تقدّم «داعش» أم الاعتماد على الحشد الشعبي؟
عامر نعيم الياس
ملفات إعلامية عدّة نشرت في الصحف الغربية حول تقدّم «داعش» في مدينة الرمادي في محافظة الأنبار العراقية، والتي تبعد مئة كيلومتر عن العاصمة العراقية بغداد، مثلها يقال عن مدينة تدمر السورية التي تبعد مئتي كيلومتر عن العاصمة السورية دمشق. تنظيم «الدولة الإسلامية» كما يطلق عليه الإعلام الغربي مراعاةً لمشاعر البغدادي الذي أمر الجميع بلفظ هذا الاسم، هذا التنظيم لا يزال يتمدد على رغم «5200 غارة جوية للتحالف» بحسب إحصاءات نشرتها مجلة «لوفيغارو» الفرنسية، والتي أفردت أول من أمس ملفاً كاملاً عن تقدّم «داعش» في العراق، وعدم تأثير غارات التحالف عليه، وتكيّفه معها على قاعدة «البقاء والتوسّع»، وسط مطالبة بتغيير استراتيجيات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سورية والعراق، ليس فقط في الحرب على تنظيم «داعش» في العراق، إنما أيضاً في مقاربة الملف السوري في ضوء «الانتكاسات التي منيت بها الدولة السورية في شمال البلاد وجنوبها» وفقاً للصحافية إيزابيل لاسير في «لوفيغارو» التي عنوت مقالها «العجز الدبلوماسي الغربي في العراق وسورية».
نحن اليوم في مواجهة حملة إعلامية تقرع جرس الإنذار من تقدم «داعش» في العراق وسورية، الأمر الذي يستوجب تغيير استراتيجية التحالف الأميركي في سورية العراق. لكن هل تعني الصحف الغربية ما تنشره، أم أن للحملة أبعاداً أخرى ناتجة عن تغييرات تحاول النخب الغربية عكسها؟
بالنسبة إلى العراق، اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أعطت رسمياً الضوء الأخضر «للحشد الشعبي» بالدخول إلى الأنبار، «طالما أنه تحت أمرة الحكومة العراقية». وهو تطوّر يصبّ في خانة تصويب موقف الإدارة الأميركية من إدارة المعركة مع «داعش»، وإن كان الحشد اشترط عدم تدخل الجيش الأميركي في المعارك التي يخوضها لقطع الطريق على أي عملية لإعادة صوغ التحالفات الأميركية، وبالتالي شرعنة الوجود الأميركي في العراق، فيما تسقط ورقة «معتدلي العراق» تدريجياً من يد الإدارة الأميركية، فهياكل الجيش العراقي أثبتت أنها من الضعف بحيث تحتاج إلى فترة طويلة لتكوين نواة قوة حقيقية، فيما القبائل العراقية وجزء من سكان المناطق التي سيطر عليها «داعش»، والتي تعادي الأميركيين بشكل أو بآخر، وجدت نفسها منفردة في مواجهة وحشية «داعش»، في الوقت الذي التهت فيه الكوادر الموالية للأميركيين بتقاسم مباهج السلطة المفترضة والرهان المترافق بالفساد على تشكيل قوة عشائرية تحت مسمّى الحرس الوطني في المناطق «السنّية». كل ذلك دفع باتجاه الحشد، وعلى رغم مخاوف البعض المشروعة من الصدام الطائفي في العراق نتيجة دخول الحشد إلى الأنبار، إلا أن إدارة المعركة مع «داعش» ومنعها من التمدّد باتجاه حلفاء واشنطن في المنطقة، وإدراك المحور الغربي عدم توافر قوة قادرة على المواجهة غير الحشد، كل ذلك دفع باتجاه تغيير ملحوظ في الاستراتيجية الأميركية.
قد يرى البعض في تغيير الموقف الأميركي من الحشد توريطاً له في موجة جديدة من العنف الطائفي في العراق. لكن ردّ فعل النخب الغربية عموماً والأميركية خصوصاً من الضوء الأخضر الأميركي المعطى للحشد، يعيد تصويب الأمور ويضع القرار الأميركي في خانة اعتماد الواقعية السياسية في العراق، والتي تعني بشكل أو بآخر التقاءً مع الموقف الإيراني الرسمي ممّا يدور هناك، وتشاركاً غير مباشر في محاربة العدوّ المشترك المتمثل بتنظيم «داعش».
في المقابل، وفي سورية، تمَّ التعتيم على خبر صدّ الهجوم على تدمر من قبل الجيش السوري، الذي يوصف بأنه «قوات بشار الأسد» في الصحافة الفرنسية. فالتراجع هنا لا يصبّ في مصلحة الغرب، إلا إن تم بأيدٍ أميركية. وهو ما تتداوله بعض النخب الغربية من جرّاء التعتيم الإعلامي. فالبعض وفقاً لمصادر خاصة في فرنسا على سبيل المثال يتداول خبراً مفاده أن ما جرى من تراجع لـ«داعش» في تدمر تمّ بعد تدخل أميركي؟!
في العراق كما في سورية، وعلى رغم اختلاف الحالتين، يجري الترويج لإعادة النظر بالاستراتيجية الخاصة بعمل التحالف الأميركي من زاوية منع تمدد «داعش» وذلك في محاولةٍ للالتفاف على نتائج قمة «كامب ديفيد» الأخيرة التي جمعت الرئيس الأميركي باراك أوباما بدول الخليج، وأيضاً في سياق إدارة الصراع على الاستراتيجيات داخل النخب الحاكمة في الولايات المتحدة تحديداً. ضغط إعلامي ومحاولات لطمس الحقائق، لا تخفي حقيقة التوازنات على الأرض، وليس الاعتماد على الحشد الشعبي أو الرضوخ لخيار الاعتماد عليه في المعركة العراقية سوى مثال على ما هو مقبل حتى لو لم يكن في المدى المنظور، بينما تبقى دماء شعوب المنطقة على مذبح الاستنزاف الأميركي.
كاتب ومترجم سوري