الحلول السياسية للبنان تنتظر…!
هتاف دهام
قد يكون الانتظار الذي يعيشه اللبنانيون لإيجاد الحلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاستحقاقات الدستورية والمؤسسات المشلولة، خياراً يأملون أن يحين خلاصه، وهو أشبه بمسرحية في انتظار غودو للكاتب المسرحي والناقد الإرلندي صموئيل بيكيت، على رغم وجود يقين بأن المنتظر لن يأتي أبداً.
يعيش اللبنانيون انقساماً حاداً اتجاه الكثير من الملفات الإقليمية. تتباين مواقف 8 و14 آذار حول المقاومة، وحول تحالفات كلا الفريقين على الصعيد الإقليمي والدولي، وصولاً إلى الانقسام حول الملف الرئاسي وتوازنات العلاقة بين الطوائف ومستقبل النظام السياسي.
التراجيديا اللبنانية القائمة الآن والتي تشبه مسرحيات الإغريق قديماً تربط كل هذه الأزمات ببعضها بعضاً، بحيث يتعذر أحياناً التمييز بين جوهر الانقسام ومظاهره وأعراضه. ويمكن القول إنّ الحلول للانقسام الكبير حول سلاح المقاومة مؤجلة إلى آماد بعيدة، وما يعزز ذلك ويؤكده، العودة إلى ربط رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري معالجة سلاح المقاومة بإيجاد «حلّ عادل للصراع العربي ـ الإسرائيلي»، وربما تقود هذه الإشارة «الحريرية» إلى استنتاج حجم التعقيد الذي يحيط بإيجاد حلول لانقسام اللبنانيين حول هذه النقطة، وإلى الدرجة الذي يجعل «بند السلاح» خارج التداول، ويفسّر أنّ كلّ أطر الحوار التي فتحت بين اللبنانيين، إنما استثنت البحث حول هذا الموضوع وأحالته إلى المستقبل البعيد.
أما ملف رئاسة الجمهورية وتوازن العلاقة بين الطوائف ومستقبل النظام السياسي وتحالفات كلا الفريقين على الصعيد الإقليمي، فكلها ملفات باتت مرتبطة بما بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، واستقرار الوجهة التي سيأخذها مسار الحل في سورية. ومما لا شك فيه أنّ تلك المسارات لا تزال غامضة، ولن تتبيّن وجهتها قبل موعد توقيع الاتفاق في 30 حزيران المقبل، والكيفية التي ستتلقى بها القوى الإقليمية وعلى رأسها دول الخليج هذا الاتفاق، وهل ستدخل هذه الدول وعلى رأسها المملكة السعودية في حالة من المشاكسة والمعاكسة، وصولاً إلى مواجهة نتائج هذا الاتفاق، أم أنها ستتكيّف مع هذه المعطيات، وهذا ما سيسعى إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما في لقائه المرتقب غداً مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي أو ممثلين عن بعضهم في منتجع كامب ديفيد.
وإلى أن تتضح معالم المشهد الإقليمي على ضوء الاتفاق النووي الإيراني، فإنّ الرؤية الخاصة لكلّ من فريقي 8 و14 آذار لن تتغيّر في السياسة الخارجية والتحالفات الإقليمية، والعلاقات الإيرانية – السعودية والنظرة إلى التطورات والأزمات التي تعصف بسورية والعراق واليمن وليبيا والبحرين، لكن الأكيد أنّ طرح القيادات السياسية اللبنانية لمواقفها وللنزاعات التي تحكم علاقاتها بعضها ببعض، لا طائل منه على الإطلاق.
وتؤكد أوساط متابعة أنّ النظام السياسي هو أكثر ما يشغل بال المسيحيين، وفي الدرجة الأولى رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي يطالب بنظام سياسي مختلف عن الذي شهدناه منذ الطائف وحتى اليوم، ففي النظام الحالي وفق الجنرال علل كثيرة، ولكن عند المطالبة بتصحيحها تقوم القيامة، كما يحدث عندما يهبّ الجميع مع كلّ إشارة إلى تعديل، ولو فاصلة، في اتفاق الطائف، وفي الدرجة الثانية حزب الكتائب الذي يدعو إلى تقييم موضوعي للنظام السياسي، ويعتبر أنّ الأزمات السياسيّة المتعاقبة التي شهدها لبنان منذ الاستقلال عام 1943 تسلّط الضّوء على أزمة كبيرة في النّظام السياسيّ اللّبناني، في حين أنّ حزب القوات اللبنانية وبحكم تحالفه مع تيار المستقبل الذي يرفض المسّ بهذا النظام، لا يجرؤ على البوح والإفصاح بفشل النظام السياسي والحاجة إلى تغييره، أما الشيعة فيغرقون في صمتهم نتيجة عقدة الحساسيات السنية – الشيعية.
لكن ماذا إذا استمرّ تعطيل الانتخابات الرئاسية التي تتداخل فيها التسويات الإقليمية مع التوازنات المحلية وطال أمد الفراغ، هل نتحوّل من أزمة رئاسة إلى أزمة نظام؟ وماذا إذا استمرّت حالة الشلل التي تعصف بالمؤسسات الدستورية وتفاقمت إلى المزيد؟ ألا تفضي إلى إنتاج الواقع الموضوعي الذي يضع مصير النظام السياسي على المحك؟ لكن متى يحين أوان البحث في هذا التغيير؟ وهل بإمكان النظام اللبناني أن يصمد في زمن تمرّ فيه المنطقة بتحوّلات تهدّد الكيانات والدول والحدود؟ ففي ظلّ ما يدور على مستوى المنطقة تبدو هذه الأسئلة مشروعة للغاية، لكن أحداً لا يريد أن يقحم نفسه في تبعات ما بعد الإجابة عليها؟