العلاقات الأميركية ـ الروسية في محادثات كيري بموسكو
حميدي العبدالله
ما جاء في المؤتمر الصحافي المشترك لوزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة، والبيان الصادر رسمياً عن الخارجية الروسية، وتصريحات مستشار في الكرملين، إضافة إلى ما قاله كيري على حسابه الخاص على شبكة «تويتر» يتيح فرصة لتقييم ما حققته المحادثات بين الجانبين، والأسباب التي دفعت وزير خارجية الولايات المتحدة إلى القيام بزيارة روسيا، على الرغم من توتر العلاقات بين البلدين والعقوبات المفروضة على المسؤولين الروس.
الجانب الروسي على لسان مستشار في الكرملين أكد أنّ «المحادثات لم تؤدّ إلى انفراجة كبيرة». بيان وزارة الخارجية الروسية الذي يمثل التقييم الرسمي لنتائج المحادثات أكد أنّ لافروف «أبلغ كيري أنّ محاولات الضغط علينا بالعقوبات ستؤدّي إلى طريق مسدود»، في حين أكد لافروف في المؤتمر الصحافي المشترك مع كيري على أنّ المحادثات وفرت «فهماً متبادلاً بشكل أفضل».
كيري من جهته أكد أنّ التعاون بين واشنطن وموسكو هو «حاجة ملحة» مشدّداً على أنه «من المهمّ أن تبقى خطوط الاتصال بين الولايات المتحدة وروسيا مفتوحة فيما نتعامل مع القضايا الدولية الملحة».
من خلال هذه التصريحات التي رافقت وأعقبت محادثات كيري في موسكو يمكن تثبيت خلاصتين:
الخلاصة الأولى، الولايات المتحدة غير قادرة على الاستغناء عن تعاون مع روسيا في ملفات دولية عديدة. روسيا من موقعها الجيوسياسي، وقدراتها العسكرية، وموقعها في مجلس الأمن كعضو دائم، وتحالفاتها الدولية، لا سيما في إطار مجموعة «بريكس»، لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن التعامل معها بمنطق العزل والقطيعة المطلقة. وهذا يعني الإقرار بأمرين أساسيين، الأول أنّ روسيا دولة كبرى حتى وإنْ لم تكن دولة عظمى، كان وسيكون لها دور كبير ومستقلّ في التعامل مع القضايا الدولية، ولا يمكن في أيّ حال من الأحوال العودة إلى حقبة التسعينات عندما تحوّلت روسيا إلى دولة تابعة تماماً للدول الغربية، وتابعة تحديداً للولايات المتحدة. الأمر الثاني، مهما بلغ مستوى التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، فإنّ ثمة حاجة لاستمرار تبادل وجهات النظر حول القضايا الدولية التي تدخل في صلب اهتمام واشنطن وموسكو. وهذا يعيد إلى الأذهان حقبة العلاقات بين الغرب والاتحاد السوفياتي في ظلّ ما عُرف بسياسة التعايش السلمي، حيث انتظمت العلاقة بين الغرب والمعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي على قاعدة التعاون والصراع، التعاون لحصر النزاعات والحؤول دون اتساعها، ولكن من دون أن يزول التنافس والصراع على النفوذ على المستوى الدولي.
الخلاصة الثانية، أنّ الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة حول جميع القضايا الدولية، سواء الأزمة الأوكرانية، أو الحرب على اليمن، أو الوضع في سورية، أو مكافحة الإرهاب، لا تزال على حالها، واستخدام تعبير «فهماً متبادلاً في شكل أفضل» وإجراء محادثات «صريحة» وهي العبارة التي ردّدها كيري، تؤكد أنه لم يتمّ تحقيق أيّ اختراق إزاء أيّ قضية مطروحة، وجلّ ما تحقق هو إحياء قناة اتصال رفيعة المستوى، بدلاً من استمرار القطيعة التي قد تقود إلى تفاقم الأزمات.