لبنان والفشل الكلوي وعقد سياسي اجتماعي جديد؟ تفاؤل عوني بتغير المعادلات قبل الفراغ
كتب المحرر السياسي
الزلزال الدولي الذي ربما لم يشعر به اللبنانيون كان ما تناقلته وسائل الإعلام العالمية عن القناة الروسية الناطقة بالإنكليزية، وعلق عليه خبراء صندوق النقد الدولي، من إجراء أمرَ بالبدء بتطبيقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتنسيق والتشاور مع الحكومة الصينية، ومضمونه وقف اعتماد الدولار كعملة للتداول في الصفقات التجارية العالمية التي تجريها الدولتان، واعتماد عملة الدول الشريكة بالتجارة بديلاً، وهذا القرار الذي ينتظر أن تتسع دائرة المشاركين فيه يتوقع أيضاً أن يشكل مصدراً لكارثة مالية أميركية، تعادل كتلتها النقدية السلبية قرابة مئتي مليار دولار سنوياً ستخرج من حضن الدولار الدافئ ليبرد هو بدلاً من أن تصيبها البرودة، في عملات ستعرف الدفء ربما للمرة الأولى.
في مناخ الاشتباك البعيد عن العسكرة، تبقى سورية ساحة المواجهة العسكرية، ويسعى الأميركيون وحلفاؤهم بعد التسليم بالفشل في إحداث تغييرات عسكرية ذات مغزى، إلى تحويل مغادرة الأخضر الإبراهيمي إلى تعيين ممثل أممي يتناسب مع المرحلة الجديدة التي صار التفاوض فيها محكوماً بأن يكون مع الرئيس بشار الأسد، بعد سقوط مرحلة التفاوض الافتراضي الفاشل على رحيله.
الأسماء المتداولة للمناورة تضمّنت الأبرز المرفوض سورياً خافيير سولانا، والأبرز كان هو مطالبة السعودية بشخصية عربية للحفاظ على دور الجامعة العربية كشريك، بعد فشل تسويق المرجان التونسي والتداول بمستشار للملك المغربي لهذه المهمة، يشجع الأميركيون تسميته من دون الإفصاح عن كامل هويته، ليسارع المغرب عبر دبلوماسيته إلى نفي أن يكون المقصود هو أندري أزولاي المعروف بعلاقاته مع «إسرائيل» والمتحدّر من أصول يهودية، ليبقى الاسم في الظلال بينما علمت «البناء» أنّ سورية لم تدخل على خط مناقشة أيّ من الأسماء لأنها تملك حق الفيتو إلى حين مفاتحتها بالأسماء والمهمة، وهي تعطي الأولوية للمهمة بعد فشل المبعوثين المسلّم لهم نظرياً بالكفاءة والأهلية، لأنّ المسألة وفقاً لرأي مصادر سورية معنية بالملف الأممي هي تحديد ماذا سيفعل المبعوث الدولي؟ وهل سيعيد إنتاج تجربة الإبراهيمي بالسعي إلى تسويق نظريات تنتهك الدستور السوري وتبرير الإرهاب والتهرّب من التمييز بين السعي إلى وقف العنف واستحالة الحديث عن وقف إطلاق نار مع الإرهابيين، وتجاهل كلّ الحدود المفتوحة لتأمين وصولهم والقيام بإيوائهم وتسليحهم ودعمهم من عدد من دول الجوار لسورية، بدلاً من التعاون معها لمكافحتهم.
لبنان المرتبك أصلاً يزيده الارتباك الإقليمي والدولي ارتباكاً ليفشل مرة أخرى في استحقاق لا يقلّ خطورة وأهمية عن الاستحقاق الرئاسي، هو إنجاز سلسلة الرتب والرواتب لتأكيد إصابة الجسم السياسي اللبناني بالفشل الكلوي، وحاجته إلى عقد سياسي اجتماعي جديد يخشى كثيرون الخوض فيه، ويعلنون تمسّكهم بدستور الطائف، وهم ينكرون أبرز ركائزه المتمثلة بالعلاقة المميّزة بين لبنان وسورية.
وسط التشاؤم الذي أشاعه فشل المجلس النيابي في إقرار السلسلة، ولو مع التعديلات التي تتيح إخراجها إلى النور، وحدهم أنصار العماد ميشال عون كانوا يعيشون التفاؤل تجاه ما يؤكدون أنها معطيات خارجية وداخلية انه سيكون الرئيس الذي يشغل كرسي الرئاسة في بعبدا قبل الخامس والعشرين من أيار، ومن دون أن يعيش اللبنانيون تجربة شغور كرسي الرئاسة، وعلى رغم التحفظ العوني كشفت مصادر مطلعة لـ«البناء» أنّ الأجواء الجديدة هي ما وصل عن لسان مسؤولين سعوديين ومن ورائهم بعض الرموز الأساسيين في تيار المستقبل، عن تغيير جوهري حدث في مقاربة الاستحقاق الرئاسي يتمثل بوضع اسم العماد عون في صندوق الاقتراع، بينما رأت جهات دبلوماسية متابعة للحوار الحساس الجاري بين السعودية وإيران أنّ الأمر لا يعدو كونه بالون اختبار تفاوضياً.
ريفي لـ«البناء»: الربع الساعة الأخير
وفي السياق ذاته، وعلى هامش مشاركته في الجلسة النيابية العامة أمس أكد وزير العدل أشرف ريفي لـ«البناء» أنّ الرهان في الانتخابات الرئاسية هو على الربع ساعة الأخير، مشيراً إلى الإيجابية التي تتسم بها الدعوة السعودية لوزير الخارجية الإيراني، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنّ تأثيراتها لن تبدأ بالظهور في المدى القريب.
واستبعد ريفي أن تجرى الانتخابات الرئاسية قبل 25 أيار، وإذ رفض الدخول في لعبة الأسماء رأى ريفي «أنّ هناك صعوبة في وصول رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة».
ميقاتي لـ«البناء: لا توافق حتى الساعة
من جهته أكد رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي لـ«البناء» استحالة انتخاب رئيس للجمهورية قبل 25 أيار، لافتاً إلى «أنّ التوافق حول اسم الرئيس غير متوافر حتى الساعة».
حيتان المال في مجلس النواب «نحروا السلسلة» وأجهضوها
في ظل هذه الأجواء، وفيما يتكرر المشهد اليوم في الجلسة الرابعة لانتخاب رئيس الجمهورية من حيث عدم اكتمال النصاب عمدت الكتل النيابية المنضوية في فريق 14 آذار أمس إلى تطيير سلسلة الرتب والرواتب، لأن عقد جلسة في 27 الجاري بات مشكوكاً فيه، بل أشبه بالاستحالة مع إعلان كتلتي «القوات اللبنانية» والكتائب أنهم لن يحضروا الجلسات بعد 25 الجاري إذا لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا الموقف يرجّح أن تتضامن معه كتلة «المستقبل» التي كانت سرّبت مصادرها في اليومين الماضيين أنها لا تشجع على عقد جلسات تشريعية لأن ذلك يتعارض مع الميثاق.
والخلاصة الوحيدة التي خرج بها عدد من النواب الذين دعموا إقرار السلسلة وإعطاء الحقوق، أن هناك من يعمل في «السر والعلن ليس فقط على حماية حيتان المال والحؤول دون دفع أصحاب الريوع المالية والعقارية أي ضرائب». بل يريد «نحر السلسلة في مهدها» وتطييرها وعدم إعطاء المعلمين والموظفين والعسكريين الحد الأدنى من حقوقهم، وهو ما ظهر في كل المناقشات التي حصلت في جلستي النهار والليل حول الإيرادات والنفقات.
ربط السلسلة بانتخاب الرئيس
إذاً، فبعد قرابة التسع ساعات خرج النواب من ساحة النجمة ليل أمس مثلما دخلوا إليها، ولم يقروا سلسلة الرتب والرواتب التي بقيت معلقة على مصير موعد آخر وهو الثلاثاء في 27 الجاري وجلسة غير مرهونة بمقاطعة النواب المسيحيين أم لا، ذلك أن كتلاً مسيحية لوحت بمقاطعة التشريع بعد 25 أيار إذا لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية في المهلة الدستورية وهذا يعني أن السلسلة باتت أسيرة هذا الموقف ورهينة حصول الاستحقاق الرئاسي أم لا، ما يعزز الاعتقاد أن الأمور ذاهبة إلى مزيد من التوتر في الشارع، مع العلم أن ما حصل أمس يشكل نموذجاً لهذا التوتر المرشح للتوسع.
ويمكن القول إن مجلس النواب بدا عقيماً أمس من خلال مسار الجلسة التي تخللها إرباك واضح واستراحات ومداولات وفاقية وغير وفاقية، وما زاد الطين بلّة هو أن مشروع اللجنة النيابية التي قادها الرئيس السنيورة وأخذ على عاتقه تقديم أنموذج مقبول كان مجرد صورة مشوّهة للسلسلة بحيث لم تسلم مادة من مواده السهلة من التعديل لصالح مشروع اللجان السابق وأفكار أخرى جديدة، بينما علق المجلس البتّ في المواد الأساسية التي تعتبر جوهر المشروع ومنها مواد في الإيرادات مثل ضريبة الـ TVA، الغرامات على التعديات البحرية والنهرية والبرية ومنها في النفقات، بل المادة الأساسية فيها والتي تتعلق بسلاسل رواتب كل القطاعات حتى أن الإصلاح لم يسلم من التعديل والتعليق والشطب والإلغاء، إلى أن طار نصاب الجلسة قرابة الحادية عشرة والربع ليلاً فرفعها الرئيس بري إلى العاشرة والنصف من يوم الثلاثاء في 27 الجاري، وقد دعت هيئة التنسيق النقابية ليلاً مكوناتها للاجتماع اليوم لمناقشة ما حصل في مجلس النواب، ورفعت التوصيات حول مواصلة المعركة واستمرار التحرك التصعيدي.
يوم الغضب الشعبي
وبالتوازي مع انعقاد الجلسة التشريعية نفذ إضراب شامل في القطاع التربوي الرسمي والخاص وفي الإدارات الرسمية بدعوة من هيئة التنسيق النقابية التي نظمت تظاهرة هي الأولى في الحجم في تاريخ هيئة التنسيق. وانطلقت من أمام جمعية المصارف إلى ساحة رياض الصلح رفضاً للتخفيضات التي أدخلتها اللجنة النيابية برئاسة جورج عدوان على السلسلة، وللمطالبة بإقرار كامل الحقوق للمعلمين والموظفين والعسكريين وأعلنت عن إبقاء اعتصامها مفتوحاً في رياض الصلح حتى إقرار السلسلة.
وفي كلمة له قال رئيس «الهيئة» حنا غريب في الاعتصام «إننا لن نتزحزح قيد أنملة ونريد السلسلة كاملة من دون نقصان. مطالباً مجلس النواب بالاستماع إلى أصوات وهتافات المعتصمين المطالبين بإسقاط مشروع اللجنة النيابية الفرعية لأنه ينقض على الحقوق.
أما نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض فأكد أن عودة الثقة بالمجلس تحتاج إلى إقرار السلسلة وقال سنبقى في الاعتصام حتى إقرارها».
جلسة انتخاب الرئيس اليوم تكرار لسابقاتها
أما في شأن الاستحقاق الرئاسي فتنعقد اليوم الجلسة الرابعة لانتخاب رئيس للجمهورية لكن من دون حصول أي تغيير عن الجلسات السابقة، ما يعني تكراراً لما سبقها من جلسات من حيث عدم اكتمال النصاب. وهو الأمر الذي سيدفع بالرئيس بري إلى تحديد موعد جديد لجلسة خامسة، مع العلم أن مجلس النواب يدخل اعتباراً من يوم غد الجمعة في مهلة العشرة أيام الأخيرة من المهلة الدستورية، وهو بذلك يصبح في حالة انعقاد دائمة، وهذا الأمر دفع رئيس المجلس خلال الجلسة التشريعية أمس للقول إنه «لن يدعو إلى جلسات تشريعية خلال هذه الفترة تجنباً للدخول في سجالات دستورية.
«المستقبل» يريد استثمار ورقة جعجع حتى النهاية
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية متابعة أن لا توقعات بحصول أي تغيير في المشهد السياسي النيابي خلال مهلة العشرة أيام التي تفصلنا عن انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. ولاحظت أنه على رغم استمرار الحوار بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل فلا مؤشرات إلى حصول تبدل جدي في مواقف «المستقبل» من موضوع تبنيها وترشيح رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع السير بدعم ترشيح العماد ميشال عون. وأضافت إن المعطيات تشير بوضوح إلى أن «المستقبل» مستمر في المناورة نفسها التي لجأ إليها منذ قرار دعم جعجع. وقالت: «إن لا تغيير متوقعاً في موقف «المستقبل» طالما لم تعط السعودية الضوء الأخضر له للدخول فعلياً في البحث جدياً مع الأطراف الأخرى وبالأخص مع العماد عون في مقاربة الاستحقاق الرئاسي والاسم الذي يمكن حصول توافق عليه».
لكن المصادر لاحظت في المقابل أن هناك تبدلاً ولو شكلياً في الموقف السعودي وهو ما عبّر عنه سفيرها في بيروت علي عواض عسيري من خلال تمنيه على اللبنانيين بالوصول إلى رئيس توافقي وكذلك إعلانه أن بلاده رفعت الحظر عن سفر السعوديين إلى لبنان بالتوازي مع إعلان وزير خارجيتها سعود الفيصل أنه وجه دعوة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة الرياض.
ولهذا ترجّح المصادر أن يضطر «المستقبل» بعد 25 أيار وسقوط ورقة ترشيح جعجع أن يتجه نحو التفتيش عن مرشح بديل من رئيس «القوات».
ترقب للحوار الإيراني ـ السعودي
وفي سياق متصل، توقف المراقبون عند ما كان أعلنه وزير الخارجية السعودي أول من أمس، من أنه وجه دعوة لوزير الخارجية الإيراني لزيارة السعودية واعتبرت مصادر دبلوماسية أن «هذه الدعوة تشير إلى بداية قناعة في الرياض بأن الاستمرار في المجابهة ضد إيران لن يفيد السعودية، ولا سعيها للعب دور إقليمي من الخليج إلى العراق وصولاً إلى سورية ولبنان». وأضافت: «إن هذه الدعوة ستؤسس لمرحلة جديدة من التعاون بين البلدين الذي سينعكس على ملفات المنطقة بما في ذلك الوضع اللبناني ومشيرة أيضاً إلى أن الرياض تبدو مقتنعة بضرورة التعاطي الواقعي مع المتغيرات الدولية والإقليمية، خصوصاً ما يحصل من حوار أميركي ـ إيراني عبر مفاوضات الملف السوري ـ الإيراني».
وأمس أعلن نائب وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان أن «زيارة ظريف إلى السعودية مدرجة على الأجندة الإيرانية على رغم عدم تلقيه دعوة خطية من السلطات السعودية.
كذلك كان لافتاً أمس إعلان التلفزيون السعودي عن أمر ملكي بإعفاء الأمير سلمان بن سلطان من منصبه كنائب لوزير الدفاع السعودي وتعيين الأمير خالد بن بندر بدلاً منه كما عيّن العاهل السعودي نجله الأمير تركي أميراً لمنطقة الرياض برتبة وزير.
سلة تعيينات في مجلس الوزراء غداً
وعلى صعيد آخر، يعقد مجلس الوزراء جلسته الأسبوعية يوم غد الجمعة في القصر الجمهوري بعدما جرى نقلها من السراي الحكومي، ويتوقع أن تقرّ بجلسة سلة تعيينات جديدة عسكرية ومدنية أبرزها ملء الشواغر في المجلس العسكري، وعلم أن المرشح لرئاسة المجلس العميد الركن عبد الكريم يونس.