الخسارة الموجعة

لبيب ناصيف

كنت مع رفقاء في زيارة الى قلعة بعلبك، عندما تقدّم مني شاب وسيم، بهيّ الطلعة، يلقي عليّ التحية معرّفاً: الرفيق صبحي ياغي، ناظر إذاعة منفذية بعلبك.

والتقيته كثيراً ناظراً للإذاعة، ثم أكثر منفذاً عاماً لبعلبك، فأكثر أيضاً عميداً للتربية والشباب.

اختلفت معه أكثر من مرة حول أمور إدارية. إنما، ولا مرة تباعدنا مودّة واحتراماً وتقديراً وشوقاً لأن نلتقي أكثر.

اليوم وقد خسرناه، أشعر بحزن عميق جداً، فليس سهلاً أن يرتفع في حزبنا من كان مثيلاً للأمين صبحي ياغي، كفاءة إدارية، إذاعية، سياسية. انصرف بكلّيته الى الحزب، وبات وإياه حالة نضالية مميّزة، منذ اللحظة التي رفع فيها يمينه، وتولى أول مسؤولية حزبية، واستمرّ.

تميّز رفقاء عديدون في عمل الأشبال تخصيصاً بعد العام 1970 عندما أعاد الحزب اهتمامه بهذا القطاع الهام، بعد خروج العديد من قياديّي الحزب وأعضائه الذين شاركوا في الثورة الانقلابية، من الأسر في شباط 1969. آمل أن أتمكن، مع رفقاء آخرين، من تأريخ تلك المرحلة، منذ أن أنشئت شعبة للأشبال، تابعة في البدء لعمدة الداخلية، ثم لمكتب الشؤون الطلابية قبل أن ينشأ مكتب مركزي للطلبة والشباب ويتولاه الرفيق الأمين لاحقاً عبد الله حيدر برتبة عميد بدون مصلحة، الى أن تمّ إنشاء عمدة للتربية والشباب.

في بداية السبعينات نشطت الرفيقة صفية ناصيف 1 في مجال الأشبال، وكانت معها مجموعة من الرفقاء والرفيقات أذكر منهم: الأمين نبيل كيروز، جوزف مشهور، شارل عيسى، وسعاد حجار.

في عام 1972 صدر أول وآخر كتاب للأشبال بعنوان «انا عائد» 2 ، بعدها نشط الرفيق سمير أبو ناصيف 3 ومن أعماله أنه كان يشرف على ملحق خاص بالأشبال ضمن مجلة «صباح الخير».

بعد ذلك صدرت مجلة متخصصة للأشبال، اتخذت تسمية «ربيع» كانت تباع في الأسواق، ولاقت رواجاً جيداً إلى أن توقفت مع حرب العام 1982.

في تلك السنوات انصرف للعمل في حقل الأشبال، عدد جيد من الرفقاء والرفيقات. اذ نورد أسماء البارزين منهم، وفاء للنشاط المميّز الذي قاموا به لسنوات نسجل تقديرنا للكثيرين غيرهم الذين سهروا في مخيمات الأشبال واهتموا بتخريج العديد من الدورات، وكانت لهم بصمات جيدة في تاريخ العمل الحزبي في حقل الأشبال والزهرات:

الأمين الراحل محمد صادق خير الدين الذي تولى لاحقاً مسؤولية وكيل عميد التربية.

الأمينة اليسار زين

الرفيق الشهيد عباس امهز 4

الرفيق مفيد عبد الخالق 5

عميدة البيئة حالياً الرفيقة ميسون قربان، وشقيقتها الرفيقة بيسان. ونعتذر عن إيراد أسماء العشرات غيرهم وغيرهن من رفقاء ورفيقات.

كان الأمين صبحي كتلة من نشاط لا يعرف السكينة، دائم الحركة، يتفقد الفروع في لبنان والشام، يقيم مع الأشبال في مخيماتهم، يقاسمهم الطعام والنوم والسهرات، ينشد ويغني معهم، ويرافقهم بالرقص وحياة المخيم.

لقد بات اسم الأمين صبحي مرادفاً لعمل الطلبة والأشبال، بإشرافه وتوجيهه وحيويته ودأبه المستمرّ تخرّج عشرات الآلاف من الأشبال والزهرات، ثم رافقهم طلاباً، فمتخرّجين احتلوا حضوراً ناجحاً في مجالات الأعمال في كثير من الدول، واستمرّ على علاقة مع العديدين منهم، يطمئن عليهم، ويرافقونه حباً وتقديراً ووفاء.

نسجل للتاريخ انّ عمدة التربية والشباب شهدت طيلة تولي الرفيق، والأمين لاحقاً، صبحي ياغي لمسؤوليتها، نشاطاً مميّزاً تجسّد في مئات من الدورات التي أقيمت للمفوّضين وللأشبال، بحيث يجدر ان تؤرّخ تلك المرحلة فتبقى للأجيال المتعاقبة، تاريخاً غنياً مشعّاً لا يجوز ان يضيع.

لم يكن عمل الأمين صبحي ياغي يقتصر على عمدته، فهو كان حاضراً في كلّ شأن حزبي، ملبّياً ومندفعاً. ما من مرة عرض حضرة الرئيس لأمر يتطلب زيارة ميدانية لمعالجة مشكلة معينة، حتى في الظروف الأمنية الحرجة، الا كان الأمين صبحي أول المستعدّين لها.

في حرب تموز عندما كانت طائرات العدو «الاسرائيلي» تغير على كلّ موقع وتقصف في كلّ مكان، وقد بات الوصول الى البقاع، أو إلى ايّ مكان، محفوفاً بالخطر، لم يتردّد الأمين صبحي يوماً عن التوجه الى ايّ مكان لإيصال ذخيرة أو مواد غذائية.

لم يكن يهاب شيئاً او يتردّد امام ايّ خطر، او يحسب لحياته حساباً. كان منصرفاً بكامل وعيه وإرادته وعقله وقلبه الى الحزب. لقد رهن له، بالفعل والتطبيق، كلّ وجوده. كان مشروع شهيد في كلّ لحظة.

اللافت في العميد صبحي انّ عمله الحزبي كان، بمعظمه، ميدانياً. لذا عرفته فروع الحزب في الوطن في زيارات متكرّرة. وتعرّف شخصياً على معظم الرفقاء العاملين، وعالج المشاكل الإدارية في الفروع، بعد درس واطلاع ميدانيين.

ولم يكن الأمين صبحي ياغي عميداً عادياً. لذا كان الحزن على رحيله غير عادي. بكاه من أحبه، وبكاه من اختلف معه دون عداء.

رأى الحزب في رحيله خسارة موجعة لا تعوّض بسرعة، اذ ليس أمراً سهلاً ان يُبنى الكادر في الحزب، من أمثال الأمين صبحي ياغي، ثقافة عقائدية، التزاماً نضالياً، كفاءة متنوّعة، إدارة وإذاعة وسياسة، وان يمتلك حيوية مميّزة، جعلت حضوره طاغياً في كلّ مسؤولية تولاها.

لقد عرفتُ الأمين صبحي منذ سنوات انتمائه الأولى الى الحزب، وكنا معاً في مجلس العمد لسنوات طويلة. كم أنا حزين اليوم، لأننا لم نلتق اكثر ولم نستمرّ معاً اكثر.

لقد رحلت باكراً جداً يا أمين صبحي، عائلتك في حاجة اليك، حزبك في حاجة اليك، أمتك في حاجة الى امثالك.

بكيتك عندما وصلني خبر رحيلك، سأبكيك، كما الآلاف من رفقائك، كثيراً، وسنذكرك كلما هتفنا لسورية، وكلما أنشدنا للحياة.

ستبقى يا أمين صبحي كبيراً وخالداً، وواحداً من بين الذين رهنوا كلّ وجودهم لحزبهم، وكانوا له أوفياء جداً.

هوامش:

1 ـ مُنحت لاحقاً رتبة الأمانة. اقترنت من الأمين ناظم ايوب. ابنة الأمين شفيق ناصيف الذي تميّز رئيساً لبلدية مشغرة، شقيق الموسيقار الرفيق زكي ناصيف.

2 ـ مراجعة النبذة المعمّمة عنه في أرشيف تاريخ الحزب على الموقع التالي: www.ssnp.info

3 ـ من بلدة قب الياس، تولى في الحزب مسؤوليات عديدة ونشط في أكثر من مجال، واقترن من الأمينة اليسار سعاده.

4 ـ رافقته كثيراً وكان ناموساً لشعبة الأشبال التي ترأستها الأمينة اليسار زين، سقط شهيداً في ضهور الشوير.

5 ـ من بلدة مجدلبعنا، كان مديراً لدائرة الأشبال في عمدة التربية، أشرف على العديد من دورات تخريج الأشبال، غادر إلى أستراليا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى