قرأنا لكم
نصّار إبراهيم
حجارة وجدران
بقايا شبايبك وأقواس أليفة تطلّ من بين الحشائش التي غمرتها على مدى سنين الانتظار
هنا كان أطفال وضحكات وعشق وغناء
هنا تحت شجرة اللوز تفيّأت امرأة ذات يوم بعيد
كانت تشرب كأس الشاي ومن حولها أطفال يركضون
هنا لكلّ حجر حكاية ولكلّ شجرة روح وذاكرة
تتناثر بقايا البيوت على التلال والسفوح
تبدو صامتة ومنسيّة تنتظر
تكاد تشرق بدموعها
على جوانب الدروب التي ضاعت معالمها تتطاول أشجار الصّبار
بقيت تزهر كلّ سنة ولم تيأس من البقاء
تتفتح بأكوازها نحو السماء
صبورة عنيدة وفيّة أشجار الصبّار الفلسطينيّة
تمرّ عليها السنون والأيام والفصول
وهي هنا تؤكد وجودها وحقها في الأرض والفضاء والسماء والحياة
لا رفيق لها سوى النحل البرّيّ والجنادب والفراش وعصافير تأبى الرحيل
هنا بقايا بيوت تنحني على ذاتها بأسى وحنين
تنتظر خطوات أهلها الذي ذهبوا قبل سبعين سنة على أمل أن يعودوا ذات ربيع
لتمضي أقدامهم على الدروب ذاتها التي تعانقها أشجار اللوز والصبّار والخرّوب
تنمو الحشائش بلا نظام
تقف وحيدة
تهبّ رياح الضحى فتمر على المكان الهادئ
تلامس أزهار الصبّار المنتظرة فترتعش قليلاً
فيما عصفور عابث يتقافز على ألواحها السميكة
وكأنه يحاول أن يقول لها لستِ وحيدة ها نحن معاً
دعينا نواصل بقاءنا وننتظر الغائبين
هنا على الدروب المتلاشية بين الحشائش والأشواك البرّية سارت يوماً صبية كنعانية كرمح باسل
كانت تسير بكامل رشاقتها لتلتقي «صدفةً» شاباً يغازل عينيها العسليتين
رحلت الصبية وبقي حلمها يطوف في فضاء المكان
يمرّ على بقايا البيوت كلّ صباح ومساء وكأنه يطمئن عليها
ياااااه أيّتها البيوت المغمورة بالحنين
يأتي صيف ويذهب
يأتي شتاء ويذهب
وفي الربيع تطلّ النباتات من بين مفاصلها
تداعبها نسائم الصباح
لا أصوات ولا دخان مواقد ولا ضحكات أطفال
فقط هدوء
كلّ صباح تنظر أشجار الصبّار نحو المدى
تتطاول
ثم تعود إلى ذاتها
ليس في المدى أحد
سيعودون في السنة المقبلة
تنظر وتنتظر
يا أشجار الصبّار الوفيّة
كوني حيث أنت وانتظرينا
كوني لتذكّرينا بالدروب التي كانت لنا ذات يوم وبئر الماء
كوني في انتظارنا لتخبرينا حكايات كلّ شجرة وزهرة وشوكة
لتقولي لنا كيف احتضنتِ بقايا بيوتنا كي لا تنام وحيدة في الليالي المقمرة
كوني وانتظرينا، فذات يومٍ سنعود
فانتظرينا…