مسألة حماية الأقليات من قضايا حقوق الإنسان… وإشكالية النموذج الكردي
بدري رفيق تقي الدين
صفحة الدراسات في «البناء»، أنشئت لتكون مساحة للأبحاث العلمية المتعلقة بشتى المواضيع ذات الصلة في قضايا الأمة والعالم العربي…
وهي إذ تتسع لمثل هذه الدراسات بأنها تبقى مجالاً مفتوحاً للحوار وطرح الإشكاليات الفكرية والسياسية وغيرها، تنشيطاً لدور الثقافة في الصيرورة الاجتماعية. علماً ان الآراء التي ترد على مساحة الصفحة تعبر عن أصحابها وليست بالضرورة مطابقة لقناعات الصحيفة.
إلا أنه انطلاقاً من القناعة الراسخة بضرورة خلق حوار فكري حول القضايا والإشكاليات كافة وما أكثرها، والتي تفرض نفسها على صاحب القرار والمثقف وقادة الرأي والمواطن في أي موقع كان، كانت صفحة الدراسات في «البناء» هي الترجمة العملية لهذه القناعة آملين أن تشكل هذه الصفحة مساحة فكرية ـ سياسية تعنى بهموم الوطن والمواطن، تدرس الحاضر لترسم المستقبل.
إن مسالة حماية الأقليات ظهرت في أوروبا في القرون الوسطى وتدرّجت بصيغ توصيات ومعدات واتفاقات، إلى أن ظهرت في ما بعد منظمة الأمم المتحدة عام 1945، إذ غدت عبرها قضايا الأقليات من قضايا حقوق الإنسان. وانه من المتفق عليه إذ قلنا إنه لا تخلو أية دولة من وجود أقليات على أرضها، كأقليات بلدان الشرق الأوسط الأكراد، الآشوريين، الموحدين الدروز، الأقباط . والجدير ذكره إن الصراعات قد نشبت بين الفئات التي كانت متواجدة على أرض ما، الفئة الأكثرية التي كانت تتحكم بمقدرات الحكم وموارد الدولة الاقتصادية، والفئة الأقلية التي كانت تعتبر نفسها مقهورة ومحرومة من حق المشاركة في القرار السياسي، ومن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وشعرت هذه الأخيرة بأنها من الدرجة الثانية، وقد عرّف أحدهم بأن الأقليات هي: جماعات تنتمي بجنسها أو بأصلها أو بلغتها او بدينها الى غير ما تنتمي اليه غالبية السكان في دولة ما. وعرّفها آخر: بأنها الجماعة او الجماعات العرقية ذات الكم البشري الأقل في مجتمعها والتي في مجتمعها والتي تتميز عن غيرها من السكان من حيث السلالة أو اللغة أو الدين أو الثقافة.
ويقول الدكتور أدمون رباط، إن مصطلح أقلية هو مصطلح خاص في القانون الدولي ذُكر خلال القرن التاسع عشر بمناسبة تدخلات الدول العظمى في شؤون الأمبراطورية العثمانية بحجة حماية رعاياها المسيحيين. وفي إطار منظمة الأمم المتحدة جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، والعهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية عام 1966، وايضاً العهد الخاص بالحقوق الثقافية والاجتماعية جاء خالياً من أي تعريف لمصطلح أقليات. وقد انبثقت لجنة حقوق الانسان عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي إذ اعتبر بعض أعضاء هذه اللجنة إن إشارة التعريف الى المجموعات التي ترغب في الحفاظ على عاداتها وخصائصها الأثنية والدينية او اللغوية قد يعطي المجموعات المهيمنة والتي لا ترغب في منح الأقليات حقوقاً متساوية ذريعة بأن هذه الأقليات لا ترغب في الحفاظ على تراثها، وبالتالي لا ضرورة لحمايتها. واعتبر آخر إن التعريف لم يوضح في شكل يفي بالغرض بأن الأقلية لا تشمل الغرباء المقيمين في دولة ما. وقدم الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة الى الجنة التي تبحث مسألة تعريف الأقلية مذكرة ضمنها أسباب التركيز على الأقليات العرقية الدينية واللغوية، واعتبر إن هذه الخصائص هي السمات الأساسية للمجتمع القومي. إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي أحد قرارتها أشارت الى صعوبة التوصل الى حل لهذه المسألة التي تتمتع بمظاهر خاصة في كل دولة تظهر فيها.
وفي اقتراح لجمعية مجلس أوروبا حول تعريف الأقليات القومية اعتبرت هذه الأقلية مجموعة من الأفراد تقيم على اراضي دولة ما وتحمل جنسية هذه الدولة وترتبط بها بروابط وثيقة وطويلة الأمد. وهذه المجموعة أقل عدداً من باقي سكان الدولة ولكنها تتميز بخصائص اثنية ثقافية دينية او لغوية مختلفة، وتسعى الى الحفاظ على هويتها المشتركة. وقد جاء الإعلان الاميركي الخاص بحقوق الانسان يعزز التعليم والتفاهم والتسامح بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الأثتية أو الدينية، ولم يحدد مفهوم الأقليات. كما الميثاق الأفريقي لحقوق الانسان عام 1988 والذي عرف بميثاق بانجول نص على مبدأ عدم التمييز ولم يذكر الاقليات وانما تعرض للحقوق الفردية والجماعية كالحق في تقرير المصير. وهنا لا بد من استعراض النقاط الآتية:
في موقف الدول من الأقليات الخاضعة لسلطانها:
يتميز شعور الاقلية دائماً بسمات خاصة تختلف عن شعور الجماعة التي تشكل غالبية سكان الدولة. وان هذا الشعور بالتميز ربما يختلف شعوراً كرد فعل ، وهذا الشعور يزداد تلقائياً وينمو ويكبر بخاصة إذا ما كانت الدولة تمارس تجاههم سياسة التمييز او الاضطهاد العرقي او تهدد وجودهم. واذا ما استعرضنا احداث التاريخ نجد الكثير من المجازر التي ارتكبت في حقوق الأقليات، نذكر على سبيل المثال المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن على مراحل متعددة منذ عام 1890 حتى المجزرة الكبرى عام 1915. والدليل الساطع أيضاً ما ترتكبه إسرائيل بحق الفلسطينيين من تعذيب وتدميرٍ وقتل بهدف القضاء على الشعب الفلسطيني وإجباره الى ترك أرضه بصورة نهائية. يضاف أيضاً ما يتعلق بتنظيم حركة الأقليات بين الدول الأوروبية إذ حاولت دول عدة الاستفادة من أجواء الحرب والتخلص من المجموعات التي تهدد وحدة اراضيها.
فكان الاتفاق التركي البلغاري عام 1913 الذي قضى بتسهيل التبادل الطوعي للسكان البلغار والمسلمين على جانبي الحدود المشتركة ضمن قطاع عمقه 15 كلم ونص على تشكيل لجان للإشراف على عمليات التبادل وتصفية الممتلكات.
وكان أيضاً الاتفاق اليوناني التركي عام 1914 الحاصل نتيجة ممارسات الأتراك بحق اليونانيين واجبارهم على ترك شواطئ بحر أيجيه مما حتم على اليونان توقيع اتفاق تمهيدي لتبادل السكان.
وبعد الحرب العالمية الثانية طرد وشرد ملايين الألمان من بيوتهم وحقولهم في مدن تم إلحاقها في بولندا ومن منطقة دانزنغ التي اصبحت تعرف بـ GDANSK حتى قيل أن الهجرة غدت الحل الأولي والأخير لمشكلة الأقليات الأوروبيين في مرحلة ما بعد عام 1945.
ومن جهة ثانية: يمكننا القول إن عملية دمج الأقلية في المجتمع أو ما يسمى بعملية الاستيعاب بحيث يصبح للشعب ثقافة مشتركة واحدة، وبمعنى آخر توحيد مجانسة النسيج الاجتماعي في الدولة وهذه العملية تتمثل بهيمنة الغالبية على الأقلية ورغبة الأقلية في الانخراط بالمجتمع.
أما مسألة العزل وهي عملية الابعاد القصري عن المجتمع وممارسة نشاط حياتي محصور في منطقة أو مناطق معينة غالبية سكانها من الأفراد المنتمين الى الأقلية، وعلى سبيل المثال نذكر ما عانى منه السود في جنوب أفريقيا من قهر وظلمٍ على يد البيض الأمر الذي حتم على الأمم المتحدة عام 1973 الى اعتماد مبادئ العهد الخاص بمكافحة ومعاقبة جريمة الاضطهاد العرقي الذي انتهى في عام 1991.
دور محكمة العدل الدولية الدائمة:
لا بد من إلقاء الضوء على دور محكمة العدل الدولية الدائمة الذي كان يشكل الضمانة القضائية لمعاهدات الأقليات حيث كان من الضروري اخضاع أي خلاف بين دولة ملتزمة بإحدى المعاهدات ودولة من دول الحلفاء أو دولة عضو في مجلس العصبية من جهة أخرى الى الصلاحية الإلزامية لمحكمة العدل الدولية الدائمة. وكانت للمحكمة المذكورة مهمات استشارية تتم بناء على استدعاء من مجلس العصبة قبل اتخاذه اي قرار ذا صلة بموضوع الاقليات.
ومن خلال الدور المذكور أصبح يمنع على الدول ان تتبنى تفسيرات خاصة لحرمان الأقليات من الحماية التي كانت تهدف المعاهدة الى ضمانها. والجدير ذكره ان المحكمة تعرضت للعديد من القضايا التي تتعلق بمعادات الأقليلت، إذ من خلالها وضع تعريف للاقلية وحمايتها وتم التطرق الى مسائل الجنسية والمساواة بين الأكثرية والأقلية. وهنا يتبادر للذهن قضية المقيمين الألمان في بولاندا عام 1923 وقد أوضحت فيها ان غاية معاهدة الأقليات هي ضمان امكانية عيش المجموعات المتميزة عرقياً ولغوياً أو ثقافياً، جنباً الى جنب مع باقي السكان ضمن اطار الدولة الواحدة.
كما ويمكن ذكر قضية النزاع بين المانيا وبولاندا حول حقوق الأقليات في سيلسيا العليا اذ اعتبرت الأولى ان من حق افراد الأقليات تقرير انتمائهم الى الأقلية معتبرة ان الاتفاقية الألمانية- البولاندية حول سيلسيا العليا تنص على ان انتماء الفرد الى أقلية دينية او لغوية يجب الا تقررها السلطات وألا تنازع فيها، فيما اشارت الثانية الى ان وضعية الأقليات هي مسألة واقع ولا تتوقف على رغبة الفرد، وقد أيدت المحكمة وجهة نظر بولاندا. ولا بد من القول إن دور محكمة العدل الدولية قد انتهى بانتهاء نظام الأقليات الذي لم ينجح ولم يتحقق بسبب عوامل عدة منها اعتبار الدول التي تضم اقليات ان هذا النظام يهدد سيادتها، كما أن الأقلية تحول الإستفادة من النظام الذي يصبح فيما بعد امتيازاً لها، هذا فضلاً على ان القوى الكبرى قد أبقت نفسها خارج النظام، وانضجت معاهدات الأقليات غير منطبقة عليها.
3 – في حماية الأقليات من وجهة نظر منظمة الأمم المتحدة:
بإيجاز يمكن القول إنه تمت الإستعاضة عن نظام حماية الأقليات كمجموعات والذي أنشئ في ظل عصبة الأمم وقد رأت الأمم المتحدة أن الفائدة السياسية من نظام هذه الحماية قد انتفى بميثاق الأمم المتحدة والإطار العالمي لحقوق الإنسان. وقد ظهرت الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتي أعلنت عن مبادئ عامة حول المساواة وعدم التمييز وقد أدرج الإعلان العالمي لحقوق الانسان مجموعة من الحقوق والحريات الرئيسية التي تشكل المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم. يضاف، أن تهدف التربية إلى تنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية. وأنه قد ظهرت مجموعة واسعة من الإعلانات والمعاهدات والاتفاقات التي تمنع بصورة مطلقة التمييز وتنادي بالتعددية العرقية والدينية واللغوية وتنشد حماية هذه التعددية. ومن هذه الاتفاقات:
إتفاقية منع جريمة إبادة الأجناس والمعاقبة عليها- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية تاريخ 16 كانون الأول 1966- إعلان الأمم المتحدة للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري- إتفاقية مناهضة التمييز في التعليم التي تبنتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة اليونسكو في 14 كانون الأول 1960- الإعلان حول العنصر والتحيّز العنصري الذي تبناه المؤتمر العام لليونسكو عام 1978- الإعلان الخاص بالمبادئ والحقوق الأساسية في العمل الصادر عن منظمة العمل الدولي عام 1998- الإتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول الملحق بها لعام 1967 الصادران عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. مع إشارة مهمة بأنه قد تضمنت هذه الاتفاقات والصكوك الدولية آليات مراقبة الإلتزام بأحكامها ونصوصها.
4 – في حقوق الأفراد المنتمين إلى أقلية بموجب أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
في دليل الأمم المتحدة للأقليات الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان عام 2001 ورد النص الآتي:
«لا يجوز في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره واستخدام لغتهم بالإشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم».
وانه أثناء مناقشات اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات المتعلقة بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اقترحت عضو اللجنة الآنسة مونرو استبدال عبارة أقليات بعبارة الأفراد المنتمين إلى أقليات، حيث أن الأقليات ليست شخصاً من أشخاص القانون. وبالتالي يمكن القول أن موضوع الأقليات لم يحض بالإهتمام داخل منظمة الأمم المتحدة. وشمل موضوع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية كافة المواضيع التي من ضمنها حقوق الأقليات. كما واعتبر أن على أفراد الأقليات واجب احترام سيادة ووحدة أراضي الدولة المقيمين فيها، طالما أن الدولة تحمي وجودهم المادي والثقافي وتحرص على ممارستهم لكافة حقوقهم.
5 – في جذور المسألة الكردية:
في هذا المجال نوجز ما يلي:
– إن أصل الشعب الكردي غير محدد، وربما هم يتحدرون من قبائل هندو- أوروبية. وبحكم مجاورتهم للعرب تشربوا الينابيع السامية، كما وان بعض القبائل التركية والآشورية والأرمنية قد انصهرت في الحضارة السائدة في منطقة كردستان، وهي المنطقة التي كان يقطنها الأكراد، وبالتالي فهي منطقة جبلية فسيحة تغطي جنوب شرقي تركيا وشمال شرقي العراق وغرب إيران وتمتد إلى شمال شرقي سورية، أي هي الأرض التي تقع بين سلسلة جبال بونتيك والقوقاز وخطوط التماس الفارسي، وهضاب بلاد ما بين النهرين من جانب، وجبال طوروس والهضبة الإيرانية من الجانب الآخر، وتقدر مساحتها بمئتي ميل. أضف أن كردستان تتميز بمواردها المائية والنفطية، إذ تحتضن منابع دجلة والفرات وفيها حقول نفط كركوك وخانقين العراق وباتمان وسلفان تركيا ورميلان سورية وتحديداً إن من مساحتها يوجد 194400 كلم مربع في تركيا و124950 في إيران و72000 في العراق و18000 في سورية. وانه إبان الفتح العربي في القرن السابع تبع الأكراد الإسلام ومعظمهم يدينون بالمذهب السنّي، ويتواجد من يتبعون المذهب الشيعي في شمال غربي الأناضول، يضاف أن مذاهب الأكراد تنتشر بين القادرية والنشقبندية والشيعة الأثني عشريه واليزيدية وأهل الحق. أما لغتهم فهي مزيج من الفارسية والأفغانية والبلوجية والبشتونية والطاجيكية والإستينية، وغالبية الأكراد يتكلمون الكورمانجي المنتشرة بين أكراد تركيا وسورية وبعض أكراد العراق وأرمينيا، أما الصوراني فهي لغة معظم أكراد العراق وإيران.
أما في صدر تطور القضية الكردية فلا بد من ذكر أن العثمانيين قد أناطوا سابقاً بالأكراد حماية حدود الأمبراطورية العثمانية مع الفرس، وظهرت الثورات في كردستان الهادفة إلى الاستقلال عن السلطنة وكان أبرزها ثورة الشيخ عبيدة الله النهري عام 1880.
وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى فكر الحلفاء في إنشاء دولة أرمنية فخافوا الأكراد بأن تكون الدولة الأرمنية الموعودة على حسابهم. فقدموا مذكرة مشتركة مع الأرمن إلى مؤتمر السلام وهو المؤتمر الذي عقد في باريس 1919. وخلال عام 1920 تم تشكيل لجنة ثلاثية قوامها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وقد أنيطت بها مهمة وضع مشروع الحكم الذاتي في المناطق التي يشكل فيها الأكراد أكثرية، ومن ثم جاءت معاهدة لوزان عام 1923 التي دعت تركيا إلى ضمان حياة وحرية جميع السكان في تركيا من دون تمييز في الجنسية وفي اللغة وفي العرق وفي الدين، وبالتالي تكون معاهدة لوزان قد قضت على حلم الأكراد في إنشاء دولتهم. ولا بد من ذكر أنه خلال عام 1966 صدر بيان عن رئيس الوزراء العراقي اعترف فيه بالحقوق القومية للأكراد. وجرى الاتفاق أيضاً على تعجيل دستور العراق بحيث نص على أن يتكون شعب العراق من قوميتين رئيستين هما: القومية العربية والقومية الكردية. وقد أقر هذا الدستور بحقوق الشعب الكردي القومية وحقوق الأقليات كافة ضمن الوحدة العراقية. وفي عام 1974 صدر قانون الحكم الذاتي الذي أعلن تمتع كردستان بحكم ذاتي في إطار الوحدة القانونية والسياسية والاقتصادية للجمهورية العراقية، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية: لا بد من إلقاء الضوء على ممارسة الأكراد لحق تقرير المصير. وفي هذا الخصوص يمكن القول إن الحكومة الكردستانية هي حكومة أمر واقع تدير شؤون الأكراد في ظل التمزق العراقي وغياب السلطة المركزية المشلولة في هذه الأيام تحديداً. وإن الاتجاه الدولي يظهر نحو إعطاء شعب العراق ومن ضمنه الأكراد الحق في اختيار النظام السياسي الذي يهدف ويخدم تطلعات المجموعات المختلفة. لذلك حاولت كل من سورية وإيران وتركيا منذ عام 1992 لمنع تقسيم العراق واحتواء ما يسمى بالضغط الكردي. مع الإشارة المهمة، الى أن الحراك الكردي يتلقى الكثير من الدعم الأوروبي والأميركي تحديداً. وكون أن مجلس الحكم الإنتقالي في العراق يشارك فيه الأكراد منذ عام 2003، وان تركيا تسعى بقوة للقضاء على حزب العمال الكردستاني الهادف إلى تحقيق الحكم الذاتي في جنوب شرقي تركيا. وبالتالي إننا في هذه الأيام نشهد مرحلة تحولات جذرية وخرائط شرق أوسطية جديدة تشوهات كيانية تختلط فيها الأوراق وتتمزق الأرض العربية بصورة هائلة حتى أن الفيديرالية أصبحت سرطاناً مقبولاً به من كافة الكيانات العربية الممزقة. وعلى هذا النحو لم يعد لنا من خيار إلا مواجهة هذه الفدرله بشتى الوسائل والأساليب المتاحة كي نعيد اللحمة من جديد على أسس علمانية وقومية تحمل الأماني والأمال المشتركة. أما القول بقواعد التدخل الإنساني لحماية الأقليات أصبح قولاً مفخخاً وغير مستقيم وقد يعرّض الهيكل العربي إلى التداعي والإنهيار على كافة الرؤوس. ولن يستفيد من سقـوط أعمـدة الهيكـل إلا إسرائيل وأدواتهـا فـي المنطقـة.
وأخيراً يمكن القول إن مجلس الأمن بالقرار الرقم 688 تاريخ 5 نيسان 1991 اعتبر أن قمع السلطة العراقية للمدنيين بما فيهم الأكراد والنزوح الكثيف للاجئين وعبر الحدود الدولية تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين في المنطقة مطالباً العراق بفتح حوار لضمان الحقوق الإنسانية والسياسية للمواطنين. وإن هذا القرار هو الوحيد في سلسلة قرارات مجلس الأمن المتعلقة بغزو العراق للكويت الذي يخرج عن نظام الفصل السابع. كما وأن لجنة القضاء على التمييز العنصري قد أشادت خلال عام 2001 بالتزام العراق بالإعلان الذي يعترف بالحقوق الإثنية الثقافية والإدارية للمواطنين الأكراد وبقانون الحكم الذاتي لعام 1974.
وختاماً: في الإنتحار الذي يحضّر له عن سابق تصور وتصميم:
طالعتنا الصحافة الأجنبية عن قيام الكونغرس الأميركي باقتراح مشروع قانون مآله التعاطي مع العشائر العراقية السنية وقوات البيشمركة قوات كردية كدول مستقلة وبوجوب تسليحها بمعزل عن الحكومة العراقية. وقد ذكر البرزاني في مقابلة مع شبكة «رووداو» الإعلامية في واشنطن أنه قد حقق نجاحاً كبيراً مع الرئيس الأميركي أوباما وحصل على تطمينات من هذا الأخير وأن هناك تفهماً كاملاً لدى الأمركيين لقضية الأكراد في شكل عام، يضاف أن الشريحة السنية العراقية تسعى أيضاً بشتى الوسائل إلى التسلح والتوجه إلى خلق كيانية مذهبية منعزلة ومنفصلة عن الجسد العراقي الواحد. وهنا لا بد من القول بجرأة:
تعالى أيها العقل العربي نعيد النظر من أجل خلق أفق علمي علماني جديد، بعد أن نحدد الداء ونجترح الدواء الذي يكفل دوام عزتنا وعنفواننا وقوميتنا ومصالحنا، وبالتالي نصبح بمنأى عن الإرتهان الأجنبي وأطماعه الخبيثة.