القانون الدولي ومكافحة الإرهاب

عصام الحسيني

الإرهاب ظاهرة عُرفت منذ العصور القديمة، وتعود إلى نزعة بشرية للسيطرة على الخصم، للحصول على المبتغى بشكل غير قانوني، مما يتعارض مع المفاهيم الاجتماعية القائمة.

لقد تطوّر مفهوم الإرهاب عبر التاريخ، وتطوّرت تكتيكاته، لكن استراتيجيته ظلت واحدة، والتي تهدف إلى خلق تيار من الخوف لدى الآخر، لاستلابه حقوقه المشروعة، بنمط عنفي موجه، أكان ذلك على صعيد الفرد أو الجماعة.

وللإرهاب مفهوم واسع لا يمكن حصره في إطار معيّن أو قواعد محدّدة يُقاس عليها. وتتراوح أشكاله بين ثلاثة نماذج:

1 إرهاب تقوم به الدول، ضدّ أفراد أو جماعات أو دول أخرى، بقصد الانتقام دون مبرّر قانوني.

2 إرهاب يقوم به الأفراد، مثل الاغتيال أو احتجاز رهائن، أو خطف طائرات.

3 إرهاب تقوم به منظمات إرهابية، وتشمل جميع أنواع الممارسات العنفية المنظمة.

كذلك للإرهاب تعريفات متعدّدة ومتنوعة، بسبب التعقيدات السياسية أو الدينية أو الأيديولوجية، وبسبب الخلط أحياناً بين مفهوم الإرهاب وبين مفهوم حركات التحرّر الوطني، لأجل تقرير المصير، وإزالة الاحتلال.

لقد عرف القانون الدولي الإرهاب بالتالي: «الإرهاب هو كلّ عنف غير قانوني بحق المدنيين، لأجل تحقيق هدف سياسي».

وفي هذا التعريف ثلاثة عناصر: عنف غير قانوني مدنيين الهدف أو الباعث السياسي.

وعرف القرار الدولي رقم 1566 الصادر بتاريخ 2004 الإرهاب بالقول: «الإرهاب هو كلّ عمل جرمي ضدّ المدنيّين بقصد التسبّب بالوفاة، أو بالجروح البليغة، أو أخذ الرهائن من أجل إثارة الرعب بين الناس، أو إكراه حكومة ما أو منظمة دولية، بعمل أو الامتناع عنه، وكلّ الأعمال الأخرى التي تشكل إساءات ضمن نطاق المعاهدات الدولية المتعلقة بالإرهاب. وهذه الأعمال لا يمكن تبريرها باعتبار سياسي أو فلسفي أو أيديولوجي أو ديني أو عرقي».

هذا التعريف الدولي الصادر تحت الفصل السابع، له صفة الإلزام، وتناول نقطة جوهرية وهي: أنّ أعمال القتل العمدي للمدنيين، لا يوجد ما يبرّرها بكلّ الموازين.

إنّ مفهوم الإرهاب، هو مفهوم متحرّك، فكلّ يوم يظهر نوع جديد من الإرهاب:

ـ الإرهاب الكلاسيكي ويشمل: الإبادة الجماعية، الجرائم ضدّ الإنسانية، جرائم الحرب، وجرائم العدوان.

ـ الإرهاب الحديث غير الكلاسيكي ويشمل: الإرهاب البيئي، الإرهاب الإلكتروني، الإرهاب النووي، إرهاب النفايات السامة.

وإزاء تصاعد أعمال الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره في أنحاء العالم كافة، وانسجاماً مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، المتعلقة بحفظ الأمن والسلام الدوليين، وتعزيز علاقات حسن الجوار والصداقة والتعاون بين الدول، برز مفهوم مكافحة الإرهاب وقمع تمويله، وذلك عبر اتفاقات دولية، أو عبر القرارات الدولية الصادرة تحت الفصل السابع، والتي تأخذ طابع الإلزامية.

ونظام مكافحة الإرهاب مبنيّ على ركيزتين:

الأولي: على الاتفاقيات الدولية المتنوعة في مكافحة الإرهاب، مثل:

1 اتفاقية عام 1963 الخاصة بالجرائم وبعض الأفعال الأخرى المرتكبة على متن الطائرات، وتبعتها اتفاقات أخرى ذات صلة بسلامة الطائرات والمطارات، في العام 1970 و1971 و 2010.

2 اتفاقية عام 1979 المناهضة لأخذ الرهائن.

3 اتفاقية عام 1980 للحماية المادية للمواد النووية.

4 اتفاقية عام 1988 لقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة.

البحرية، وتبعها بروتوكول عام 2005 ذات الصلة.

5 اتفاقية عام 1991 لتمييز المتفجرات البلاستيكية بغرض كشفها، ثم الاتفاقية الدولية لعام 1997 ذات الصلة.

6 الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب عام 1999.

7 اتفاقية جنيف عام 1937 لمنع وقمع الإرهاب.

8 الاتفاقية الأوروبية عام 1977 لقمع الإرهاب.

الثانية: على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن الصادرة تحت الفصل السابع، مثل:

1 القرار الدولي الملزم رقم 1566 تاريخ 2004 الصادر عن مجلس الأمن، حول تحديد مفهوم الإرهاب، والذي شمل مفهوم «الإرهاب الأخضر»، أي إرهاب المجموعات التي تدّعي الإسلام مثل تنظيم القاعدة.

2 القرار الدولي الملزم رقم 1373 الذي يشدّد على مسؤولية الدول في منعها لإيواء الإرهاب.

3- القرار الدولي رقم 1540 الذي يتحدث عن الإرهاب النووي.

إنّ الاتفاقيات الدولية لا تتضمّن قواعد آمرة ملزمة، إلا للدول الموقعة عليها. لكن في القضايا المتعلقة بالإرهاب، فهناك 12 اتفاقية ملزمة للدول يجب قبولها، وهي التي أشرنا اليها، وتأتي موجباتها تحت الفصل السابع.

وباعتبار أنّ الإرهاب جريمة دولية، فيجب أن يعاقب عليها مرتكبوها، إما من قبل القانون الدولي المحكمة الجنائية الدولية ، أو من قبل محاكم وطنية ذات ولاية عالمية.

والإرهاب كجريمة دولية تمسّ جميع المجتمعات، وتهدّد الأمن والسلم الدوليين، مثل جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضدّ الإنسانية، يعاقب عليها مجلس الأمن، وهي لا تسقط بمرور الزمن.

من هذا الشرح الموجز لمفهوم الإرهاب، نتناول موضوع الأزمة السورية، بكلّ أبعادها الإقليمية والدولية، وما يمارس فيها من إرهاب بحق المدنيين، من قبل المنظمات الإرهابية، بحسب القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 1566 تاريخ 2004 والذي يوصّف «القاعدة» بأنها منظمة إرهابية.

لقد ارتكبت في سورية المنظمات التكفيرية القاعدية وأخواتها، جميع أنواع الإرهاب وأشكاله، وتمّ توثيق ذلك عبر الإعلام العالمي كله، حيث إنّ الدليل المادّي الحسّي متاح لرؤية هذا الإرهاب، لكلّ من يريد الاطلاع والتحقق.

وتعتبر فظاعات الإرهاب التكفيري، التي مارسوها، هي حالة فريدة في تاريخ الإرهاب، حيث استعملت تقنيات التصوير الحديثة، وكأننا نخضع لرؤية الإرهاب من ناحية فنية، بعيدة عن الرؤية الجرمية والعنفية.

لقد أراد العقل الإرهابي، تحويل الفهم والإدراك العقلي، إلى إشكالية في تلقي الصورة، وتحويلها عن نمطها الجرمي، لنصل إلى «الإعجاب بالإخراج الفني».

لقد فعل العقل الإرهابي في سورية فعلته، واظهر صوراً لم تعرض قبله في التاريخ، فجاءت بحق «رائدة» للإرهاب العالمي القديم والحديث.

وإذا كنا ندرك أنّ الإرهاب أعمى، وأنّ الظلامية تحجب عن أبصارهم المنطق، وأيّ حسّ بالشعور الإنساني، وهي نقيض النور، لكننا نلاحظ الأمور التالية:

أولا: إنّ هذا الإرهاب المتمثل في المنظمات التفيكرية القاعدية، يلقى دعماً مادياً ومعنوياً، من دول إقليمية ودولية معروفة، معلن وغير مستتر.

لقد خالفت هذه الدول، الاتفاقيات الدولية التي تمنع تمويل الإرهاب، وخاصة الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب ، وخالفت القرارات الدولية الملزمة، وخاصة التي تُعرف أنّ «القاعدة» هي منظمة إرهابية.

كذلك خالفت مبدأ عدم التدخل في شؤون دولة أخرى، معرّضة الأمن والسلم الدوليين للخطر، وهو محظر في القانون الدولي.

وبذلك تكون هذه الدول، قد أساءت إلى العلاقات الدولية الودّية، القائمة بين الشعوب والدول والأمم، وأنتجت صراعاً عبثياً غير أنساني بكلّ المقاييس.

ثانياً: لم يتدخل مجلس الأمن في معالجة ظاهرة الإرهاب في سورية، على اعتبار أنّ الخطر القائم يستدعي تدخله، إنفاذاً للمادة 39 من الميثاق.

وهنا نسأل عن دور الأمم المتحدة، كأكبر وأهم مؤسسة دولية حقوقية، مع محكمة العدل الدولية، التي تجرّم مبدأ تمويل الإرهاب، لكن لا تحاسب عليه في الوضع السوري.

إنّ الدول الداعمة للإرهاب في سورية، قد خرجت عن روحية القانون الدولي، لمساهمتها في اقتراف جرائم إبادة جماعية، وجرائم ضدّ الإنسانية، لا يسقط محاسبتها بمرور الزمن.

إنّ مصلحة الراعي الدولي لهذا الإرهاب، الولايات المتحدة الأميركية، تقضي بخلق نزاعات في منطقة الشرق الأوسط، عرقية واثنية ودينية ومناطقية، خدمة لمصالحها الاقتصادية الاستراتيجية، وهذا مفهوم لطبيعة الدور الاستعماري الاستيلابي الغربي.

إنّ مكافحة الإرهاب وتمويله، انقلبا في حالة سورية إلى دعم لهذا الإرهاب، بعناوين وحجج مضللة، لشعارات براقة مزيّفة، لم تقنع حتى من صاغها، كشعار الحرية والديمقراطية.

هي إشكالية انغلاق العقل العربي الرجعي، المنغمس في آتون النظام الغربي الإمبريالي.

إشكالية تبدّل المعايير القانونية الدولية، في صياغة سياسة جديدة لـ«شرق أوسط جديد»، يكون خارج النطاق القانوني، ولا تكون فيه اتفاقية سايكس- بيكو، إلا الحلقة الأولى من حلقاته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى