البرزاني وانفصال شمال العراق
حميدي العبدالله
من حيث المبدأ الأكراد في العراق وسورية وتركيا وإيران شعب، مثله مثل شعوب الأرض الأخرى، له حقوق ولديه تطلعات ويعيش على أرضه منذ آلاف السنين، وهو يختلف عن الكيان الصهيوني، لأنه لم يشرّد شعباً آخر ويحلّ محله، بل عانى من اضطهاد حكومات المنطقة التي يعيش فيها الأكراد وسلبت أبسط حقوقه.
وبديهي أنّ من حق الشعب الكردي في أيّ دولة أن يحصل على حقوقه كاملة ويتمتع بها.
لكن ثمة فارقاً كبيراً بين الحصول على هذه الحقوق، وبين التعاون مع أعداء الشعوب لفرض أمر واقع يتعارض مع مصالح هذه الشعوب، بما في ذلك الشعب الكردي.
واضح حتى الآن أنّ تقسيم العراق، هدف استعماري أكثر منه تعبير عن إرادة العراقيين، أكراداًً أو عرباً، سنة أو شيعة، ومن يراجع تاريخ العراق عند احتلاله من قبل بريطانيا بعد سقوط الدولة العثمانية، يلاحظ أنّ ما يخطط الآن للعراق، جرى السعي لتطبيقه أثناء الاحتلال البريطاني في عشرينيات القرن الماضي، لكن إرادة العراقيين بالعيش مع بعضهم البعض أسقطت المخططات البريطانية.
اليوم يتكرّر المشهد ذاته. من جهة تسعى الولايات المتحدة والدول الغربية إلى تكريس تقسيم العراق الذي سعى إلى تحقيقه «بول بريمر» ولكن العراقيين، أكراداً وعرباً، سنة وشيعة، عارضوا بغالبيتهم الساحقة مخطط التقسيم. يوافقون على وجود دولة اتحادية لإزالة مظالم شكت منها كلّ مكونات الشعب العراقي، لكنهم يعارضون في غالبتيهم تقسيم العراق إلى ثلاث دول على أسس قومية ومذهبية. الطرف الوحيد الذي خرج عن إجماع غالبية العراقيين هو مسعود البرزاني، ولكنه جوبه بمعارضة كردية وعربية، ومعارضة خارجية، الأمر الذي وضعه في مسار غير قادر معه على ترجمة تطلعاته للانفصال الكامل إلى أمر واقع.
حماس البرزاني للانفصال يبدو أنه أقرب إلى المزايدة السياسية منه إلى التمسك بمبادئ محددة. فالبرزاني يواجه معارضة كردية قوية، ولا سيما لجهة إعادة انتخابه رئيساً لإقليم كردستان العراق. كما يواجه الجماعات التكفيرية التي تشكل تهديداً للإقليم وعاصمته أربيل، وهو تحت تأثير هذه العوامل يطلق مواقف ومبادرات متناقضة، فمن جهة يصرّح بالدعوة إلى الانفصال، ويسعى إلى الحصول على دعم عسكري بعيداً عن الحكومة المركزية في بغداد، لكنه مقابل ذلك يحتاج إلى المال، ويحتاج إلى دعم بغداد المالي والعسكري لصدّ مخاطر تنظيم القاعدة.
ويعتقد البرزاني أنه في حال تمسكه بخيار الانفصال يحافظ على شعبية واسعة في صفوف الأكراد تتيح له البقاء في رئاسة إقليم كردستان العراق، ولكنه من جهة أخرى غير قادر على الذهاب بعيداً، في هذا الخيار، ليس فقط لأنّ غالبية الأكراد لا يجارونه في ذلك، وأيضاً لأنه يحتاج إلى دعم بغداد العسكري والمالي.
هكذا تصبح تصريحات بارزاني عن الانفصال مجرد لغو لا طائل منه، وتنال من مصداقيته وهيبته أكثر من منحه شعبية إضافية.