البحث في تضمين السلسلة في الموازنة استبعد لحين الانتهاء من دراسة الموازنة التي أعدتها وزارة المال». وشدد على «أنه لا بد من بذل جهود لإقرار الموازنة على أن تتضمن الإيرادات والنفقات». وإذ توقع درباس «أن تكون أجواء جلسة اليوم إيجابية، أبدى تخوفه من جلسة الأربعاء التي ستبحث في إدخال قيمة سلسلة الرتب الرواتب التي أقرتها الحكومة السابقة، في مشروع الموازنة». وشدد على «أن تضمين السلسلة في الموازنة يأتي انسجاماً مع القانون، ويطمئن المواطنين، ويدعم إقرار السلسلة»، داعياً إلى «إبعاد السلسلة والموازنة عن التجاذبات السياسية».