في ذكرى النكبة… تبقى فلسطين محور النضال وجوهره
واصف شرارة
شكّلت قضية فلسطين ولا تزال محور نضال الأمة فكانت الجوهرة الأساس في العقل والضمير العربي والمركز والمحور في أي عمل قومي، وكانت ولا تزال عنواناً لغياب العدل عن كوكبنا، وخير دليل على موت الضمير العالمي، ورمزاً للجرح الذي لا يبدأ عند كونها جريمة في حق شعب يعيش في الشتات… وعلى الفتات، وكوفيّة يغيّرون ألوانها كلما تغيرت الظروف.
بكلمة موجزة كانت فلسطين ولا تزال وستبقى قبلتنا وبوصلة نضالنا رغم أن الكثير من العرب الأعراب لاهون عن فلسطين يقاتلون من يحمل همّ فلسطين…
إن الأمة وهي تواجه الخطر على مصيرها، وبعد مرور مئة عام على الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1919 والتي أثمرت تقسيم المشرق إلى دويلات لا يملك بعضها مقومات الحياة من معاهدة سايكس بيكو 1916 إلى وعد بلفور المشؤوم 1917 الذي أسس لأكبر مأساة شهدها القرن العشرون، ولا تزال فصولها تتوالى على أرض فلسطين من خلال الممارسات العنصرية الحاقدة للكيان الصهيوني ونهجه العدواني الاستئصالي ضد الشعب الفلسطيني الذي يواجه منذ ما يزيد على ستين عاماً مختلف صنوف المجازر والحصار والإبادة. إن الأمة مدعوة للتنبه إلى حقيقة ما يحاك ويدبر لها في إعادة رسم سايكس بيكو جديد مفصل على مقاس الأطماع الصهيو ـ أميركية.
إن الخطر المحدق بأمتنا يتجاوز التقسيم إلى التفتيت، وهذا الخطر لا يهدد سورية وحدها بل يهدد لبنان والعراق واليمن وليبيا والجزيرة العربية، بعدما أضاع العربان هويتهم الواحدة، في حين يمضي العدو «الإسرائيلي» إلى إعلان كيانه «دولة يهود العالم» ويحضّر نفسه ليكون الدولة الوحيدة في المنطقة التي يتوزع أهلها قبائل وعشائر ومذاهب وطوائف لا هوية موحدة ولا مرجعية واحدة بعدما أفقدوا أنفسهم هويتهم القوية والمستقرة.
إن التخلي عن العروبة كهوية جامعة هو المدخل إلى سلسلة من الحروب الأهلية بين الأخوة، كما أن التركيز على ضرب الهوية القومية هو مقدمة لضرب الهوية الوطنية وتمزيقها، وهو السبيل إلى دخول قفص الخرائط السابقة، ومنها سايس بيكو بلا أمل في الخروج من هذا القفص الذي يضيق أكثر فأكثر على كل من يتمسك بهويته وسيادته واستقلاله وكرامة أمته وشعبه.
إنّ التمسك بخيار المقاومة وبالانتماء القومي، يجب أن يكون عنوان الثقافة التي يجب نشرها في المجتمع. إن حركة شباب مصر وشباب الأردن المطالبة بتحرير سمائنا من علم العدو إنما يؤسس لمسار جديد يؤكد على قومية المعركة وقومية الاتجاه وقومية الشعور، وهذا ما يسعى العدو وجميع العملاء للنيل منه. ولأن شعار «العروبة أولاً» يلغي سائر الانتماءات المذهبية والعرقية والدينية والمناطقية، ولأن التخلي عن الانتماء القومي ليس هو الحل بل العكس هو الصحيح، ولأن الحل في العروبة وعند العروبة، لا تستطيع قوة في الدنيا أن تقطع مشاعر الانتماء وصلات الارتباط بالهوية الوطنية والقومية أو تلغي أحاسيس المشاركة والتفاعل بين أبناء ثقافة واحدة ولغة واحدة وتاريخ واحد ومصير واحد، ففي قوة الانتماء تكمن قوة الإرادة وقوة التحدي لأي مشروع يستهدف شطب الهوية ويلغي الانتماء ويزيّف الواقع بعدما فقد البعض البوصلة وأضاع الطريق وأصبحت العروبة عنده تهمة يلاحق حاملها والمنادي بها، كما أضحت الوحدة سراباً وكل قطر مهدد بالانشطار، وإلا فالفتن جاهزة وبالمرصاد وقد فعلت فعلها في العراق واليمن على الطريق، وليبيا والسودان ليستا بعيدين عن ذلك، أما الصومال فحدث ولا حرج مثلما هو لبنان حيث العروبة غائبة عن مشاريع تجديد نظامه الطائفي، وبيروت التي لم تتردد في يوم من الأيام في الوقوف في طليعة المدافعين عن قضايا الأمة، والتي كانت الملجأ الأول والأخير لكل مناضل قومي أبعده نظام القمع في أي بلد آخر، بيروت هذه التي حافظت على إرث الخطاب القومي والتي احتضنت كل حركات التحرر العربية ودفعت ضريبة الدم في الدفاع عن كرامتها… أين هي اليوم؟!
إن دم الشهادة والشهداء واحد، لا فرق بين دم يراق في العراق أو فلسطين أو سورية أو أي أرض عربية، فالجريمة التي تستهدف الأمة وتعمل على تفتيتها هي واحدة والهدف واحد، منع العرب من التوافق والاتفاق من خلال إشعال وإشغال الداخل العربي أو من خلال نفخ رماد المشاكل المعلقة بين العرب والتي كان الغرب أساس في خلقها واختلافها.
ولم يعد خافياً ذلك الدور المشبوه المعادي للعروبة لدى بعض القوى التي أرادت أن تشوّه التاريخ وتدمّر جسور التواصل بين الشعوب والحضارات من خلال الاستعداء المنظم والتآمر المفتوح على العروبة وتاريخ العرب ودورهم ووجودهم وحقهم المشروع في النهوض والتحرر والتقدم، بعدما عمدت إلى إعادة ترتيب الأوراق ورسم الآليات الجديدة لمشاريعها التي تستوحي التمزيق منهجاً والفرقة سياسة وإثارة النعرات والانقسامات أداة لضرب مشاريع التوحيد أو التضامن أو العمل العربي المشترك بكل مؤسساته ومستوياته، على خلفية تعريب الصراع ومصادرة الإرادة وإحباط الدور الفاعل للثروة العربية وفق مخططات هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركية الأسبق وأحد مهندسي عالم الهيمنة اليوم.
إذا كانت التكتلات العالمية الجديدة عززت الهوية القومية والوطنية للبلدان الداخلة في هذه التكتلات إلا أنها لم تجنح نحو الكيانية الضيقة، وها هي الدول الأوروبية في توحدها ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي لم تفرط بهويتها ولم تستطع رياح العولمة أن تقتلع منها خصوصياتها وثقافاتها، فالقومية تحفظ وتحافظ على خصوصيات مكوناتها ولغاتها وتمايزاتها، بينما يطالب المعادون للعروبة بأن يمزّق العربي هويته القومية والوطنية كشرط للتغيير وأن يغيّر العربي جلده وسحنته ولسانه!
سنبقى على إيماننا بعروبتنا، وسنبقى نرى الحل في العروبة، فهي وحدها الجامع بين مكوّنات أبناء الأمة ووحدها تحمل القضية. العروبة هويتنا ومصدر أمالنا اليوم وغداً. سنبقى وسنظل على إيماننا بفلسطين وسنبقى نعمل لإنجاز المشروع القومي النهضوي الذي يعيد إلى أمتنا وحدتها وأرضها المحتلة بما يمكّنها من السيطرة على ثرواتها والحفاظ على حرية أبنائها وكرامة شعبها العربي بعيداً عن أي هيمنة خارجية..
بلى، العروبة في خطر، والأمة في محنة، والأعراب هربوا من أعباء عروبتهم. لكنّنا عرب وسنبقى عرباً. علينا أن نناضل مع العروبة ومن داخلها لكي تتأكد هويتنا بالانتماء إليها ولكي ننتصر بها.