المشاعل التي أشعّت نوراً وعِلماً وفعلاً لا يمكن لجذوتها أن تنطفئ

قبل أسبوعين ونيّف، شهد شارع المقدسي في منطقة الحمراء في العاصمة بيروت، مهرجاناً تجارياً فنياً ثقافياً حاشداً، حمل عنوان «ربيعنا بَعْدو أحلى»، وقد كان العميد الراحل صبحي ياغي في مقدم الحضور مشاركاً وراعياً، فقصّ شريط الافتتاح ومعه مسؤولون حزبيون، ورئيس لجنة تجار المقدسي معتصم رحال وأعضاء اللجنة، رئيس لجنة المهرجانات السياحية في وزارة السياحة ربيع شداد، وفاعليات.

ولأن قيم العطاء وإرادة الحياة تسكنه، سجّل العميد الراحل صبحي ياغي الكلمات التالية:

«هذا المهرجان يدلّ على إرادة الحياة في مواجهة مؤامرات التيئيس التي تتعمد قتل الفرح في شعبنا، ونحن من خلال هذا المهرجان نؤكّد أنّ قلب بيروت، هو قلب نابض بالحياة، وأن قلب بيروت ينعم بالأمن والاستقرار، وموئل للفرح والثقافة والوطنية والعطاء».

وفي ما يلي بعض من محطات كان للأمين الراحل الدور البارز فيها، وأيضاً مقالات رثائية.

افتتاحية عدد «البناء» الخاص بمخيمات الأشبال والطلبة 2007

بقلم العميد الراحل صبحي ياغي… بكم تنتصر الأمة

كان العميد الراحل صبحي ياغي خلال فترة توليه مسؤولية عميد التربية والشباب، يحرص دائماً على تقديم جردة حساب السنة في عدد خاص من «البناء»، عن عشرات مخيمات الأشبال والطلبة في لبنان والشام والمغتربات. وكان يستهل العدد بافتتاحية تحمل في طيّاتها إرادة الفرح والعزم والعطاء والتحفيز. وقد اخترنا نشر افتتاحية عدد العام 2007 بعنوان «بكم تنتصر الأمة»، وجاء فيها:

بداية، يستحق الشباب والطلبة والزّهرات والأشبال الذين شاركوا في الدورات التربوية التأهيلية والتثقيفية التي نظمها الحزب السوري القومي الاجتماعي في مختلف مناطق لبنان والشام، التنويه بمشاركتهم. ويستحق أهالي المشاركين، رفقاء ومواطنين وأصدقاء الشكر الجزيل لثقتهم الكبيرة، وحثّ أبنائهم على المشاركة، وليس بوسعنا إلا أن نقدّر الجهد الكبير التي بذلته الهيئات المشرفة على هذه المخيمات بوصفها عملاً تربوياً- تثقيفياً، يساهم في صقل الأجيال الجديدة بالوعي والمعرفة.

من المسلّم به، أن أي عمل ناجح، هو ثمرة جهود كبيرة… وليس خافياً أن جهودنا تركزت على أهمية نجاح هذا العمل بوصفه ترجمة لقرار اتخذناه بإقامة سلسلة من المخيمات والدورات. وهو قرار التحدي بامتياز، في مواجهة الضغوط التي تعرّض لها حزبنا وفي مواجهة كل الحملات الإعلامية المشبوهة والمناخات الطائفية والمذهبية المشحونة. وعلى رغم كل موجات التشكيك البائسة واليائسة، القريبة منها والبعيدة.

بقوة القرار، والجهد المبذول، استطعنا أن ننجز المهمة. فكانت التلبية بحجم ما توخيّناه من استهدافات العمل، إلى درجة أن المشاركين تفاعلوا مع قرار التحدي فلبوا غير آبهين، وعلى جباههم العالية ترتسم علامات العز، وبأياديهم المرفوعة دائماً تحية لوطنهم وأمتهم تعبيراً عن صلابة الإرادة ومضاء العزيمة.

وعلى أهمية هذه المجابهة… يجب ألا نغفل حقيقة المرامي من وراء إقامة المخيمات التربوية والتثقيفية. فهي ليست شأناً ترفيهياً وعملاً استعراضياً نملأ به أيام الصيف، إنما هي مساحة للتفاعل والحوار، ومحطة للتوجيه والإعداد، ضمن مساعي حزبنا الهادفة إلى ترسيخ الوعي والانتماء في الأجيال الجديدة، حتى تتنكب المهام القومية، وتنخرط في مسيرة الصراع القومي ومقاومة المشروع اليهودي، وإسقاط كل مفاعيل «سايكس- بيكو»، وتأكيد حقيقة الانتماء إلى الأمة السورية. وصون القضية القومية وانتصارها.

إن هذه المخيمات لهي خطوة نوعية تغرز في الوجدان وحدة المصير القومي بين أشبال وطلبة وشباب فلسطين والشام والعراق ولبنان وكل أبناء الأمة. وهي ردّ على محاولات اغتيال الذاكرة القومية.

في هذه المخيمات يتجلى فعل الانتماء إلى الوطن، فالولاء القومي هنا في مخيماتنا جامعاً متحدياً الولاءات الممزّقة وحدة المجتمع من طائفية ومذهبية وإثنية وغير ذلك.

في مخيماتنا، الحرية صراع لا فوضى. وهي حرية مسؤولة تصون وحدة المجتمع، لا تهديداً لوحدته وأمنه واستقراره. الحرية عندنا قيمة يمارسها الأحرار، أما المستعبدون في قصور الإقطاع والطائفية فيمارسونها شعاراً.

في هذه المخيمات يتلقون محاضرات ودروساً في التربية القومية والصحية والاجتماعية والبيئية والفنية، ويُبرزون مواهبهم الخلاقة، وهذه خصوصية الحزب في اهتمامه بالجيل الجديد، فكل عقيدة عظيمة تحتاج إلى جهود جبارة، وهذه سمة التجدد الدائم في الصراع.

هم ينخرطون في هذه الدورات متجاوزين كل الحواجز البغيضة المتعددة. إنهم الانتماء الحر في وجه غابة الانتماءات الموروثة، هم ولدوا أحراراً، وينشأون أحراراً في كنف النهضة. هم يؤمنون بثقافة الحياة ويحبون الحياة لأنهم يعشقون الحرية، لكنهم يحبون الموت متى كان الموت طريقاً للحياة. حياة أمتهم وعزّها ونصرها ومجدها.

هم يُقبلون على حزب المقاومة، حزب الصراع، حزب سناء ووجدي ومالك وعلي ونورما وآلاف الشهداء، حزب القضية القومية، حزب الحياة الحرة العزيزة، حزب الأبطال الصابرين والعاملين لحياة الأمة.. ولأنهم يؤمنون بالمقاومة فكراً وسلوكاً تعمد بالدماء. وتخليداً لانتصارات المقاومة في الأمة حملت الدورات تسمية «دورة المقاومة والانتصار».

ختاماً، أنتم الأمل، أنتم المستقبل، أنتم الانتصار القادم، أنتم جنود هذه النهضة وحرّاس عقيدتها، أنتم جيل النصر الآتي، بكم تستمر النهضة وبكم تنتصر.

الإرهابيون… مغول العصر والتتار الجدد

في آذار 2015، شارك العميد الراحل صبحي ياغي في عدد من احتفالات ذكرى مولد باعث النهضة أنطون سعاده، خطيباً وممثلاً مركز الحزب، وكانت له كلمات في المناسبة.

ففي حفل الاستقبال الذي نظمته مديرية رأس بعلبك التابعة لمنفذية البقاع الشمالي في الحزب السوري القومي الاجتماعي في رأس بعلبك، أكد العميد الراحل أن أنطون سعاده مشروع حرية الأمة واستقلالها وسيادتها، مشروع مقاومة للاحتلال وللإرادات الغريبة التي تورِّد مشاريع الفتنة والتخريب، وهو أطلق حركة وعي استطاعت أن تنجح في أصعب امتحان هو القضاء على الطائفية والمذهبية في صفوف أبنائها، بل كانت حرباً على هذه العصبيات وقدّمت الشهداء والجرحى. كما كانت رأس حربة المقاومة ضدّ الاحتلال اليهودي منذ عام 1936 وحتى يومنا هذا، واليوم نخوض مواجهات ضدّ العصابات الإرهابية في سورية دفاعاً عن أهلنا، والحق أقول إنّ السوريين القوميين الاجتماعيين لم يتأخروا يوماً في الدفاع عن شعبنا وأرضنا ولن يتأخروا حاضراً ولا مستقبلاً، فهم على جهوزية دائمة للمواجهة ولتقديم التضحيات والانتصار.

وقال: إنّ لاحتفال اليوم ميزة خاصة، لأننا نقيمه في البقاع الشمالي، وتحديداً في بلدة رأس بعلبك العزيزة، هذه البلدة التي قدّمت الشهداء من أجل وحدة لبنان، البلدة الوطنية بمواقفها ورجالاتها… لها منّا كما للبقاع الشمالي كلّ الحب والتقدير، ولهذه البلدة كما جيرانها مساحة كبيرة في ذاكرة حزبنا وتاريخنا… إنّ هذه المنطقة شكلت نموذجاً لوحدة الحياة الاجتماعية فأهلها بنوا وأسّسوا مع محيطهم حياتهم الواحدة وهم متجذرون وثابتون في أرضهم ومصيرهم واحد.

إنّ أمتنا تواجه عدواناً إرهابياً على كلّ مساحة الوطن، ففي فلسطين إرهاب منظّم يتمثل بالمجازر والقتل وعمليات الاغتيال والتهجير وبناء المستعمرات إنه إرهاب «الدولة» المنظم الذي يمارسه عدو مدعوم دولياً ومتحالف مع العصابات الإرهابية. وفي العراق إرهاب يقتل ويذبح ويهجر ولا يميّز بين الحجر والبشر. أما في سورية فلم يتركوا مكاناً إلا عاثوا فيه خراباً ودماراً من أجل إضعاف سورية حاضنة المقاومة في كلّ الأمة، وإسقاط الدولة في سورية لمصلحة العدو اليهودي. وفي لبنان تحاول هذه العصابات المنتشرة في هذه الجبال أن تزرع الخوف والرعب في نفوس المواطنين الآمنين فتقصف بعض القرى وتخطف جنوداً وتطلق التهديدات. إنه مشروع واحد يستهدفنا في فلسطين والعراق وسورية ولبنان، وهو نتاج حلف بين يهود الداخل ويهود الخارج، وإنْ اختلفت التسميات والأساليب، والارهابيون هم مغول العصر والتتار الجدد.

أمام هذا المشهد الهمجي المتوحش، نرى في المقابل إنجازات لشعبنا على امتداد ساحات الأمة، وها هو الجيش في العراق يتقدّم لإلحاق الهزيمة بالإرهاب رغم كلّ هذا النفاق الدولي المتمادي.

أما سورية فاستطاعت أن تصمد وتهزمهم في أكثر من موقعة ومكان بفضل بطولات القوات المسلحة السورية وقوى المقاومة وصمود شعبنا والتفافه حول قيادة الرئيس د. بشار الأسد الذي يشكل صمام أمان لوحدة سورية في مواجهة التقسيم. وفي لبنان، ما زال أمامنا الكثير ممّا يجب القيام به، فعلى رغم الموقف السياسي الرسمي المعلن في مواجهة الإرهاب، فإنّ التهديد ما زال قائماً والواجب يفرض اتخاذ خطوات عدة:

أولاً: تسليح الجيش اللبناني البطل وزيادة عديده وفكّ الأسر عن عملية التسليح.

ثانياً: ضرورة التنسيق بين الحكومتين السورية واللبنانية وبالتالي بين الجيش اللبناني والسوري لمواجهة الإرهاب، خصوصاً في هذه المنطقة وتحرير الجنود المخطوفين.

ثالثاً: مطالبة الدول الإقليمية بوقف كلّ أشكال الدعم لهذه العصابات الإرهابية.

إنّ العالم كله سيضطر إلى أن يتخذ موقفاً لمواجهة الإرهاب لأنّ الحريق سيمتدّ إذا لم يتمّ تطويقه، وقدرنا في هذه البلاد أن نواجه لأننا آمنا أنّ الحياة كلها وقفة عز فقط. وإننا نجدد الدعوة التي أطلقها رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان، بضرورة تشكيل الجبهة الشعبية لمواجهة الإرهاب، لينخرط الجميع في هذه المواجهة الثقافية والإعلامية، إلى جانب المواجهة العسكرية لأنّ في وحدتنا انتصار على العصبيات الإرهابية المجرمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى