عاصفة حزب الله
روزانا رمّال
في زمن قياسي، يتقدم حزب الله في القلمون بعمليات نوعية فاجأت المتابعين، خلافاً للتوقعات الإقليمية والدولية بأنّ حرب استنزاف تنتظر حزب الله وأنّ القلمون لن تكون سوى الوحل الذي سيغرق فيه وحلفاؤه، نظراً إلى أهمية المنطقة ولشدّة الرهان عليها لتغيير المنطقة وتسوياتها، بدءاً من سورية وصولاً إلى العراق فاليمن.
باتت أعلى تلال جبال القلمون اليوم في عهدة حزب الله والجيش السوري، وهي تلة موسى. هذه التلة التي تعتبر، عسكرياً، هدفاً لا يستهان فيه، لناحية التمركز والرصد عبرها، فموقعها يساعد تكتيكياً على تنفيذ المعارك، ولها أهمية استراتيجية، باعتبارها منظاراً يكشف باقي المناطق ويفتحها على بعضها البعض، بحيث يصبح إرهابيو «النصرة» و«داعش» تحت أعين المقاومة والجيش السوري، هذا بالإضافة إلى السرعة القياسية التي تمّت فيها السيطرة فيها على مساحة 40 كيلومتراً مربعاً من الأراضي اللبنانية الواقعة على سلسلة جبال لبنان شرق جرود نحلة، انطلاقاً من عقبة البيضاء جنوباً، وحتى قرنة عبد الحقّ شمالاً.
في هذا السياق، يؤكد مصدر عسكري لـ«البناء» أنّ ما أظهره حزب الله في هذه المعارك النوعية، حسب تعبيره، يشير في شكل واضح إلى أنّ الحزب لم يكن طيلة التسعة أشهر الماضية حرساً للحدود، مقابل الإرهابيين، بل على العكس، فإنّ المجريات تشير إلى أنّ حزب الله قد استعدّ جيداً لهذه العملية، وجهّز عديده وعتاده وخططه التي استطاعت حتى امتصاص عنصر المفاجأة الذي عملت «جبهة النصرة» على استثماره للتقدم في المعارك، وهو الهجوم على حزب الله وليس العكس. فحزب الله تعرض لهجوم وصدّه في البداية.
يبدو واضحاً أذاً، أنّ حزب الله الذي كان على بعد أمتار من الإرهابيين طيلة الأشهر التي خلت، كان يراقب تحركات المسلحين بدقة في الجرود، رغم الاستقرار الملحوظ الذي ساد، ورغم ملفّ العسكريين العالق لجهة لبنان وبعض المناوشات التي مضت وكلّ ما جرى حتى الساعة، يؤكد كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير أنّ المعركة ستتتحدث عن «نفسها».
تحدثت تقارير عسكرية عن السلاح النوعي الذي يستخدمه حزب الله في هذه المعركة، وخصوصاً طائرات الاستطلاع لرصد تحركات المسلحين الإرهابيين وتحقيق إصابات مباشرة في تحصيناتهم وآلياتهم، حتى أنّ عدداً كبيراً منهم اضطر للهروب أو التراجع.
يبدو أنّ العاصفة الحقيقية والوحيدة في المنطقة هي عاصفة حزب الله، وليس عاصفة الحزم التي شنتها القوات السعودية على اليمن، من أجل قلب المعادلات والتسويات المقبلة، فعاصفة حزب الله اليوم والتي اجتاحت المنطقة برمتها تطغى على مختلف الاجتماعات الإقليمية والدولية لأنها تشكل صورة مصغرة عن الدول التي تشترك في هذه المعركة، فالأتراك الذين وضعوا كلّ رصيدهم في «جبهة النصرة» تحديداً، يتابعون جيداً الانهيارات في صفوف مقاتليها، كلما تقدم حزب الله والجيش السوري، كذلك يلاحظ السعوديون والقطريون وغيرهم، عدم التكافؤ العسكري والفشل الذريع الذي أظهرته أول مرحلة من المعارك في القلمون.
وفي الحسابات، فإنّ الرهان على عاصفتين في المنطقة في نفس التوقيت، كان رهاناً مزدوجاً لـ«الإسرائيليين» في شكل واضح، فعمليات القلمون التي تعنيهم مباشرة هي أهم المعارك التي يمكن أن تضعف محور المقاومة، من وجهة نظرهم، عن طريق فصل ممرات إمداد السلاح من سورية إلى حزب الله، والتي يمكن أن تفشل تماسك حلف إيران وسورية وحزب الله. جاءت عاصفة حزب الله في القلمون لتفرض معطيات واقعية جديدة تبعد الرهان «الإسرائيلي» أكثر من أيّ وقت مضى. أما العاصفة الثانية التي كان متوقعاً منها بالغ الأثر، فقد كانت عاصفة الحزم التي شنها الطيران السعودي العربي، بتشجيع أميريكي ـ إسرائيلي على الشعب اليمني من أجل الضغط من جهة مختلفة من المنطقة والدخول القوي على خط التسويات بين أميركا وإيران، وخصوصاً في قضية النووي الإيراني.
الرهان الذي ينجح هو الذي سيحكم المنطقة ومصيرها لفترة غير قليلة من الزمن، وفي هذا الصدد أخذت السعودية فرصة عاصفتها تماماً ودخلت مرحلة الانحسار، من دون أضرار استراتيجية على الساحة الحوثية، ما خلا المادية. ولو أنها نجحت في تحقيق أهدافها، لكان حلف إيران وسورية تأثر سلباً وفي شكل تلقائي، ففي سورية مثلاً سيتأجج الصراع أكثر فأكثر وتتعالى فرص التصعيد العسكري من قبل الداعين إلى شنّ عملية عسكرية عليها، وفي لبنان ستتعالى الأصوات الرافضة لسلاح حزب الله وامتداده الاستراتيجي وسيعلو منسوب التوتر بين الحزب وتيار المستقبل مجدّداً، وتثبت مقدرات حلفاء السعودية في لبنان في شكل أوضح، بالإضافة إلى إضعاف دور إيران الإقليمي ومحاولات التصويب والتعطيل في التوقيع النهائي على الملف النووي مع العمل على عزلها عن اليمن والمفاوضات في المنطقة.
وحدها عاصفة حزب الله هي التي تبقى لتتحكم وترسم شكل طاولة المفاوضات في هذه المنطقة، بحضورها ونفوذ المشاركين فيها وأدوارهم.