بعد استهلاكه في الشام… إعادة تدوير الفكر السعودي في اليمن
سعد الله الخليل
حين وصفت دمشق الحرب على سورية بالمؤامرة الأميركية السعودية سخر دعاة تحرّر الشعوب وأنصار الحريات الممجوجة من نظرية المؤامرة التي تتمسك بها دمشق ومحور المقاومة، وأوعز أصحاب مشروع الثورات الملوّنة ممّن صنعتهم تلك المشاريع كقيادات للرأي العام للاستنفار على قنواتهم المأجورة للنقد والنيل من تلك الرؤية، معتبرين أنّ ما يحمله محور المقاومة من قضايا يدافع عنها بحدّ ذاتها مؤامرة كبرى على الشعوب العربية، وكرّست جهدها طوال سنوات على شيطنة رموزه من قادة وجيوش وعلماء ومؤسسات.
في الحرب على سورية لبس أبناء آل سعودية ثوباً فضفاضاَ على مقاسهم، واعتقدت «مملكة الرمال» أنّ رفع شعارات الحرية والديمقراطية ومناصرة الشعوب يمكّنها من مسح سجلها الحافل بانتهاكات ما تدّعيه من حرص على الشعوب السورية واليمنية والبحرينية، فعجزت عواصف حزمها عن فرض رؤيتها ومشاريعها ومسح تاريخها الأسود من ذاكرة الشعوب، كما سيعجز أتباعها حاملي الرايات السود من النيل من العمق الإنساني والتاريخي لأبناء سورية واليمن القادرين على تحويل الصحارى إلى منارات إنسانية ضاربة في التاريخ والحاضر والمستقبل، ولعلّ مملكتي سبأ وتدمر تشهدان على المخزون الإنساني لبلاد الشام واليمن فيما دمّر أبناء أل سعود كلّ ما يدلّ على الإنسانية في صحارى الحجاز.
من سورية إلى اليمن تسعى مملكة آل سعود لنقل تجربتها في بناء الإنسان وفق المنهج الوهابي وتدمير الأوطان، فبعد سنوات من تغذية الحرب وقيادتها على سورية وفشلها في تصنيع منظومات وجماعات تقف في وجه الدولة السورية عبر جماعات مسلحة ومجالس قيادة محلية أثبتت فشلها، تستكمل ما دمّرته طائراتها في الأرض اليمنية من حجر بالسعي إلى تصنيع كيانات جديدة تسعى عبرها لعودة اليمن إلى بيت الطاعة السعودي كما كان منذ عقود من بوابة التمسك بشرعية رئيس فاقد للشرعية تبني حوله كيانات عسكرية مشابهة لكيانات ما كان يسمّى يوماً ما «الجيش الحر» والذي تاه في الأرض السورية وجماعة حزم التي أنفقت عليها الملايين قبل أن تأكلها «جبهة النصرة»، والقائمة تطول من «جيش الإسلام» إلى «جيش الفتح»، والتي تآكلت وذابت في جسدي «النصرة» و«داعش».
كما تنقل السعودية تجاربها الفاشلة على الأرض السورية تنقل خيباتها في السياسة أيضاً فتدفع بزبائنيتها لرفض أيّ جهد سياسي لحلّ الأزمة اليمنية وتعرقل مؤتمر جنيف من بوابة التمسك بشرعية هادي كما منعت صدى أصواتها في المعارضة السورية من الذهاب إلى جنيف، وأصرّت على السير في الحرب حتى النهاية.
في الدراما والسينما عادة ما تكون الأجزاء اللاحقة أقلّ جاذب وتشويق من النسخة الأولى مهما برع الممثلون في أداء الأدوار واستمات المخرج في إظهار قدراته الفنية وسخر المنتجون الملايين في ميزانياتها فكيف إذا كانت النسخة الأولى هزيلة البنية مهترئة المظهر وهابية الشكل والمضمون.
على الأراضي اليمنية تسعى السعودية لإعادة تدوير تجربتها السورية، بانتظار الإعلان عن فصائل وقوى تصنعها قناة «العربية»، وتجعلها آلهة من تمر بانتظار أن يأكلها تنظيم «القاعدة» في اليمن السعيد.
«توب نيوز»