لاهوت العصر وجبروته!؟ قراءة في ناموس التكفير الجديد

بو بكر صالح حميد ـ عدن

أسرف البعض وبالغ في الإسراف إلى حدّ مقزّز ومقرف في توظيف ما أسموه بـ»الصحوة الإسلامية» أو الدينية، إذ لم يلمس الإنسان العادي أي ملامح لتلك المسماة بالصحوة على الواقع، لكن ما لم يتنبه إليه الناس والمجتمعات العربية أن الأمر لا يمت إلى جوهر الصحوة بأي صلة أساساً، بل إن غموضاً يغلّف المفهوم. وزعمت الأمة أنها تملك إرثاً كبيراً وضخماً من الذكاء والنبوغ والعبقرية خانها وخان تفكيرها السطحي، لأنه كان يخبئ لها ما لا يسرّها!

حضور آفة التكفير في مواجهة التفكير الحرّ هي بحد ذاتها العقبة التي انطوت عليها جملة الكوارث والنكبات والانتكاسات التي لحقت بالأمة وتسببت بظهور حالات التصدع والتمزق التي اعترت بنية الدول ومؤسسات الدول، ما سهّل الاختراق الذي أتى بفوائد عظيمة للكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والأرض العربية، من دون أي وجه قانوني أو ديني أو أخلاقي، وجعل ذلك التمزق الخطير أرضاً خصبة لدخوله المشبوه والخطير الى جسد نظام الدول وبنيانها القومي والثقافي والاجتماعي، حتى وصل الى أهدافه المشبوهة في تأجيج النزعة العنصرية والإثنية والمذهبية بين نسيج الأمة، مؤججاً نيران الفتنة لتخرج الفتنة من تحت الرماد وتعيث في الأمة أسوأ أنواع الدمار وحالات الانقسام والاقتتال الداخلي تحت ذرائع محض استعمارية.

إن بروز حالات التكفير هو أحد أوجه التدمير المنهجي الذي سعى إليه العدو الصهيوني والاستعمار صانعه، كي لا تتمكن الأمة من امتلاك قرارها السياسي المستقل بلا إملاءات خارجية، وما العدوان المنهجي الحاصل في سورية وليبيا ومصر وجنوبنا العربي المحتل إلاّ نتيجة طبيعية كشفت عن حقيقة وجهه القبيح والمشوّه. وهذا ما لا يدع لنا مجالاً لمحاولة مناقشته أو الخروج باستنتاجات مبنية على أسس موضوعية وواقعية، وإنما يحشرنا في زاوية واحدة تؤكد تلك الطروحات التي تنبأت بمستقبل الذين يسمون أنفسهم «الإخوان المسلون» وباقي الحركات الدينية الارهابية، وما كانوا يبشرون به ببزوغ فجر صحوة إسلامية وفارسها الذي يجدد فكرها ومعتقد الدين كما تدعي ليعيد الإسلام الى أزهى عصوره! ويسقط ما كان يخدر به عقول الأمة منابع الإلحاد والكفر والمروق والفسوق والعصيان! وما اكثر المصطلحات! ومردها في حقيقة الأمر الاستعمار، فهي في جوهرها صنيعة الاستعمار، شأنها شأن الحركات الأخرى مثل القاديانية أو الأحمدية وسواهما.

من هنا يمكننا القول إن ما ذهب اليه كارل ماركس في توصيف الدين هو على هذا النحو المريب والمتشابك والمعقد في مقولته المشهورة «الدين أفيون الشعوب» وتصب في هذا المضمار ولا تناقضه أو تعاديه مثلما حاول المروّجون الكاذبون للمقولة زوراً وكذباً، بل كشفت حقيقة ذلك الإرهاب وجوهره القابع وراء الدين وتستره بتلك الوقاحة المذلة!

رأينا كما تابعنا وقاحاتهم وترهاتهم المهترئة وبضاعتهم المزجاة في مصر عندما ظهروا بتلك الصلافة والوقاحة والبلادة اعتقاداً أن الأمة لا تزال تحت تأثير التخدير القديم لهم! و« بشّروا بخطر زوال الاسلام بسقوط مرسي من سدة الحكم! وصلاة النبي معه وتبركة وتشرفه أي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بالصلاة! خلف محمد مرسي! وقوات الناتو المباركة القوة الإلهية التي رأوا فيها بشارة نصرهم على أعداء الله والدين أو الإسلام! ناهيك عن دعواتهم المفضوحة للناتو وللكيان الصهيوني بنصرتهم على الانقلابيين في مصر والنصير يون في سورية! وأغشوا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بدين جديد تحمي ظهره وقائمته «إسرائيل» عبدالله!! ونسي العامة بغبائهم المعهود الآية الكريمة «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم»! هنا بيت القصيد. الدين أفيون الشعوب، سخّروا منابر الجوامع والمساجد، كلّ على طريقته، وما اختلافهم أمام الناس إلا مناورة لإخفاء حقيقة معتقدهم الخبيث والمدمّر للعقول قبل الأوطان، فمن السخف أن ينجر البعض وراء الذين يُسمّون بالسلفية أو الجهادية، إلخ، ويصدقون تمثيلية ذلك التصادم أو التضاد. وقد يقول قائل وماذا تسمي ما يحدث في سورية بين «داحس والغبراء» أعني بين «داعش» و«جبهة النصرة» وبقية القائمة، ظناً منه أنه دليل ولا يحتاج إلى تأكيد أو توضيح فلا املك من القول إلاّ ما قاله منظر السياسة وداهيتها المحنك ميكيافللي «الغاية تبرر الوسيلة». فالمال الذي يُضخ لتلك التنظيمات الإرهابية منبعه واحد ويشرف عليه واحد هو عدو الأمة ودينها الحنيف. المستعمر الذي أبرز أنيابه بعدما أباحت له لاهوتية دين اليوم هتكها واحتلالها ونهب ثرواتها وخيراتها والاستيلاء والسيطرة على منابع النفط شريان الحياة لآلة الغرب الاستعماري وموفّر الحياة الرغدة لشعوبه على حساب أمة الإسلام، وأنظمة عربية مستبدة صنيعة الاستعمار في الأساس تؤمن ذلك الترف للشعوب الاستعمارية! مقابل حماية ملكها ونظمها الاستبدادية من السقوط أمام ثورات شعوبها! ولا همّ لها إلا البقاء والديمومة والبقاء متربعة على العروش بجبروت وطغيان لسنوات طويلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى