العرب… وعقدة «الارتعاش» السياسي
راسم عبيدات
احياناً تتولد لديّ قناعة بأنّ صفة الخنوع والإذلال و«الإرتعاش» السياسي واستدخال الهزائم صفة ملازمة لهذه الأمة، حتى ان البقع المضيئة، التي تحاول التمرّد على هذا الواقع واسترداد جزء من كرامة ومكانة العرب المسلوبة، تتعرض الى الهجوم والتحريض من العرب أنفسهم، وكأنهم يقولون لا نريد لأحد أن يكشف عوراتنا، على رغم انها الآن أضحت مكشوفة ولم تعد مستورة حتى بورقة التوت.
وعندما تقارن بين ما تختزنه الأمة من إمكانات وقدرات وثروات وطاقات مع غيرها من الدول، تجد أن هذه الأمة تفوق امكاناتها وقدراتها مئات المرات امكانات وقدرات دول وشعوب اخرى صمدت على مواقفها ولم «ترتعش» سياسياً أو تخشى جبروت أميركا وقوتها، بل وقفت نداً لها تدافع عن حقوقها وكرامتها ومواقفها، على رغم كل الحصار والعقوبات التي فرضتها أميركا عليها، او التهديدات التي مارستها بحقها.
ولنا في هذا الشأن والسياق أمثلة كثيرة، فكوبا جزيرة صغيرة حاصرتها أميركا لمدة 58 عاماً ولم «ترتعش» قيادتها سياسياً ولم تجبن أو تقدم على تقديم تنازلات سياسية وغيرها لأميركا، بل أميركا اضطرت في ظل الصمود الكوبي الأسطوري الى رفع الحصار وتطبيع العلاقات معها، وكذلك هي فنزويلا، التي لم تترك أميركا بالتحالف مع طغم الرأسمالية المحلية، أي وسيلة او طريقة للتخلص من نظامها الثوري، ولكن في النهاية لم تنجح في تزوير إرادة الشعب الفنزويلي، فنزويلا التي تحدى رئيسها الثوري الراحل الكبير هوغو تشافيز الحظر الجوي الذي فرضته أميركا والأطلسي على العراق قبل احتلاله، وقام بزيارة الرئيس الراحل صدام حسين، وكذلك رئيسها الحالي ماردو قال للرئيس الأميركي الحالي في قمة أميركا اللاتينية، إنني احترمك ولكن لا أثق بك.
وعندما نعرج على إيران، نستغرب كيف لهذه الدولة التي خاضت حرباً لمدة ثماني سنوات متواصلة ومن ثم تعرضت لحصار وعقوبات أميركية وأطلسية ظالمة لمدة 37 عاماً وبإمكانات تقل كثيراً عمّا يمتلكه العرب الى دولة إقليمية مؤثرة وفاعلة في كل قضايا المنطقة من أفغانستان وحتى اليمن، وتضطر أميركا والعالم الى مفاوضتها وتقديم التنازلات لها في برنامجها النووي، وتفرض نفسها كقوة معترف لها بمصالحها ونفوذها.
وليس هذا فحسب فحتى «اسرائيل» المنتعش اقتصادها بالمساعدات الاقتصادية الأميركية، والمحمية عسكرياً منها، في سبيل ما تعتبره تهديداً لوجودها وأمنها القومي، وجدنا رئيس وزرائها الحالي نتنياهو، في إطار تحريضه على البرنامج النووي الإيراني، يذهب ليخاطب «الكونغرس» الأميركي على رغم إرادة رئيسه ويذله في عقر داره.
أما عند التطرق للحالة العربية، فنرى أن الأنظمة العربية قد رهنت نفسها وبلدانها ومقرراتها وإرادتها للأميركيين، فهناك من قال بأن 99 في المئة من اوراق الحل بيد أميركا، وهناك آخرون قدموا التسهيلات للأميركيين بإقامة قواعد عسكرية لهم على أراضيهم، وهناك من قالوا بثقافة الاستنعاج واستدخال الهزائم، وعدم قدرتنا كعرب على مجابهة ومواجهة «اسرائيل» وتحقيق انتصار عليها، وفوق كل التسهيلات التي تقدم للأميركيين وحماية مصالحهم في المنطقة، نرى أن العرب يقومون بالدفع لأميركا، التي أصبحت الوالية على النفس والمال في المنطقة العربية، وتحديداً في منطقة الخليج، وتعتبر أنّ دفع العرب المال لها حق، وعلى رغم الدفع نرى أن أميركا كدولة ومؤسسات تتعامل مع العرب باحتقار وبدونية، ولا تأبه لا لمصالحهم ولا لوجهات نظرهم.
وعند السؤال لماذا يحصل ذلك مع العرب من دون غيرهم؟ الإجابة لها علاقة بالعرب أنفسهم، فأنظمة الحكم العربية أغلبها قائم على الديكتاتورية والتوريث وتحويل بلدانهم الى مزارع واقطاعيات، حيث تغيب المشاركة في الحكم والسلطة والقرار والثروات، ويسود القمع ومصادرة الحريات وعدم تداول السلطة، وهذا يخلق حالة من عدم الإنتماء والولاء عند الجماهير للأنظمة الحاكمة، ولذلك ترى أن الضعف الذي تعيشه هذه الأنظمة، يجب ان يجري تعويضه بالاستناد الى قوى خارجية كبرى توفر لها الحماية والبقاء في السلطة، وهذه القوى كأميركا لا تتورع عن تضخيم وتعظيم الأخطار المحدقة بهذه الأنظمة، والتي في الغالب لا تكون حقيقية، بل هذه «الفزاعات» يتم خلقها وتصويرها، من أجل تبرير «حلب» هذه الأنظمة مادياً، وهذا النمط والنموذج معمول به منذ عهد الرئيس الراحل عبد الناصر وحتى ايران الآن، حيث جرى ويجرى استخدامهما كـ»فزاعات» ضدّ أنظمة الخليج لكي تدفع المال لواشنطن.
مأساة العرب أنهم لم يتعلموا من التاريخ وحقائقه، وبالذات مشيخات النفط والكاز، حيث أن رئيس الوزراء البريطاني تشرشل منذ الحرب العالمية الثانية، قال إن بريطانيا ليس لها أصدقاء وأعداء دائمون، بل لديها مصالح دائمة، وكل دول الغرب الإستعماري وفي مقدمها أميركا سارت على نفس النهج والمنوال، ولعل بلدان ومشيخات النفط والكاز، بعد توصل أميركا الى اتفاق مع ايران حول برنامجها النووي، والقمة الأميركية الخليجية، باتت مقتنعة بأن أميركا همها الأول والأخير مصالحها، ومشيخات الخليج مهما كانت وجهة نظرها واعتراضاتها على الإتفاق الإيراني- الأميركي، فهي لا تعني لأميركا شيئاً، فالمهم المصالح الأميركية اولاً، وليس هذا فحسب فمشيخات النفط والكاز العربية غير قادرة على التمرد او الخروج من عباءة «الجلباب» الأميركي، فهي ترهن قرارها ومقدراتها وثرواتها وتسليح جيوشها للأميركيين، وأي خروج او بداية تمرد على أميركا أول ما يتطلب هو إقامة علاقات دولية متوازنة، تقدم المصالح القومية والوطنية العربية على المصالح الأميركية وغيرها من مصالح الدول الأخرى، وكذلك لا بد من تصحيح العلاقات العربية العربية، والتخلص من هاجس «الفزاعات» المضخمة المستهدفة نهب خيرات وثروات وأموال العرب، وبالذات مشيخات النفط والكاز.
هذه عوامل مهمة جداً لتخليص العرب من عقدة «الإرتعاش» السياسي، على طريق إثبات أنفسهم كقوة عربية لها حضورها وتأثيرها، ولها مصالحها، وبما يجبر أميركا على ان تدفع في مقابل الحفاظ على مصالحها لا ان تأخذ وتنهب.
Quds.45 gmail.com