حزب الله في القلمون أعاد الأمل إلى العسكريين المخطوفين
روزانا رمّال
تعرف تركيا جيداً أنها خرجت عن سياسة »الصفر مشاكل» مع الجيران إلى كلّ المشاكل، لأسباب بديهية بالنسبة إليها، لأنه لا يمكن للدور التركي، الذي برز فجأة في المنطقة، سوى أن يكون نابعاً من مسار رسمته أنقرة في ظلّ حكم »العدالة والتنمية» ليشكل ضمانة للمرحلة المقبلة.
قرأت تركيا المشهد جيداً، وأدركت أنّ قوى ما يسمى محور الممانعة هي قوى تصعد تدريجياً بقيادة إيران التي تمدّدت في أكثر من أربع عواصم في المنطقة، بسلاسة ومن دون اللجوء حتى إلى حروب بالمباشر، فإيران هي الخصم وإن بدت العلاقات معها في أحسن حال.
أرادت تركيا السير على خطى إيران ومواجهتها من دون الوقوع في صدام مباشر، فاختارت حليفاً هو نقيض حلفاء إيران العقائديين، اختارت من يسمون بالجهاديين، بطريقة عكسية تعتمد على نفوذ حقيقي مسلح وتوسعي .
حقّ تركيا في التمدّد في المنطقة هو منطق تفترض أنه قدرها وأنّ مكانتها و حجمها وموقعها الجغرافي في المنطقة عوامل تسمح لها بإعادة هيكلة سياسية نهائية لجوارها الجغرافي، وفق ما بدأته في العراق بمطاردة الأكراد وكسر الحدود العراقية بمصطلح حقّ التعقب، والتعقب ليس دائماً بواسطة الجيش التركي بل ببناء كتل نفوذ مسلحة في جغرافيا الجوار .
بالنسبة إلى تركيا، فإنّ الرهان على هذا المنطق يعوض عن فشلها في دخول الاتحاد الأوروبي بعد محاولات طويلة وكثيرة سعى إليها حزب العدالة والتنمية.
لا يحرج تركيا، بطبيعة الحال، أي كلام يصبّ في إطار الجدال المفتوح عن أنّ قادة و معارضين سياسيين سوريين مسلحين وغير مسلحين يقطنون فيها وأنها فتحت حدودها ومطاراتها وموانئها من أجل تسهيل حركتهم وأنها أمنت ممولاً تجمعه معه مصلحة واحدة، ألا وهو دولة قطر الساعية إلى دور مركزي في المنطقة، بالمال والإعلام وهما رصيدها الوحيد .
»جبهة النصرة»، فرع القاعدة في بلاد الشام وطرف رئيسي من أطراف النزاع في سورية والمنطقة ولها علاقات مميزة بقطر، فهي إذن الجهة المطلوبة للمهمّة، ويكفي كلام نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عن دعم تركيا الرسمي لهذه الجماعات، كدليل.
عند الحديث عن دعم لوجيستي أمني لهذه المجموعات، فإنّ الحديث مباشرة يتجه نحو قاعدة تشغيل رسمية تركية تندرج ضمن إطار مؤسساتي داخلي يضبط هذه الحركة ويحصر الهدف ضمن التعاون المطلوب، والمقصود جهاز الاستخبارات التركي .
هاقان فيدان هو الاسم الأمني الأول في تركيا، وهو الاسم الذي يدير بدقة هذه الورقة الأمنية الإقليمية الكبرى التي تمسكها بلاده وإن سعت وسائل إعلامية تركية مراراً إلى تبرئته وتبرئة تركيا من هذا الملف. وفيدان من المهارة في إنجاز مهمته، لدرجة أنه قادر أن ينتقل من اللقاء مع زهران علوش جرى في 23 من الشهر الماضي قائد ما سمي بجيش الإسلام إلى التنسيق لمكافحة تواجد »داعش» و«النصرة»، على غرار الطريقة الأميركية بتأسيس معارضة مسلحة لقتال »داعش»، إلى تنسيق مباشر مع »جبهة النصرة»، عبر فتح أبواب تركيا للاجئين وفارين ومنشقين سوريين هم مشاريع إرهابيين في المستقبل، وهو نفسه الذي يشرف على إطلاق سراح رهائن أتراك من يد الإرهابيين من دون أن يمسهم أذى، وهو نفسه الذي ينجح في مبادلة زوار لبنانيين مخطوفين في أعزاز السورية مع طيارين تركيين خطفا في لبنان .
فيدان، الرجل الأمني الأول والأخطر في تركيا ، خشي رجب طيب أردوغان من نفوذه فعزله، ولما أحسّ بنيته الترشح للانتخابات تهيب الموقف فأعاده إلى منصبه والمهمّة تنتظره، وهو القادر في شكل واضح على حسم ملف العسكريين المخطوفين اللبنانيين لدى »جبهة النصرة» على الأقلّ .
حملت معارك القلمون ما يعتبر مفاجأة بالنسبة إلى أهالي العسكريين الذين استخدمتهم »النصرة»، أكثر من مرة، ورقة ضغط على الحكومة اللبنانية للتصويب على حزب الله، فأوهمتهم بأنّ المعارك ستؤثر سلباً على مصير أبنائهم، فأكدوا اليوم أنّ هذه المعركة هذه وحدها هي القادرة على إخراج أبنائهم تزامناً مع كلمة السيد نصرالله الأخيرة المخصّصة للقلمون، والتي لفت فيها إلى أنّ كلّ من يدعي العكس عليه أن يتذكر دائماً أنّ الخاطف هو إرهابي .
أكدت معارك حزب الله للاستخبارات التركية أنّ نصراً مقبلاً على المنطقة يوجب عليها التعاون وإلا ستتحول الهزيمة إلى إحراج كبير يقع فيه الأتراك لحظة هزيمة الإرهابيين ووقوع الفوضى وضياع الأوراق التفاوضية، مع اقتراب التوقيع على الملف النووي الإيراني، فكان المطلوب تحريك ورقة العكسريين لإبداء حسن النية، فتؤكد مصادر الأمن العام اللبناني أنّ قضية المخطوفين شارفت على نهايتها .
قضية العسكريين إلى الحلّ، قبل المعارك المفترضة من أجل تحرير عرسال وجرودها لأنه لا يمكن استرداد ما تمّت خسارته في القلمون، ولا حماية ما سيأتي بالضغط بذبح أي عسكري مجدّداً، بل ربما فتح الباب لصفقة الانسحاب الشامل لـ«النصرة» من باب الحلّ التركي للعسكريين.