العراق الى أين… سؤال إجابته عند العراقيين؟
هشام الهبيشان
يبدو انّ الحدث الأبرز في الأخبار الواردة من العراق هو تقدم تنظيم «داعش» الراديكالي، في مناطق واسعة بغرب العراق، فهو بعد سيطرته على أجزاء واسعة من محافظة الأنبار التي تشكل ما يزيد على 30 في المئة من مساحة العراق الإجمالية، استكمل أمس السيطرة على الوسط الحيوي للمحافظة وهو مدينة «الرمادي». هذه الأحداث والتداعيات بمجملها ووفق نتائجها الخطرة المنتظرة ألقت بظلالها في شكل واسع بتساؤلات وتكهنات عدة على الساحة السياسية والعسكرية وفي الشارع العراقي بخاصة. وعلى معظم المتابعين للشأن الداخلي العراقي وخصوصاً بشقيه الأمني والانساني، فاليوم شكل تمدد التنظيم الراديكالي في شكل دراماتيكي متسارع على أجزاء واسعة من غرب العراق وسط انهيارات شاملة بصفوف الأجهزة الأمنية هناك، شكل بمجموعة واقعاً جديداً لمجمل الشكل العام للخريطة الأمنية والعسكرية العراقية، وأعاد تشكيل واقع جديد لمجمل نتائج واهداف وخطط المعركة واتجاهاتها.
فاليوم، لا يمكن الحديث أبداً عن حلول تجميلية سريعة لإخفاقات القوى الأمنية العراقية بالأنبار، ولا يمكن كذلك إلقاء اللوم على أميركا وبعض حلفائها الذين يدعون اليوم كذباً انهم يشاركون بالحرب على هذا التنظيم، فواشنطن اليوم وبعد ان قامت بإعادة دراسة لاستراتيجيتها للحرب بالعراق، يبدو ان دوائر صنع القرار الرسمي فيها اليوم تصر وأكثر من أي وقت مضى على تقسيم العراق وإن أخفت وأنكرت ونفت هذا الحديث. وهنا طبعاً لأميركا مصلحة خاصة بتقسيم العراق وتفتيته خدمة لمشاريعها التفتيتيه التي تخدم بالضرورة المشروع الصهيو ـ اميركي بالمنطقة العربية، وبالعودة الى الشق الأمني الداخلي العراقي فقبل ايام عدة كنا نسمع عن استعدادات كبرى لمعارك ستنطلق في أقصى شمال العراق «الموصل» تقودها الحكومة العراقية وبدعم محلي ودولي واقليمي، وقالت الحكومة حينها أنها أتمت الاستعداد والتجهيز والعدة لمعارك كبرى بمدينة الموصل، وسمعنا أننا سنعيش تفاصيلها قريباً كما سربت وسائل الاعلام ونقلت عن مسؤولين عراقيين، ولكن كانت الصدمة وحالة الانهيار الأمني بمدينة الأنبار التي تلقاها الشارع العراقي والدولة العراقية بكل أركانها ومكوناتها، بمثابة النكسة الأولى لمشروع معركة مدينة الموصل المنتظرة منذ حين.
فاليوم، من الواضح ان تقدم التنظيم الراديكالي بمدينة الأنبار وضع خيارات حكومة السيد العبادي ضمن نطاق ضيق وضيق جداً، فما جرى بمدينة الرمادي أمس من حالة أنهيار سريع لمنظومة الأجهزة الأمنية هناك، انما هو دليل على ضعف وتضعضع هذه المنظومة في شكل كامل بعموم هذه المنطقة وهذا الأمر قد ينسحب على مناطق أخرى بالدولة العراقية، وهذا ما يستوجب اليوم من الحكومة العراقية أعادة دراسة شاملة وكاملة لمجمل ملفات المنظومة الأمنية والعسكرية بالاعتماد على قدراتها الذاتية وعلى قدرات الداخل العراقي وعدم الارتهان وانتظار ما سيقدمه الآخرون خارج العراق للعراقيين، فاليوم أصبح تنظيم الدولة «داعش» الراديكالي على بعد عشرات الكيلومترات فقط من مشارف العاصمة بغداد، وهذا الأمر ينسحب كذلك على مناطق عدة في جنوب العراق، وهذا بدوره سينعكس على معارك التنظيم بمناطق واسعة من شمال وشمال غربي وشمال شرقي العراق وخصوصاً بمحافظة صلاح الدين التي تشهد اليوم معارك كبرى بين التنظيم والجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي.
المرحلة الحالية بكل تجلياتها تؤكد ان المعارك ما زالت تدور على الارض وبقوة وزخم أكبر، ومع دوي وارتفاع صوت هذه المعارك، يمكن القول إنه بهذه المرحلة لا صوت يعلو على مسار الحسومات العسكرية لجميع الأطراف المقاتلة على الساحة العراقية، فاليوم التنظيم يحاول إثبات وجوده من جديد على الساحة العراقية ومن خلال عمليات انغماسية كبرى يقودها بمناطق واسعة في شمال وشمال غربي وغرب العراق، فالمعارك تسير بعكس عقارب مساعي الحكومة العراقية الساعية الى حسم سريع لمعظم ملفات المعركة، اليوم نرى ان التنظيم يقوم بحملة من التصعيد العسكري غير المسبوق على مختلف الجبهات العراقية المشتعلة، وهذا ما يؤكد حتمية ان التنظيم ما زال يناور بورقة خيارات الحسم الميداني وميزان القوة بالميدان لإثبات وجوده كطرف قوي ما زال موجوداً وبقوة على الساحة العسكرية العراقية.
وهنا يمكن القول من الواضح ان الأحداث الأخيرة التي جرت بالعراق وخصوصاً بعد تقدم التنظيم الراديكالي بمناطق واسعة مؤخراً بغرب العراق من الواضح أن هذا التقدم سينعكس على حجم الأهداف المطلوب تحقيقها بالعراق من قبل بعض القوى الإقليمية والدولية وهو ما سيسقط بالمحصلة مجموعة من الرهانات المتعلقة بكل ما يجري في العراق، وهي أهداف تتداخل فيها حسابات الواقع المفترض للأحداث الميدانية على الأرض مع الحسابات الامنية والعسكرية والجيو-سياسية للجغرافيا السياسية العراقية وموازين القوى في الإقليم مع المصالح والاستراتيجيات للقوى الدولية على اختلاف مسمياتها، كما تتداخل فيها ملفات المنطقة وأمن «إسرائيل» والطاقة وجملة مواضيع اخرى ليس أولها ولا آخرها الرهان على دور ما لأميركا في المرحلة المقبله قد يقلب المعادلة في المنطقة وفي العراق تحديداً ويعيد خلط الأوراق فيها من جديد إلى أقصى الحدود، وهذا ما يوحي بمسار تعقيد شائك دخله مسار المعارك والحروب المجتزأة بالداخل العراقي.
وبالعودة الى الشق الإنساني بالداخل العراقي وهم الأهم ومحور حديثنا هنا، فما زال مسار المعارك على الارض العراقية يلقي بظلاله المأسوية والمؤلمة بكل تجلياتها على المواطن العراقي المتأثر في شكل مباشر من نتائج هذه المعارك ومساراتها الملتويه، فما زالت نار الحرب وإعدامات الميدان والتصفية بالمقار الأمنية ودوي المدافع وهدير الطائرات تضرب بقوة بمجموعها كل مقومات العيش بحده الأدنى للمواطن العراقي وبخاصة بمناطق غرب العراق. والناظر لحال الكثير من العراقيين اليوم داخل وخارج العراق، يعرف حجم المأساة التي يعيشها المواطن العراقي، فاليوم بالعراق هناك مدن بأكملها لا يوجد بها لا ماء ولا كهرباء ولا حتى طحين، وان وجد الطحين يوجد في شكل مقنن ويستفيد منه في شكل واسع ما يسمى «بتجار الأزمة او بتجار الحرب العراقيين» لا فرق بذلك كما يقول العراقيون، فهؤلاء هم جزء من الحرب ومن منظومة الحرب في العراق، ولكن بوجوه وصور مختلفة، ومن هنا، فالواضح من حجم الدمار الهائل والخراب والدماء التي دفعها العراقيون كنتيجة لما يجري في العراق، ان الخاسر الوحيد منه ومن كل ما يجري في العراق هو الشعب العراقي والشعب العراقي فقط.
ختاماً، ان تطورات الساعات الاخيرة في العراق، تؤكد بما لا يقبل الشك ان مسار المعارك والحرب بالداخل العراقي ستستمر إلى عام آخر على الأقل بنفس وتيرتها التي نعيشها اليوم، وإلى ذلك الحين سننتظر مسار المعارك على الارض لتعطينا مؤشرات واضحة عن طبيعة ومسار وتأثيرات ونتائج المعارك على الأرض العراقية، وتأثيرات هذه المعارك على الشعب العراقي الخاسر الوحيد من مسار هذه الحرب المفروضة عليه، وهنا أود أن أطرح سؤالاً ليترك برسم الإجابة عند العراقيين، ومضمون السؤال هنا موجه لكل مواطن عراقي على امتداد الجغرافيا العراقية وخارج هذه الجغرافيا، وهو، العراق الى أين يتجه؟
كاتب وناشط سياسي الأردن
hesham.awamleh yahoo.com