مؤتمر الطاقات الاغترابية الثاني: بين النجاح والفشل… والعبرة في التنفيذ
علي بدر الدين
ينعقد مؤتمر الطاقات الاغترابية الثاني في لبنان في الواحد والعشرين من الشهر الجاري، والذي تنظمه وزارة الخارجية والمغتربين برعاية وزير الخارجية جبران باسيل. التحضيرات والاستعدادات لانعقاد المؤتمر وإنجاحه قطعت شوطاً كبيراً، وباتت قادرة على استيعاب المئات من المغتربين والمنتشرين والمتحدّرين من أصل لبناني. من الذين وجهت إليهم الدعوات للمشاركة في هذه التظاهرة الاغترابية الطاقوية. والتي وفق مصادر وزارة الخارجية ستشكل حدثاً اغترابياً لبنانياً غير مسبوق. ولم يشهد لبنان مثيلاً له.
العبرة ليست بأعداد الوافدين ولا بالعناوين الكبيرة والورش المتعددة ولا بتكبير حجر المؤتمر واستباقه بحملات إعلامية وإعلانية. بل في الكشف عن مكامن الضعف والثغرات التي شهدها المؤتمر الأول للطاقات الاغترابية الذي عقد العام الماضي. والعبرة أيضاً في التنفيذ وتحويل القرارات والتوصيات من حبر على ورق اختتام المؤتمر إلى وقائع وحقائق يمكن تلمّسها والاستفادة منها والبناء عليها. والسؤال هل ستعلن وزارة الخارجية عن ما حققه المؤتمر الأول وما هي الفائدة القريبة والبعيدة التي جناها المؤتمرون لأنفسهم ولوطنهم الأم وفي الدول التي يقيمون ويعملون فيها؟
كلام كثير قيل عن المؤتمر الأول. وفعل ينتظر من الوزير أن يعلن عنه.
وهل سيستفيد منظمو المؤتمر من الأخطاء والهفوات التي شابت ما قبله وطمس الإشاعات التي تحدثت عن مصالح رافقته، وعن استهدافه لمؤسسات اغترابية عريقة ومتجذرة في تاريخ الاغتراب ووجدان المغتربين. ويجب القول بصراحة ووضوح أن خيارات المؤتمر السابق لم تكن موفقة بدليل الاستنسابية قي توجيه الدعوات واختيار المدعوين. حيث أثير لغط كبير استند إلى أسماء المشاركين، الذين جاؤوا من دول محددة وطوائف معينة وانتماءات سياسية ومناطقية، فضلاً عن تغييب الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم وعدم إدراجها في سلم أولويات التعاون والتنسيق والاستفادة من وجودها الذي يتجاوز الخمسة عقود، ولها حيثياتها ودورها ووظيفتها الوطنية والاغترابية. كذلك تهميش مغتربين كبار وأصحاب إمكانيات وطاقات علمية واقتصادية وثقافية ومالية. وربما يكون هذا التجاهل أو التهميش بسبب نقص في المعلومات أو انعدام السجلات والإحصاءات. وكان بإمكان المنظمين والداعين تفادي هذه النواقص لو نسقوا وتعاونوا مع الجامعة الثقافية. لأنّ من تغيّبوا أو غُيّبوا طاقات هائلة وقيم مضافة للمؤتمر.
ولعل الوزارة تستفيد أيضاً من المؤتمرين الاغترابيين اللذين شهدهما لبنان الشهر الماضي. وهما مصدر طاقة وقوة إضافية لأنهما وضعا المدماك الأساس وانطلاق قطار الحوار والمصالحة والانفتاح على الفريق الآخر، المتمثل بما يسمى جامعة الانتشار التي انتدبت أمينها العام طوني قديسي للمشاركة في اجتماع المجلس العالمي الذي عقد في بيروت برئاسة رئيسها أحمد ناصر وحضور رئيس المجلس القاري الأفريقي المنتخب عباس فواز، وأثمرا توافقاً مبدئياً وأولياً على عقد مؤتمر عالمي مشترك في تشرين الأول المقبل وانتخاب رئيس وهيئة إدارية جديدة، إذا سارت الأمور وفق الجدول المرسوم. واستمر التواصل بين المعنيين. وكذلك الحوار الذي كان في بعض مراحله برعاية الوزير باسيل الذي يهيّئ لمؤتمر الطاقات الاغترابية مستنداً إلى مناخ حواري انفتاحي بين بعض مكونات الجامعة. وهذا لم يكن متوافراً قبل وخلال انعقاد مؤتمر الطاقات الأول.
ومن الخطأ الجسيم وغير المقبول، بل المسيء إلى المؤتمر والاغتراب عدم تدارك المنظمين المعينين للأخطاء التي سادت المؤتمر السابق وأحدث قلقاً وخوفاً على مصير الجامعة الذي تجدد اليوم في ظل الحديث عن محاولة فرض جمعيات بديلة تتحدث باسم الاغتراب وتدعي تمثيلها له من خارج النص الاغترابي ولا علاقة لها على الإطلاق، تتسلق السلم الاغترابي على أبواب مؤتمر الطاقات الثاني، مستعيرة الاسم والمكان لترويج نفسها وحشر أنفها في ما لا يعنيها إلا في حالة واحدة أنها مغطاة ومدعومة من فريق سياسي أو وزير أو زعيم بالإعلان. وقد جاهرت بالإعلان عن نفسها وأسماء مؤسسيها الذين لا علاقة لهم بالاغتراب وإقامتهم الدائمة وأعمالهم في لبنان.
مصادر اغترابية أكدت أن الإعلان عن هذه الجمعية في هذا الوقت بالذات أمر مستغرب، وتعميم بيان تأسيسها قبل انعقاد المؤتمر الثاني وفي أعقاب تواصل الحوار داخل الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، حيث بات الوصول إلى الخواتيم السعيدة على قاب قوسين يثير الشكوك والتساؤلات. وأكدت المصادر أن لا أحد يمكنه تقويض مؤسسة الجامعة الثقافية المتجذرة بإنجازاتها وعطاءاتها للمغتربين على مدى أكثر من خمسة عقود. أو أن يحل مكانها أو التحدث باسم المغتربين.
ونبهت المصادر إلى أن خطوة ناقصة كهذه ستؤدي إلى سلبيات كثيرة على عقد المؤتمر الثاني للطاقات، لكنها لن تؤثر في مواصلة الحوار داخل الجامعة الشرعية والتمثيلية الوطنية.
وأملت المصادر سحب فتيل الجمعية من التداول قبل أن يحدث تفجيره ارتدادات قد لا تكون في مصلحة الوطن والاغتراب.
وأشارت إلى أن قصد التعميم الذي لجأ إليه مؤسسو الجمعية وتوجيه الدعوات إلى المؤتمر الموعود. حرّك المياه الراكدة، المطمئنة إلى وقائع الحوار الاغترابي ونتائجه الايجابية، وأن اتصالات ولقاءات تحصل على مستوى عال لمواجهة أي ظاهرة قد تتفشى في الجسم الاغترابي وهي من خارجه. وقد تتبعها جمعيات وهيئات ولجان تدعي الاغتراب لحاجة في نفس يعقوب أو لمصلحة ذاتية. والأخطر إذا كانت لتقويض أسس الجامعة الثقافية وإيجاد البديل لها من حواضر البيت وقد جرب البعض عندما جرى طرح تأسيس المجلس الوطني للاغتراب كبديل عن الجامعة ولم يعد في التداول بعد أن سقط في الامتحان.
إن الجامعة الثقافية وإن أصابها الوهن والخلل وأكلها صدأ الخلافات والانقسامات لظروف خارجة عن إرادة مسؤوليها وأركانها والمنضوين فيها، إلا أنها تبقى الخيار الوطني الثابت وأنّ المتحاورين من داخلها أدرى بمشاكلها ولديهم القدرة والتصميم على تجاوز عراقيل الماضي المؤلم والسير بالحوار حتى نقطة النهاية المرجوة.