الثقافة في المواجهة
د.نسيب أبو ضرغم
لا بدّ من التأكيد، أن جوهر صراعنا الدهري مع العدو التوراتي وحلفائه الدوليين والإقليميين والداخليين، جوهر ثقافي. فميدان الثقافة هو الميدان الأساس الذي احتشدت فيه كل القوى المعادية، وقد دسّت في مفاهيمنا وعقولنا كل سمومها الثقافية، بحيث كانت تعتبر وما زالت، أن مسخاً ثقافياً يمثّل الانتصار الأول والفاتحة لاستكمال مشروع التهويد والسيطرة، بالتالي شطبنا من الوجود الإنساني، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
راصد حركة العدو اليهودي، يدرك أن البعد الثقافي لديه هو الأساس في كلّ سياساته واستراتيجيته، وعلى هذا الأساس يقوم هذا العدو بتفريغ النفس القومية من كافة مضامينها، عبر تأثيره العميق في الإعلام والسياسة، وعبر استعماله أدوات محلية وإقليمية ودولية، يكلّفها مهمة شطبنا من الوجود الحضاري وحتى الفيزيائي. إن عملية تهديم الآثارات المبرمجة، وبالطريقة التي تحصل فيها هذه العملية، تثبت صحة ما أشرنا إليه.
إن هدم أثر يعود إلى ثلاثة آلاف سنة ـ وربما أكثر ـ ومسحه، لهو بالنسبة إلى اليهودي، انتصار يوازي قيام دولته، فكلّما انخفض المنسوب الحضاري ـ التاريخي ـ الثقافي من النفس السورية، كلما اكتسب العدو اليهودي دفعاً إضافياً في مسار افتراسه وجودنا القومي برمّته.
ليس المثال المتعلق بالآثار هو الوحيد الذي يدأب اليهودي على تطبيقه، فهناك عدّة مسارات يتبعها، منها ما تعلق ببعض الأقلام المتهورة، والشاشات المعيوبة، والمطبوعات المشبوهة والأعمال «الفنّية» التي تشكل سموماً قاتلة، سواء منها المسرحي، أو سواه، وكل ذلك بهدف تسطيح البعد الثقافي لدينا كسوريين، وإفراغ ذاكرتنا من هذا المخزون الجبّار، وقطع جذورنا مع النهر القومي الأبدي المتدفق من عين الشمس، منذ أشرقت الشمس.
في مواجهة هذا الإفناء الثقافي، نعمد إلى استنفار كافة الأقلام والمواهب والطاقات، لتقوم بواجبها المقدّس تجاه الوجود القومي المهدّد بالزوال.
المواجهة الثقافية التي نريدها على صفحات «البناء»، ليست مواجهة المواهب القومية الاجتماعية فقط. إنما كافة المواهب والقدرات على مدى الأمة. ذلك أن القضية المستهدفة من التنّين اليهودي، ليست قضية حزبية، أو قضية فئة، أو طبقة، أو شخص، إنما هي قضية أمة بأسرها، قضية مجتمع بأسره، هي قضية وحدة الأرض ووحدة الشعب ووحدة الدولة، هي القضية القومية.
لم يعد مقبولاً القول بالأدب ـ المرآة، والفن للفن، لم يعد مقبولاً أن يسيل حبر في أيّ مكان من سورية الطبيعية، لا يضجّ بحبر الوحدة القومية، ولا يهتف لحياة المجتمع وأمنه وعزمه.
نريد أدباً يغيّر ويعبّر، لا أدباً يعكس حالةً. نريد فنّاً مشتعلاً، سواء عبر اللون، أو الجسد، أو اللحن، أو أيّ شكل آخر.
نريده مشتعلاً يحمل وجع أمة استبطنت على مدى آلاف السنين ريادة الحضارة البشرية، معلّمةً، هادية، مصارِعة.
أمة تقتل في كل عصر تنيناً، فهي طوراً مار جرجس، وطوراً الخضر، وطوراً حمورابي، وطوراً نبوخذ نصر، وطوراً زينون، وطوراً يسوع وطوراً صلاح الدين… وطوراً أنطون سعاده.
نريد ثقافة المواجهة، لا ثقافة الواجهة، ثقافة تأخذ على عاتقها أن تتقدّم الصفوف، وأن تكفّ الزيف، وتكشح من أمام أنظار السوريين، ما تكدّس من غيوم سوداء، حجبت شمسنا وقمرنا وسماءنا… إلى حين، آن لهذا الحين، أن يُقصف عنقه.
صفحتا الثقافة والدراسات في «البناء» هما ملك الأقلام المتمردة، الحرة، المشتعلة دفاعاً عن حقوقنا وثقافتنا ومصالحنا.
لم يعد مسموحاً السكوت عن «ثقافة» التهجين، والاقتلاع، و«التحشيش الفكري»، لم يعد مقبولاً الخضوع لبرامج تعليمية، تقوم على قاعدة «تعلّم كيف تجهل».
إنّ السكوت عن ذلك، جرمٌ يفوق جرم هذه السرطانات اليهودية المتفشية فينا، لا بل تواطؤ ضمني مع هذه السرطانات، إنه السرطان الأخطر، لأنه المُتَقنع فينا.
إذا لم تكن «البناء» جريدة الأحرار، فما عساها تكون؟ وإذا لم تكن صفحاتها الثقافية، تمور بثقافة الصراع والأصالة، فعهداً من «البناء» لن تكون.
أيتها الأقلام الحرة، شرّعي حبرك المقدّس، ليصنع غدنا المقدس، في معركة فاصلة من التاريخ، معركة هزيمة الشيطان اليهودي، أمام الإله السوري، في ملحمة القيامة الإنسانية.