قمة «كامب ديفيد» الخليجية لتوسّل حماية الولايات المتحدة

على الرغم من عدم اكتمال المعلومات وتوفر الأدلة والتفاصيل المتعلقة بملابسات حادثة الاعتداء على مهرجان للرسوم المسيئة للرسول ومقتل المتهمّين بتدبيره، إلا أنّ التعليقات والأنظار اتجهت جنوباً نحو مدينة غارلاند بالقرب من مدينة دالاس بولاية تكساس، لكننا لم نشهد نفس الاهتمام المفرط أحياناً لدى الإعلام الأميركي بالحدث من قبل مراكز الأبحاث الأميركية حيث استمرّ تركيزها على أحداث وأوضاع دول المنطقة.

سيستعرض قسم التحليل انعقاد قمة كامب ديفيد بين الرئيس باراك أوباما وقادة الدول الخليجية، منتصف الاسبوع المقبل، وفي الصدارة تعثر العدوان السعودي على اليمن واضطرار الرياض تعديل قائمة أهدافها اكثر من مرة. إدارة الرئيس أوباما حشدت جهودها تمهيداً لتبنّي القمة حلاً سياسياً للأزمة في اليمن بعد انتفاء أيّ من الخيارات الأخرى.

وراثة عرش المملكة السعودية

رحب مركز ويلسون بحصيلة الصراعات الداخلية التي أسفرت عن بروز «رجل واشنطن المفضل، محمد بن نايف» على سكة تتويجه ملكاً. واستدرك بالقول انّ الصيغة الراهنة «رافقتها توترات جديدة ترخي ظلالها على العلاقات الاميركية ـ السعودية مع بروز سلالة جديدة من صقور السعودية».

واوضح انّ اولئك «يناهضون ايّ انفراج ميركي مع إيران… بل يتوثبون للمنازلة العسكرية مع حلفاء ايران في اليمن في ظلّ ضغوط تمارسها ادارة أوباما للتوصل إلى حلّ سياسي تفاوضي».

مؤتمر «كامب ديفيد» الخليجي

حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية من تسارع موجة تصريحات مسؤولين عدة في دول الخليج تستبق عقد القمة مع الرئيس أوباما، مطالبين بعقد تحالف أكثر متانة مع الولايات المتحدة، وارتداداتها السياسية على كلّ من الولايات المتحدة والشرق الأوسط، نظراً إلى ما تتطلبه المعاهدات الرسمية» من الطرف الأقوى في معادلة الحماية المطلوبة. واعرب عن توقعاته بأن تقدم إدارة الرئيس اوباما على تبني صيغة «تحالفية أقل درجة من معاهدة» رسمية تلبّي المخاوف الاقليمية لدول الخليج، خاصة أنّ «كلّ دولة خليجية على انفراد تعدّ قائمة بمشترياتها من الأسلحة العسكرية التي ترغب في الحصول عليها في أسرع وقت ممكن»، تخطياً للتعقيدات المرافقة لها في العادة. كما أوضح المركز الصعوبات التي تواجه الإدارة الاميركية في تلبية تلك الطلبات بكاملها نظراً إلى «التزامها قانونياً بالمحافظة على تفوّق النوعية العسكرية للمعدات الاسرائيلية على كافة الاطراف الاقليمية مجتمعة».

صِدام سعودي مع إيران

حذر معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى من «امكانية قائمة» لصدام سعودي ايراني مباشر»، نظراً إلى «التقدم الاخير في المفاوضات النووية»… وإثارته لتوقعات بعض الأطراف بأنه ينبغي على إيران التصرف بمسؤولية إيجابية اكبر على المسرحخ الاقليمي». وحذر من إزالة الخيار العسكري من التداول كونه «سيعزز من عزيمة طهران تبني موقفاً اقليمياً اشدّ شراسة في السنوات المقبلة… لا سيما في ظلّ تصريحات المرشد الاعلى السيد علي خامنئي والتي رفض فيها ربط الاتفاق النووي بقضايا أخرى من ضمنها توفير الدعم لمجموعات شيعية متشددة».

على الضفة الأخرى من الهواجس، اعتبر معهد المشروع الاميركي ان «القيادة الايرانية يساورها القلق من غطرسة اميركية جديدة» دشنها نائب الرئيس جو بايدن بتصريحه الاخير قائلاً: «انّ الرئيس على استعداد لاستخدام كافة ادوات القوة الاميركية، لحرمان إيران من اقتناء سلاح نووي». واضاف المعهد انّ ذلك التصريح رافقه تصريح أشدّ وضوحاً لوزير الخارجية جون كيري، في فلسطين المحتلة يوم 3 أيار، لافتاً النظر الى انّ «الولايات المتحدة طورت سلاحاً تدميرياً هائلاً لاختراق التحصينات لتدمير برنامج إيران النووي إنْ تتطلب الأمر». واوضح انه مع اقتراب موعد الاتفاق النهائي، 30 حزيران، فانه يتعيّن على «ايران التراجع قليلاً عن مواقفها المتشدّدة… بمهارة وإتقان للمحافظة على وحدة الموقف الداخلي»…

الاتفاق النووي الإيراني

أجرى معهد كارنيغي مقارنة بين الاتفاق النووي المعقود مع كوريا الشمالية بالاتفاق الجاري مع إيران، معتبراً انّ الفشل كان نصيب الأول، لافتاً الانظار الى الفوارق بين الحالتين لا سيما «اتفاقية الإطار» مع ايران. واوضح انّ تلك الخصوصيات «تتضافر لتشكل حوافز أفضل لإيران للامتثال لشروط اتفاق نووي عن سابقه مع كوريا الشمالية». واوضح انّ صيغة الاتفاق النهائي ستطبّق الدروس المستفادة من المفاوضات مع كوريا بحيث «تخضع إيران لشروط تحقق شاملة ومشددة… تثبت في قرار لمجلس الأمن الدولي»…

في المقابل، اعرب المجلس الأميركي للسياسات الخارجية عن قلقه من «صمود الدول الغربية عند شروطها في مواجهة التصلب الايراني»، موضحاً انّ مساعي «الأجهزة الأمنية والاستخبارية الأميركية باءت بالفشل تلو الآخر عندما تعلق الأمر بعقد جردة واضحة لقدرات ايران النووية… ولا ينبغي علينا توقع نتائج مغايرة راهناً في الموضوع عينه». ووجه المجلس سهام انتقاداته إلى إدارة الرئيس أوباما «لفرط ادّعاءاتها ووثوقها من قدرة الولايات المتحدة التنبّؤ الدقيق بوضع ايران نووياً… تلك ليست سياسة خاطئة فحسب، بل تشكل قراءة خطيرة للتاريخ».

العراق

بعد استعراض مفصل لاوضاع تنظيم داعش في العراق، اوضح معهد واشنطن انّ سياسة التنظيم الدفاعية تعاني من الضعف، وهو الذي درج على تبنّي «نموذج عملياتي دفاعي مميّز، والذي ينطوي عليه عدد من الثغرات التي بالإمكان استغلالها» في المعارك المرتقبة في محافظة الأنبار ومدينة الموصل. واوضح انّ العقيدة الدفاعية للتنظيم «تعيد الى الأذهان أوضاع ألمانيا النازية خلال عامي 1944 1945»، موضحاً انه عند النظر اليها من المستوى التكتيكي الصرف فانّ التنظيم «يشكل خطراً بالغاً وباستطاعته الفوز في بعض المنازلات، بينما تبرز المعاناة على المستوى العملياتي نظراً إلى افتقاده التماسك الاستراتيجي فضلاً عن عجزه المزمن للدفاع عن مناطق تحت سيطرته».

تركيا

الانتخابات التركية المقبلة كانت موضع اهتمام صندوق مارشال الالماني، معرباً عن اعتقاده بتكبّد حزب العدالة والتنمية الحاكم بعضاً من أصوات مؤيديه كما انّ الحزب الديمقراطي الكردي، المشارك في السلطة، سيفوز بأصوات إضافية تؤهّله لزيادة حجم تمثيله البرلماني. واضاف انه في ظلّ التوقعات المرجحة بعدم توفر أغلبية واضحة لحزب العدالة والتنمية لتشكيل حكومة بمفرده، فإنّ النتيجة الأخرى ستفرض عليه تأجيل مساعيه لإجراء تعديلات دستورية «تلبّي رغباته وتطلعاته» للسيطرة على مرافق الدولة.

الطريق الى كامب ديفيد: توقعات وخيبات

استطاع الرئيس اوباما الإفلات بصعوبة من فخّ سياسي نصبه خصومه الجمهوريون في ما يخصّ صلاحياته لإبرام اتفاق نووي مع ايران، أرفق خطوته بالإعلان 17 نيسان عن استضافته لمؤتمر قمة مع دول مجلس التعاون في منتصف أيار الجاري، في ذروة العدوان السعودي على اليمن. تعدّدت التفسيرات والدوافع بيد انّ القاسم المشترك لطرفي المعادلة هو اندفاع مشيخات الخليح لطلب الحماية الاميركية، اسوة بطلب الملك عبد العزيز من الرئيس الاميركي روزفلت عام 1945 «خذوا النفط مقابل الحماية لسلطاننا».

الدول الخليجية لم تضمر امتعاضها، بل أعلنت معارضتها الشديدة للاتفاق النووي المزمع، وانخرطت عميقاً في المخططات الاميركية والقتال نيابة عنها في الاقليم. بيد انّ توقعاتها، او قطبها القيادي ممثلاً بالسعودية، بتوسّل اميركا لتوقيع اتفاق عسكري «استراتيجي» لحمايتها قد يثبت انها مراهنة ليست في محلها، وتفتقد لدقة القراءة السياسية للتحوّلات الاستراتيجية، كما يرجح المراقبون للسياسة الاميركية، وإدراك حجم تراجع الالتزام الاميركي في المنطقة. وجاءت جولة وزير الخارجية الأميركي جون كيري المكثفة قبل انعقاد القمة المرتقبة لتضفي مزيداً من الأضواء على حقيقة النوايا الاميركية عبر تصريحاته المتتالية في ما بعد حول ضرورة التوجه إلى حلّ سياسي في اليمن، واستطراداً في مناطق الصراع الأخرى.

أجواء الارتياح والاحتفاء طبعت معارضي الاتفاق النووي في الداخل والخارج على السواء، منتصف الاسبوع الماضي، عندما تبنّى مجلس الشيوخ قراراً يخوّله «مراجعة» الاتفاق النووي مع ايران بغالبية ساحقة. المراجعة لا تعني حق التصويت بالضرورة. وسرعان ما تبيّن كم هي قصيرة احتفالات البهجة والفرح لدى أولئك، إذ سرعان ما انبرى نحو 150 عضو في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي بتوجيه عريضة للرئيس أوباما معلنين دعهم التام لجهود المفاوضات النووية، وحث الرئيس أوباما على «مواصلة الدرب… واستنفاذ كافة السبل» للتوصل الى توقيع الاتفاق. ذلك العدد «الحرج» يشكل مظلة حماية برلمانية للرئيس أوباما تخوّله استخداماً مريحاً لحقه في الفيتو، بما يعني انّ الخصوم سيُحرَمون من تجميع ثلثي أعضاء الكونغرس لمناهضته.

وعليه يتضح انّ الهدف الأول للرئيس أوباما من وراء دعوته دول الخليج «لطمأنة» مخاوفهم من الاتفاق مع إيران وبأنه لن يهدّد أمنها، كما «يثير قلق كلّ من اسرائيل ودول الخليج». الدول الخليجية أعربت تباعاً عن توقعاتها لدفع واشنطن «إنشاء مظلة دفاع صاروخي يحمي منطقة الخليج بأكملها»، وهي التي تستضيف اسطولاً بحرياً أميركياً بكامله وتقيم على أراضيها قواعد عسكرية أميركية وأوروبية متعدّدة. وأولت مسؤولية التوضيح لسفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، الذي تحدث امام «المجلس الأطلسي» بالقول إنّ الدول الخليجية «تتطلع الى عقد ضمان أمني يأخذ بعين الاعتبار سلوك ايران في المنطقة… نحتاج اليوم الى اتفاق خطي» من شأنه تقنين التزام الولايات المتحدة بحماية أنظمة الخليج.

اسبوعية «ذي نيشن»، واسعة الاطلاع، اوضحت انّ دول الخليج على أتمّ الاستعداد لتأييد الاتفاق النووي مع إيران، وأرسلت إشارات واضحة بذلك لواشنطن» مقابل الحصول على انظمة تسليحية جديدة ومتطوّرة وضمانات أمنية وإجراء مزيد من المناورات المشتركة في المنطقة. وأعربت صحيفة المال والاعمال «وول ستريت جورنال»» عن مخاوف الجانب الاميركي من ارتدادات الاتفاق النووي الرامي إلى «إرساء الاستقرار في الشرق الاوسط وما سينجم عنه من عسكرة اضافية لمنطقة محفوفة بالمخاطر اصلاً». واضافت انّ تزويد انظمة الخليج بنظم تسليحية متطوّرة سيصطدم بحائط معارضة قوية داخل الكونغرس لاعتبارات «اسرائيلية» صرفة. ونقلت على لسان أحد أهمّ زعماء الحزب الجمهوري، ليندسي غراهام، قوله «إنّ قلقاً شديداً ينتابني من ذهاب الرئيس أوباما إلى قطع تعهّد بتزويد الخليج بكافة أنواع الألعاب التسليحية التي يطلبونها يرفقها باتفاقية أمنية أقلّ من معاهدة كاملة، مقابل تأييدهم للاتفاق… ولن ادّخر جهداً لعرقلة ارسال اي طلقة او مقاتلة» جديدة.

اوكلت المؤسسة الأميركية لمساعد وزير الدفاع السابق لشؤون الأمن الدولي، ديريرك شوليه، الردّ على محاولات ومطالب الدول الخليجية قائلاً امام السفير الإماراتي ان التوصل لتوقيع اتفاقية، وفق المواصفات الخليجية، توازي التعهّدات القائمة مع حلف الأطلسي «لن يتمّ في ايّ وقت قريب… ما قد يتمّ عرضه هو بعض الآليات المبتكرة» التي وصفت بمثابة «تطمينات استراتيجية». على الرغم مما قيل بصريح العبارة واصل الديبلوماسي الإماراتي توسلاته والتوضيح لمضيفيه انّ القوات والقدرات العسكرية الخليجية منخرطة الآن في القتال على جبهتين في آن معاً، جبهة العراق وسورية وجبهة اليمن، ومن حقها التزوّد بأفضل الأسلحة.

آفاق العدوان على اليمن

يجمع قادة البنتاغون على تعثر العدوان السعودي وفشله في إخضاع اليمن، على الرغم من حجم الدمار الهائل الذي ألحقه في بناه التحتية والخسائر البشرية الجسيمة، وغياب الإرادة للتوغل برياً في أراضيه. تنامي التوجس الأميركي، رسمياً وشعبياً، من غياب أفق للمخططات السعودية حفز الإدارة الأميركية على إعلان موقفها المؤيد لحلّ تفاوضي «يضمّ كافة الأطراف والقوى اليمنية»، الأمر الذي أصاب الرياض بإحباط وهي تسعى جاهدة لتحقيق ثغرة في الجغرافيا اليمنية تتيح لها استخدامها كمظلة لتقسيم البلاد تحت واجهة «اعادة الشرعية». بيد انّ حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر النفطي وتتالت سيطرة الجيش اليمني وحلفائه على أهمّ المحاور في مدينة عدن ودقّ اسفين إضافي في مخططات الهيمنة.

يتردّد في دوائر صنع القرار الأميركي انّ مجموعة عوامل تتحكم بمستقبل الصراع في اليمن: سياسياً لا يزال الجدل قائماً حول الهوية المقبلة لليمن وايّ دور للمقاتلين الحوثيين استراتيجياً، تحديد ادقّ لأهداف العدوان السعودي وكيفية تحقيقها، او بعض منها طبيعة إسهام الدول الخليجية الأخرى المنخرطة في التحالف السعودي لتحقيق إنجاز عسكري في اليمن ودولياً، من هي الدول والأطراف التي باستطاعة الدول الخليجية الاعتماد على تأييدها وفتح ترساناتها العسكرية لأموال النفط، خاصة بعد تلكؤ باكستان وعدم مشاركتها في توريد قواتها البرية للقتال هناك.

لا يختلف صناع القرار والمراقبون في واشنطن حول توصيف تسلّم «المتشدّدين والمغامرين» دفة القرار السعودي، وعزمهم القفز على مطالب المقاتلين الحوثيين وإقصائهم من اي ترتيبات مستقبلية في اليمن. تجلى ذلك في دعوة قمة دول مجلس التعاون المنعقدة في الرياض الى تبني المطلب السعودي ببدء جولة مفاوضات سياسية بشأن اليمن تعقد في العاصمة السعودية يوم 17 أيار، بعد أيام قلائل على انفضاض قمة الرئيس الاميركي في منتجع كامب ديفيد. لا يعوّل المراقبون على ايّ نتائج ايجابية قد تنجم عن لقاء الرياض، إنْ تمّ، لا سيما وهي عاصمة قرار العدوان وأقصى ما يمكن الخروج به هو الدعوة «لوقف إطلاق النار لدوافع إنسانية».

كما انّ دوافع الحقد والكراهية لدى الطاقم السعودي نحو استقلالية اليمن تحجب المساعي والرؤى السياسية للتوصل الى صيغة توافقية بعض الشيء، ويسعى إلى تحقيق معادلة صفرية بدلاً من ذلك. يضاف الى ذلك العامل تعقيد الجغرافيا السياسية عند الأخذ بعين الاعتبار عامل ودور إيران في الصراع، وما تملكه من قدرات مادية وبشرية لا تضاهيها دول الخليج مجتمعة، فضلاً عن نفوذها المتنامي في الإقليم.

ما يتبقى من خيارات لدى الطاقم السعودي «المغامر» لا تتعدّى التعويل على تدخل قوات برية، اما محلية او أخرى باكستانية وسنغالية وجنسيات أخرى ومواصلة المراهنة على القوات الموالية لعبد ربه منصور هادي التي تخسر مناطق سيطرتها على الرغم من الغارات السعودية الكثيفة والدعم بالقصف المدفعي والصاروخي لمواقع الجيش اليمني، ورفدها بطواقم معدودة من القوات الخاصة تحت إشراف وتوجيه وإدارة اميركية على الأرجح. وبهذا الخيار يتحدّد الأفق العملياتي للقوى المؤيدة للعدوان السعودي واعتماد أسلوب حرب العصابات والقيام بعمليات تخريب واسعة لما تبقى من منشآت وخطوط إمداد وتموين مع استمرار وتيرة القصف الجوي. المعارك البرية حافلة بالمفاجات، كما تدلّ كافة معارك التحرير الوطنية ضدّ الغزاة.

صفقات الرئيس الفرنسي

إعادة الولايات المتحدة ترتيب أولوياتها في منطقة الخليج، أضحت مادة تداول شبه يومية. وعملاً بنظرية «ملء الفراغ» التي طبقتها بامتياز بعد تراجع الامبراطورية البريطانية من منطقة الخليج، ها هي فرنسا «الاشتراكية» تسير على ذات اللحن، وهي التي خرجت صفر اليدين من مغامراتها في افريقيا والعراق وسورية، واندحارها من مناطق هامة في آسيا. لا تسعى فرنسا بالضرورة لوراثة دور واشنطن في الاقليم، بل يتمّ بالقدر الذي تسمح به لها دخول الأسواق العالمية، والتي برزت فرصتها التاريخية في الأسواق الخليجية، دشنتها بحضور الرئيس الفرنسي مؤتمر قمة دول التعاون الأخير، إجراء غير مسبوق في تاريخ المجلس.

سياسات فرنسا وإيقاعاتها في الوطن العربي تتناغم الى حدّ بعيد مع التصوّرات الخليجية لبسط نفوذها وسيطرتها على قرار الدول القِطرية، كما دلّ غزو واحتلال العراق وتدمير ليبيا وانهاك سورية بحرب يدعمانها سوياً بأقصى استطاعتهما. فرنسا «الشعبية» تعاني من تزايد هجرة «العرب والمسلمين» الى أراضيها، ونشاطات التنظيمات الإرهابية على أراضيها، وتطمع لحثّ دول الخليج على التزام الحرص السابق وحصر القوى المتشدّدة في سورية والعراق وليبيا. اما افريقيا وخاصة منطقة الساحل الغربي فهي كفيلة بها بالاشتراك مع القوات الاميركية.

في المجال الاقتصادي، فاز الرئيس الفرنسي بتوقيع عدد من الصفقات التجارية الضخمة: تسليم قطر 24 طائرة مقاتلة من طراز رافال قيمتها المعلنة 7 مليار دولار واخرى مع السعودية اضافة للعقد العسكري الجاري مع الإمارات، والتي بمجموعها قد تستطيع تعويض خسارة فرنسا للتبادل التجاري الضخم مع روسيا نتيجة التزامها بقرارات مقاطعتها أميركيا.

السعودية و«اسرائيل»: تقاطع ام تحالف

انقلاب اولويات السياسات الخليجية، وعلى رأسها السعودية، لم تكن وليدة اللحظة نتيجة صراع مفتوح مع ايران، بل ثمرة نضوج ظروف موضوعية واقليمية سعت الرياض لترسيخها بعنوان وأد أواصر الروابط القومية العربية وتشجيع كافة الإجراءات والخطوات التي يقوم بها بعض القادة العرب للتصالح مع «اسرائيل». يشار في هذا الصدد الى انّ صراخ دول الخليج عن ملكية الإمارات للجزر الثلاث في مياه الخليج رافقه صمت مطبق قاطع حول الجزر السعودية الثلاث المحتلة في البحر الاحمر من قبل «اسرائيل» خلال عدوان عام 1967: صنافير وتيران الكبرى والصغرى. وحملت الرياض مصر الناصرية مسؤوليتها عقب الهزيمة العسكرية لإخراجها من التداول المحلي في الجزيرة العربية، وليس لطلب ودّ جمال عبد الناصر.

دأبت المنابر الإعلامية المسيطر عليها خليجياً وسعودياً بشكل خاص على تحديد اولويات السياسة الخليجية بأنّ «العدو هو ايران وحزب الله وليس اسرائيل»، كما نشرته يومية «هافينغتون بوست» الالكترونية على لسان احد أقطاب السعودية الإعلاميين. واستطردت النشرة بالقول «يجب ألا يبقى التعاون مع إسرائيل لكبح النفوذ الإيراني في المنطقة أمراً يشوبه الغموض ويحرّم التطرّق إليه. فإنه ليس بالسرّ في واشنطن أنّ المملكة السعودية و«إسرائيل» تشعران بالقلق بشكل مماثل بشأن اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وإيران لا يعالج مطامع ايران الإقليمية».

لا نرمي لإثبات مدى التعاون الوثيق بين «الدولتين»، اذ خرجت تلك المهمة من باب التكهّن والتحليل الى حيّز التعبير الصريح والمباشر دون أدنى خجل أو مراعاة لمشاعر ضحايا المشروع الصهيوني الاحتلالي في طول الوطن العربي. بل المرور على مدى الانغماس وتضافر مصالح «الدولتين» من خلال أحدث «التحليلات» والتي انتظرت السعودية وحلفاءها شنّ عدوانها على اليمن غير عابئين بالثوابت والروابط القومية.

عودة لما نشر في «هافينغتون بوست»، وتمهيداً لقمة كامب ديفيد بين الرئيس اوباما وقادة الخليج، توضحت مبرّرات الحضور «بالنسبة الى المملكة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الاخرى فإنها… توفر فرصة ممتازة لإظهار اهتمام حقيقي في الديبلوماسية الاستراتيجية. لذا ينبغي أن تحضر هذه الدول المؤتمر وفي جعبتها أفكار بنّاءة ومتماسكة حول استراتيجية تشمل إسرائيل كشريك في احتواء إيران».

بعد الإقرار والتسليم بسياسة واشنطن التسليحية وحرصاً على عدم «تقويض التفوّق العسكري النوعي الذي تتمتع به إسرائيل. لذا ينبغي أن يكون هذا الشرط حافزاً قوياً للمملكة السعودية للمشاركة في عملية تطبيع حقيقية مع إسرائيل، تعود بالفائدة على تل أبيب والرياض على حد سواء».

بما انّ خروج الدول الخليجية من الصراع مع «اسرائيل» أضحى حقيقة ثابتة، تتساءل النشرة: «كيف يمكن للمملكة السعودية واسرائيل مواصلة التعاون المفتوح؟» اذن، اعتراف ضمني وليس تكهّناً لعلاقة تعاون قائمة. وتذهب الطموحات السعودية الى إسداء أكبر هدية للمشروع الصهيوني بإعادة الحياة لمبادرتها والتنازل المجاني عن فلسطين، قائلة «مع الأخذ بعين الاعتبار الجهود التي تبذلها المملكة لبناء تحالف في اليمن، يمكنها دعم حلّ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال عزمها تنشيط مبادرة السلام العربية التي أطلقتها في العام 2002. ومن شأن التوقيع على المبادرة أن يسمح للمملكة وللدول العربية الأخرى بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وبالتالي حرمان الإيرانيين من مصدر رئيسي للنفوذ بين العرب السنّة وتمهيد الطريق للتعاون الإقليمي الفعّال لمواجهة إيران».

في البدء كانت السعودية تعمل من خلف الستار بدعم وكلائها في اليمن. بعد تلقيهم سلسلة هزائم قرّرت الرياض خوض الحرب مباشرة غير عابئة بالتداعيات. المرور على إحدى البديهيات المشار اليها يعيد المصداقية للخطاب القومي العربي الذي شخّص نظام الأسرة المالكة السعودية بأنه خطر على القضايا القومية، وفي القلب منها القضية المركزية فلسطين. بعد «تغييب» المرجعية القومية والوطنية يستعيد الخطاب السياسي ثوابته بقوة، وتتعاظم البراهين على ترابط القضايا القومية، سواء في فلسطين أو ايّ من الأقطار العربية الأخرى، وصواب مواجهتها للوكلاء المحليين للمخططات الغربية والأميركية بشكل خاص.

البحث عن مخرج لمأزق السعودية في اليمن

باستطاعتنا القول ان جدول اعمال قمة كامب ديفيد ستتصدّرها الأزمة اليمنية، وما باستطاعة الرئيس اوباما «اقناع» دول الخليج على تبنّي «حلّ تفاوضي» خارج الرياض، كما بدأ يتسرّب في الأوساط الاميركية.

ويبدو انّ مسعى العمل على ما يطلق عليه «هدنة إنسانية» قد يشكل جسراً للعبور الى مخرج بعد تجريب سياسة الأرض المحروقة الإجرامية في صعدة ومران الى آخر مدى.

أيضاً سورية ستحضر بقوة على ضوء ما ستفرزه التطورات الميدانية وخاصة بعد حسم معركة القلمون بسرعة لافتة، والتي وصفها الاعلام «الاسرائيلي» بأنها «ستحدد مستقبل الرئيس الاسد».

من غير المرجح خروج القمة بقرارات «مصيرية» كما يروّج لها في الاعلام العربي. الخبير الأميركي المقرّب من دوائر البنتاغون والاستخبارات، انثوني كوردسمان، أوجز النتائج المرتقبة بالقول انّ القمة «ستوفر فرصة أساسية لكلّ من دول الخليج العربية والولايات المتحدة لإنشاء شراكة استراتيجية متينة وتداول الحاجة للعمل الجماعي في سورية والعراق واليمن».

يدرك كوردسمان والمسؤولين الكبار انّ المسألة غير محصورة بغياب «عمل جماعي» صرف، بل المقصود البحث عن مخرج سياسي يجنّب السعودية الإحراج لإخفاقها في كافة الساحات، لا سيما في اليمن، وإعادة تموضع وكلاء أميركا الاقليميين وفق إيقاعات المصلحة الأميركية الماضية لإبرام اتفاق نهائي مع إيران، وعلى الآخرين القبول بذلك، ليس إلا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى