الحرب ا رهابية التكفيرية: مصير ووجود وسبل المواجهة
إبراهيم ياسين
تشتدّ المعركة اليوم بين محور المقاومة والمحور المعادي، وتتركز المعركة في شكل رئيسي في جرود القلمون وفي سورية والعراق واليمن.
وبدا واضحاً أنّ المحور المعادي، نتيجة فشله في تحقيق أهدافه على مدى أكثر من أربع سنوات، قرّر تسعير نار الحرب الإرهابية التكفيرية ضدّ الدولة السورية في محاولة حداث تحوّ ت في الميدان تعيد إحياء الرهان على إسقاط سورية وتعزيز موقف الدول الداعمة لقوى الإرهاب في أية مفاوضات لتسوية الأزمة إلى جانب تعزيز موقفها في الساحات الأخرى.
شك في أنّ الهجوم الذي تقوم به المقاومة، بالتعاون والتنسيق مع الجيش السوري، لتحرير جرود القلمون من الجماعات الإرهابية، شكل تطوّراً هاماً لما لهذه الجرود من أهمية استراتيجية بالنسبة إلى المحور المعادي لناحيتين:
الأولى، الاستمرار في استنزاف الجيش السوري من خاصرة العاصمة دمشق، والثانية إشغال المقاومة في عمقها اللبناني بعلبك والهرمل «القاعدة الخلفية»، ومنعها من السيطرة على هذه الجرود المهمة في أيّة معركة مقبلة مع العدو الصهيوني.
لذلك، شعر المحور المعادي بالقلق من سيطرة المقاومة والجيش السوري على المنطقة نّ ذلك سوف تترتب عليه نتائج سلبية في غير مصلحته، إن كان على صعيد الوضع الميداني في جبهات القتال في سورية، أو على صعيد إضعاف معنويات الجماعات المسلحة أو لناحية زيادة حالة ا حباط لدى قوى 14 آذار في الداخل اللبناني التي عملت وتعمل على توظيف وجود هذه الجماعات ا رهابية لتعزيز نفوذها في لبنان في مواجهة قوى 8 آذار. لذلك عمدت قوى 14 آذار إلى التشويش على الدور الوطني الذي تقوم به المقاومة دفاعاً عن جميع اللبنانيين عبر القضاء على الخطر ا رهابي الذي يتهددهم، وقد حاول سعد الحريري والدائرين في فلكه من سياسيين لبنانيين إنكار هذا «الخطر»، وتحوير طبيعة الصراع ومحاولة إعطائه طابعاً مذهبياً بتصوير بلدة عرسال على أنها مستهدفة من قبل المقاومة، ما يؤكد سعي الحريري الواضح إلى توفير الغطاء السياسي للجماعات الإرهابية التكفيرية التي تحتل جرود عرسال وبلدتها وعرقلة أي دور للجيش اللبناني في التصدي لهذه الجماعات الإرهابية على غرار ما فعله سابقاً في دعم وتسليح الجماعات الإرهابية المتطرفة في شمال لبنان، وقد لعب المسؤول العسكري في تيار المستقبل في مدينة طرابلس» عميد حمود» دوراً رئيسياً في ذلك، ولهذا جرى تهريبه إلى خارج لبنان بعد اعتراف بعض قادة المحاور المعتقلين لدى المحكمة العسكرية بدوره في تزويدهم بالسلاح والوقوف وراء عمليات التحريض والمواجهات المسلحة التي شهدتها مدينة طرابلس في السنوات الأخيرة.
من الواضح أنّ مهمة تحرير هذه الجرود اللبنانية المحتلة من قبل الجماعات الإرهابية، للحيلولة دون تحول بلدة عرسال إلى رهينة في يد الجماعات الإرهابية يتطلب، بالدرجة الأولى من الحكومة اللبنانية المعنية القيام بهذه المهمة الوطنية الملحة عبر اتخاذ قرار سياسي بتكليف الجيش اللبناني بالتنسيق مع المقاومة والجيش السوري لتحرير هذه المنطقة، ومنع تكرار كارثة مخيم نهر البارد في بلدة عرسال، لأنّ الإرهابيين يشكلون خطراً على جميع اللبنانيين من دون استثناء، والتخلص منهم واجب وطني، وليس فئوياً تماماً كما كان تحرير معظم مناطق الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الصهيوني.
أثبتت ا حداث أنّ المراهنة على ا رهاب والسعي إلى توظيفه لتحقيق مشاريع سياسية لهذه الدولة أو تلك، أدى إلى تداعيات سلبية على هذه الدول. وما حصل ويحصل اليوم من تمدّد لهذه القوى الإرهابية وتوسع خطرها ليشمل دول الغرب وحلفائها في المنطقة العربية، لهو أكبر دليل على ذلك. التفجير ا خير الذي نفذه داعش في القطيف السعودية والهجمات الإرهابية التي شهدتها بعض الدول الغربية، والتفجيرات ا رهابية التي شهدتها مناطق لبنانية في السابق .
و شكّ اليوم، أنّ الو يات المتحدة ا ميركية التي سعت إلى توظيف خطر داعش لتحقيق مكاسب سياسية في العراق وسورية استشعرت الخطر اليوم على مصالحها في المنطقة بعد تمدّد التنظيم وسيطرته على الرمادي في الأنبار في العراق، وعلى مدينة تدمر في شرق سورية، بحيث أصبح يسيطر على الحدود مع الأردن والسعودية، ولهذا قرّرت واشنطن العمل على إحداث تغيير في استراتيجيتها والتوقف عن اعتراضها على مشاركة قوى الحشد الشعبي إلى جانب الجيش العراقي في معركة تحرير الأنبار، والموافقة على تزويد العراق با سلحة التي امتنعت عن تزويده بها سابقاً.
إنّ محاولة حكام السعودية تسعير نار الحرب الإرهابية في سورية ووضع «فيتو» عبر تيار المستقبل أمام قيام الجيش اللبناني بدوره في تحرير جرود عرسال وبلدتها من احتلال الجماعات الإرهابية، إنما يستهدف التعويض عن فشلها المدوي في عدوانها على اليمن ومحاولة يائسة لتحقيق مكاسب سياسية تغطي بها هزيمتها وعدم قدرتها على فرض شروطها السياسية للحوار بين الأطراف اليمنية. فالسعودية باتت قلقة من ازدياد قوة محور المقاومة واختلال موازين القوى لمصلحته، وخصوصاً بعد الاتفاق النووي مع إيران الذي تجري صياغته بصورته النهائية، وبعد فقدان نفوذها في اليمن وعدم القدرة على إسقاط النظام في سورية بعد أكثر من أربع سنوات على بداية الحرب الإرهابية التي تشنّ عليها بدعم وتمويل سعودي خليجي وتركي ورعاية أميركية.
أمام ما تقدم، فإنّ من واجب كلّ القوى الوطنية والقومية والتقدمية في لبنان والعالم العربي التراص إلى جانب محور المقاومة ودعمه بالوسائل الضرورية، واعتبار المعركة ضدّ محور الإرهاب التكفيري والداعمين له معركة مصيرية، حياة أو موت- للدفاع عن وجود ا مة وعروبتها وحريتها وقضيتها المركزية في فلسطين، ولذلك مجال يّ جهة تعتبر نفسها في الخندق الوطني والقومي أن تكون على الحياد في هذه المعركة التي تستدعي حشد كافة الطاقات للفوز بها ومنع حصول نكبة عربية جديدة أكثر خطورة على الأمة حاضراً ومستقبلاً من نكبة سايكس ـ بيكو، التي أدّت إلى تقسيم الوطن العربي وضياع فلسطين وبقية ا راضي العربية المنسية.
وفي هذا السياق فإنّ قائد المقاومة السيد حسن نصر الله قد وضع النقاط على الحروف عندما أكد في خطابه الأخير في عيد المقاومة والتحرير على وحدة المعركة لمجابهة الخطر الإرهابي التكفيري الذي لا يقلّ خطورة عن الخطر الصهيوني، وبالتالي على ضرورة مواجهة هذا الخطر بتضافر قوى المقاومة والجيش والشعب التي شكلت المعادلة التي صنعت النصر على العدو الصهيوني عامي 2000 و 2006، وهي التي تشكل اليوم الضمانة لإلحاق الهزيمة بالمشروع الإرهابي التكفيري والدول الداعمة له. ذلك أنّ رهان البعض على التحالف الدولي بقيادة أميركا للقضاء على «داعش» إنما هو وهم. وهذا الرهان أثبتت التجربة مؤخراً في العراق وسورية عدم جدواه، فأميركا تسعى إلى احتواء «داعش» لمنعها من تهديد مصالح الغرب وحلفائه في المنطقة من ناحية، والعمل على توظيف واستثمار الخطر الإرهابي لتحقيق أهدافها السياسية في كلّ من سورية والعراق من ناحية ثانية، بهدف تقويض وحدتهما واستقلالهما الوطنيين، ويوفر الظروف الملائمة لعودة تسلل النفوذ الغربي الاستعماري إليهما في سياق سعي أميركا لتعويم مشروعها الشرق أوسطي القاضي بفرض الهيمنة الكاملة على الوطن العربي.
من هنا ليس أمام العرب، كلّ العرب لمواجهة هذا الخطر الإرهابي إ الاعتماد على أنفسهم وقدراتهم، والتوحد خلف قوى المقاومة سقاط هذا المخطط ا ستعماري الجديد الذي يريد إعادة إخضاعنا بواسطة قوى ا رهاب التكفيري بعدما فشل في تحقيق ذلك عبر حروبه العسكرية المباشرة.
ناشط سياسي