همزة وصل
همزة وصل
تحية لـ «كردستان»
نظام مارديني
هل كان العراق ينتظر إشارات الشياطين حتى تتحد مكوناته لمواجهة هذه الموجة التتارية التي جاءت من كهوف الماضي متبنية الفكر الوهابي القميء؟ أم يبقى يتراقص هذا البلد على دكة الطائفية، فيخسر نفسه ويخسر تاريخه ويصبح العراقيون فيه وقوداً لـ «نار ملتهبة» تشعلها بعض الرموز الطائفية بأيديهم ويتدفأ عليها المتسكعون في فنادق الـ «خمس نجوم»؟
ما الذي يَحدث في بلاد جلجامش؟ سؤال يبحث عن إجابة واضحة، ولا من مجيب، فلا الدولة قادرة على توضيح ما يجري، ولا الشعب الغارق في متاهات الخوف والضياع والتشرد يستطيع الوصول إلى قناعة بكل ما يحدث.
ما الذي يحدث في العراق؟ بعدما بدأ الصراع يشمل أطراف الطوائف، وأصبحت البنادق تصوّب رصاصها نحو صدور الجميع، والكل يمّم شطره نحو الشيطان الأميركي، فاعتصم بذيله، وحشد كل طاقاته من أجل أن يكون العراق ممزقاً، ضعيفاً، مهزوماً.
«داعش» هذا اللغز «الهوليوودي» الكبير الذي يجتاح الرمادي وعينه على بغداد، لا يواجه فقط بقوى عسكرية، بل يجب ايضاً التأسيس لوضع نظم فكرية وتربوية لمواجهة هذا الفكر التكفيري والتدميري الذي يحمل عقلية الصحراء لإسقاط قيمه في مجتمع الهلال السوري الخصيب الذي يكاد يصبح مخزناً لـ «داعش» وجنوده وإرهابه وكل مفخخاته، وما يرافق ذلك من ارهاصات ونقلبات جعلت رائحة الموت تفوح في هلالنا الخصيب ولون الدماء تلون شوارعه.
وفي حين تكاد تنقلب اللعبة في العراق إلى مومياء متفسخة لا تجذب إليها سوى المذاهب والطوائف التي تمارس الانتحار السياسي والجنون الفكري والعبث بوحدة ومستقبل العراق، يذهب «إقليم كردستان» وحده إلى مواجهة مزدوجة مع التنظيم التكفيري تبدأ بدرء الخطر عنه خارجياً من خلال المواجهات العسكرية القائمة في جبهات عدة. وداخلياً من خلال تحصين المتحد الكردستاني من فكر أبن تيمية ـ والوهابيين، وهو ما أقدمت عليه وزارة الثقافة في الإقليم عبر اتخاذ خطوة جريئة تمثلت بمنع تداول مئات الكتب الدينية في إطار سياسة التحصين الفكري من شرورها وانعكاساتها على المجتمع هناك.
وشكل هذا التوجه صفعة لكل المحرضين من أصحاب الفكر المتحجر والمتعارض مع قيم المجتمع، وسبق هذه الخطوة إجراء تمثل بمحاسبة أئمة المساجد والخطباء في الإقليم الذين يمتازون بخطب نارية تصب الزيت على النار وتشحن البغضاء والكراهية في النفوس وتمجد مدّعي ما يسمى بـ»الخلافة الاسلامية».
خطوة «إقليم كردستان» كانت بالاتجاه الصحيح لتجفيف المنابع الفكرية لـ «داعش»، فتحية الى شعبنا في شمال العراق، وننتظر من بغداد أن تقوم بهذا التوجه إلى جانب المعركة العسكرية التي تخوضها ضد الفكر التكفيري.