أتريدون القضاء على «داعش»؟… أطردوا قوات التحالف التي يقودها الأميركيّ
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
كتبت نارمين شارواني لـ«روسيا اليوم»:
مع سيطرة «داعش» على الرمادي وتدمر، فكّر كثيرون: «أين كانت القذائف الأميركية بينما كان ذلك يحدث؟»، وعلم العراقيون الآن أنّ وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر يرفض تحمّل المسؤولية عن هذه الخسائر، وها هم يعيدون احتساب مدى اعتمادهم على وعود واشنطن.
غير أن ما فاتهم من هذه الحسابات، أن الولايات المتحدة أرادت دوماً إقامة منطقة عازلة للسنّة بين سورية والعراق ـ وهي ضرورية لقطع الخط الجغرافي من إيران إلى فلسطين. وتوحي بعض تقارير استخبارات الدفاع الأميركية «DIA» التي رُفعت عنها السرية حديثاً أن الولايات المتحدة ستسعد بالتعامل مع أيّ جهة كانت لتحقيق هذا «العزل»، بما في ذلك «داعش».
آن الأوان للسيطرة على دول المنطقة الواقعة تحت تهديد التكفيريين المتطرفين وكسب المعركة ضدّ «داعش». أما اقتراحاتي، فتتلخّص في طرد الأميركيين وحلفائهم الداعمين لهم والتزام الشركاء الجدّيّين في هذه المعركة:
لا شك أنه كان وقتاً سيئاً لخصوم «داعش»، بعدما سجّل التنظيم الإرهابي أهدافاً نظيفة في مرماهم من خلال اجتياحه الاستراتيجي للرمادي في محافظة الأنبار ذات الغالبية السنيّة في العراق، واحتلال جوهرة سورية التاريخية… تدمر، والاستيلاء على مخيم التنف، آخر ما تبقى على المعبر الحدودي مع العراق. كما أن قيادة الولايات المتحدة للتحالف متعدّد الجنسيات الذي أُطلق في آب الماضي لإحباط توسّع «داعش» نحو سورية والعراق، لم تثمر شيئاً.
وتتبادل كل من بغداد وواشنطن الاتهامات للتغاضي عن القيام بالواجبات. وقد لمّح وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر في مقابلة أجرتها معه «CNN»: «يبدو أن القوات العراقية أظهرت عدم رغبة في القتال. بعدما فاقت القوة القتالية المعارضة عدداً. وهذا ما قيل لي… هناك مشكلة في إرادة العراقيين للقتال والدفاع عن أنفسهم».
لربما يتناسى كارتر أن العراقيين أحبطوا محاولات «داعش» المستميتة للسيطرة على الرمادي طوال ثمانية عشر شهراً. كذلك يبدو أنه يتناسى أن العراقيين هم من دافعوا عن ـ أو استردوا ـ القرى والمدن: أميرلي، سليمان بيغ، توز خورماتو، جرف الصخر، جلّولة، السعدية، خانقين، المقدادية، بعقوبة، السدّ العظيم، سدّ الثرثار، الحبّانية، حديثة، البغدادي، سدّ الموصل، جبل سنجار، أربيل، جوير، مخمور، وعشرات المدن المسيحية في سهل نينوى، تكريت، سامراء، وبلد والضلوعية، الدجيل، الإسحاقي، قناة العالم، الدور، البو عجيل، العوجة، المعتصم، عجيل، وللأسف حقول النفط، وجبال حمرين، ومصفاة نفط بيجي، وغيرها من عشرات القرى في محافظات صلاح الدين، ديالى، كركوك، الأنبار، وبابل ـ فضلاً عن العاصمة بغداد.
قُتِل العراقيون مرة أخرى. وهنا، يلقي النائب العراقي الحكيم الزاملي باللوم على الولايات المتحدة بالفشل في تأمين «المعدّات الجيدة، الأسلحة والدعم الجوّي» للقوات العراقية للحفاظ على الرمادي. ويخلص نائب رئيس الوزراء صالح المطلق، وهو السنّي من محافظة الأنبار إلى اعتبار الأميركيين مقصّرين في عدد من المجالات. «فضربات التحالف ليست كافية للقضاء على داعش. وعلاوةً على ذلك، فإن سياسة الولايات المتحدة تكمن في تجنيد العشائر السنيّة للمعركة». ويضيف: «جاءت متأخرة جداً، على غاية من الأهمية، إنما غير كافية».
تهدف واشنطن علناً منذ فترة طويلة إلى حشد قوة قتالية سنيّة، تعادل الحرس الوطني أو توازيه، مستعدّة دوماً لتجنّب مواجهة الحقائق.
تعلّمنا أمراً واحداً من مكاسب «داعش» في المدن السنيّة الصغيرة والكبيرة على السواء، أن الجماعات المتطرفة تفتخر بتأسيسها الخلايا النائمة داخل عدد من المدن السنيّة الصغيرة والكبيرة على السواء. تنقسم العشائر السنيّة وعائلاتها في ما بينها حول مدى الدعم والتأييد لـ«داعش». ويضمن المتشدّدون أن جميع هؤلاء سيكونون بمنأى عن حفلات التعذيب الوحشية والعشوائية. وبالتالي، فإن احتمال مواجهة «داعش» من قبل جماعات سنيّة مدرّبة ومجهزة في أيّ وقت قريب، مجرّد لا شيء.
كذلك الحال بالنسبة إلى القوة الجويّة التي تقودها الولايات المتحدة والتي قد تشلّ «داعش». تُعدّ طلعات واشنطن الجوية فوق سورية والعراق في الأشهر التسعة الأخيرة الماضية، أي منذ بدء هذه الحملة، أقلّ مقارنة مع تلك التي شنّتها «إسرائيل» على قطاع غزة بين عامَي 2008 و2009.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، أين كانت القذائف الأميركية عندما كانت الرمادي وتدمر تسقطان في أيدي «داعش»؟ ولمَ يبدو أن سلاح الجوّ الأميركي كان فعالاً بشكل جدّيّ ـ فقط عندما كان حلفاؤهم الأكراد يتعرضون للتهديد ـ كما في كوباني عين العرب ، وفي سورية وكذلك في أربيل العراقية؟
حسابات الولايات المتحدة في سورية والعراق
لو كانت الكلمات تعبرّ عمّا يدور من أحداث، لكانت أفعال واشنطن في الشرق الأوسط تصدح أصواتاً تصمّ الآذان.
فلْننسَ أمر ما يسمى بـ«العراق الموحّد» و«حكومة قوية مركزية». ولْننسَ بالتأكيد الأهداف المعلنة حول «تدريب القوى المعتدلة» لمقاتلة «داعش» عبر الحدود التركية والأردنية مع سورية. فهذا مجرّد كلام وترّهات.
سنرسم الآن نظرة بانورامية موضوعية مختلفة للغاية حول مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. يسعى الأميركيون إلى الحفاط على هيمنة كاملة في الشرق الأوسط، حتى بعد خروج قواتهم العسكرية من أفغانستان والعراق التي كان تورطهم فيهما مكلفاً للغاية. تنحصر مصالحهم الرئيسية في:
الوصول إلى الغاز والنفط بتكلفة منخفضة.
دعم «إسرائيل»، كما دائماً.
تقويض النفوذ الروسي كما الصينيّ في المنطقة.
كان يمكن للتشبّث بالهيمنة والسيطرة أن يكون أقلّ صعوبة وأكثر إمكانية للتحقق من دون وجود جمهورية إيران الإسلامية، المستقلّة والقوية، والتي لا تكفّ عن رمي العصي في وجه عدد من مشاريع واشنطن في المنطقة. إذاً، تعتمد الهيمنة ـ إلى حدّ ما ـ على إضعاف إيران وحلفائها الداعمين.
ومع التخلّص من نظام صدّام حسين في العراق، سهّلت الولايات المتحدة ـ ومن غير قصد ـ مدّ جسور تواصل جغرافيّ مباشر بين إيران وفلسطين، تاركةً المشروع الاستعماري «الإسرائيلي» يتهالك ويتهاوى. تولّى الرئيس الأميركي السابق، جورج دبليو بوش، مهمة تقويض محور المقاومة الموالي لإيران ـ حماس، حزب الله وسورية، غير أن مهمته تلك مُنيت بالفشل.
وما لبث أن شكل «الربيع العربي» فرصة رائعة لإعادة تنظيم الصفوف: تحوّلت الولايات المتحدة وتركيا وحلفاؤها الخليجيون إلى العمل على تهيئة الظروف الملائمة لتغيير النظام في سورية. أما الهدف؟ فكسر هذا الخط الجغرافي من إيران ـ عبر العراق، سورية ثم لبنان ـ إلى فلسطين.
لكن، عندما فشل هؤلاء في تغيير النظام، تحوّلوا إلى الخطة «ب»: تقسيم سورية إلى أجزاء متعدّدة متقاتلة، ما يضعف السلطة المركزية ويخلق منطقة «عازلة» موالية للولايات المتحدة على طول الحدود مع «إسرائيل».
كذلك، فإن إضعاف السلطة المركزية في العراق من خلال تقسيم البلاد إلى دول كردية، سنيّة وشيعيّة، كان ولا يزال من أولويات الولايات المتحدة في المنطقة وأهدافها.
علينا فقط أن نلقي نظرة على بعض الإجراءات الأخيرة ـ غير المعلنة ـ التي اتخذتها الولايات المتحدة في العراق. إن الحملات العسكرية الجوية الأميركية كانت مكثفة، فقط عندما كان «داعش» يهدّد الوجود الكردي في أربيل. فقد خرق الكونغرس في قراراته جميع المعايير الدولية من خلال تشريع التسليح المباشر للميليشيات الكرديّة والسنيّة، وحتى الحكومة المركزية في بغداد. وعلى رغم الوعود والالتزامات التي لا نهاية لها، فقد فشل الأميركيون في خلق جيش عراقي وقوات أمن هناك، قادرة على القيام بعمل مفيد.
إن عراقاً ضعيفاً ومقسّماً، لا يمكن أن يصبح قوة إقليمية متحالفة مع إيران ومحور المقاومة. وكذلك الحال مع سورية ضعيفة ومقسّمة. لكن، وبعيداً من سيطرة الولايات المتحدة على هذه الحكومات المركزية، فإن تحقيق هذا قد يصبح ممكناً، من خلال:
1 خلق فتنة طائفية وعرقية تنشئ مخازن «عازلة» للولايات المتحدة داخل «دول المقاومة».
2 إنشاء منطقة «سنيّة عازلة» تكسر الخط الجغرافي القائم بين إيران وفلسطين أو تقوّضه.
«داعش» اليوم… المنطقة «السنيّة العازلة»
يوافق العميد المتقاعد الوليد سكرية، وهو نائب لبناني سنيّ، ومؤيد للمقاومة على أن «داعش» سيكون أفضل بالنسبة إلى كلّ من الولايات المتحدة و«إسرائيل» من دون وجود إيران وعراق وسورية أقوياء… فإذا ما نجحوا في ذلك، فإن الدولة السنيّة في العراق ستنفصل عن المقاومة في فلسطين.
وبينما تسعى واشنطن إلى إنشاء هذه المنطقة العازلة في العراق على طول الحدود السورية، فهي في واقع الحال أمضت سنوات في محاولة القيام بذلك، وفشلت الفكرة وما لبثت أن تعفنت، عندما أصبح قادة العرق بمثابة الخاتم المطيع في إصبع واشنطن الساعية إلى الهيمنة.
ومثالٌ بسيط على ما أوردناه، ما ذكره ممثلو اثنين من أبرز العشائر السنيّة التي تقاتل «داعش» في الأنبار ـ البو علوان والبو نمر ـ أمام الموفد الأميركي هناك الجنرال جون آلن في كانون الأول الماضي، وذلك في تصريح نُشر في صحيفة «الجريدة»: «نحن من نقاتل داعش، ونُذبح، ونعاني من شحٍّ في الإمدادات العسكرية. ونرى في الوقت الحالي أن كثيرين غيرنا يحجّون إلى الولايات المتحدة ليصبحوا قادتنا في ما بعد».
لكن، لمَ تجاهل هذه الجماعات السنيّة المعارضة علناً لـ«داعش»؟ أليسوا هم المكوّنات الطبيعية لأميركا داخل العراق؟
تعتبر هذه الجماعات التكفيرية أدوات لواشنطن. فلـ«داعش» القدرة على نقل مشروع الولايات المتحدة «العازل» إلى حقيقة واقعية، في الوقت الذي تتنافس فيه الفصائل السنيّة فيما بينها، خصوصاً في بغداد. وهكذا، تصبح مخططات واشنطن جاهزة، من دون الحاجة إلى الدم، المال والقوة البشرية للقيام بها.
وفي الأسبوع الماضي فقط، نشرت مجموعة الحكومة للمراقبة القضائية تقريراً وضع عام 2012 من قبل وكالة استخبارات الدفاع الأميركية « DIA» ـ كانت قد رفعت عنه السريّة ـ يلقي الضوء على طبيعة الحسابات الأميركية في سورية.
كُتب هذا التقرير خلال الأشهر الستة عشر الأولى من الأشهر الخمسين للصراع السوري، وتتكشّف عنه وثائق في غاية الأهمية:
«السلفيون، الإخوان المسلمون، وتنظيم القاعدة في العراق، هي المجموعات الإرهابية الرئيسية التي تحرّض على التمرّد في سورية، ويدعم الغرب، دول الخليج وتركيا هذه الحركات المعارضة».
«ركزت الحكومة السورية أولوياتها على تأمين المناطق الموالية للحكومة وطرقات النقل الرئيسية، ما يعني تقليل النظام تركيز الحماية في المناطق المتاخمة للحدود مع العراق مثل الحسكة ودير الزور ».
«تحاول القوات المعارضة السيطرة على المناطق الشرقية المحاذية للحدود العراقية الموصل والأنبار … وتدعم الدول الغربية، الخليج وتركيا هذه الجهود».
«يخلق تدهور الوضع هناك جواً مثالياً للقاعدة لاسترجاع جيوبها القديمة في الموصل والرمادي…».
«وقد يُكشف النقاب عن إمكانية قيام إمارة سلفية معلنة أو غير معلنة في الشرق السوري، وهذا هو تحديداً ما تريده القوى الداعمة للمعارضة هناك، بهدف عزل النظام السوري، الذي يشكل بيئةً حاضنةً للتمدّد الشيعي العراقي والإيراني».
يؤكد تقرير وكالة استخبارات الدفاع الأميركية «DIA» أن تصعيد هذا النوع من الصراع، يعزّز الطائفية والعنصرية، ويزيد من إمكانية نشوء دولة إسلامية حقيقية على الحدود السورية ـ العراقية، دولة من المرجح أن يحكمها تنظيم «داعش» في العراق وسورية.
لكن، ما الذي فعلته واشنطن عند تلقيها هذه المعلومات؟ لقد كذبت، بكلّ بساطة.
فبعد أقلّ من شهر واحد على نشر تقرير « DIA»، عرض وزير الخارجية الأميركي جون كيري هذا التقرير على لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ينفي فيه ما ذُكر عن المعارضة السورية قائلاً: «لا أوافق على أن غالبية هذه المعارضة تُعدّ من القاعدة والأشخاص السيئين. هذا ليس حقيقياً. فهناك حوالى سبعين إلى مئة ألف من المعارضين… وقد يكون بينهم من 15 إلى 20 في المئة فقط من هؤلاء الذين نصنفهم بالأشرار… فالمتوجدون هناك هم عبارة عن معارضة معتدلة».
وباستخدام هذه القصة الملفقة حول «المعارضين المعتدلين» الذين يحتاجون إلى المساعدة لقتال «النظام السوري المجرم»، فإن الحكومة السورية أبقت الصراع السوري محموماً، لأنها أدركت تماماً أن النتائج ستكون في إنشاء كيان سنيّ متطرف يمتدّ على طول الحدود السورية العراقية… والذي قد يشلّ «العمق الاستراتيجي للتوسع الشيعي» على حدّ تعبير الأميركيين.
وهذا ما علّق عليه المحلّل في شؤون الإرهاب وعضو العلاقات الخارجية ماكس أبراهام عبر «تويتر» بالقول: «يترجم تقرير DIA في الخامس من آب 2012 كلّ ما كان يردده الأسد في شأن خصومه في الداخل والخارج على حدّ السواء».
كيف نقاتل هذا «الفرانكشتايني» الأميركي؟
اشتكى عدد من المسؤولين العراقيين منذ السنة الماضية، عن تسليح الولايات المتحدة لـ«داعش». وأوضحت المصادر العسكرية ـ من جانب آخر ـ أن التحالف الأميركي يرفض طلب القوات العراقية تأمين تغطية لهم أثناء العمليات العسكرية البريّة. فإذا لم يكن في نية الولايات المتحدة لعب دور قتاليّ حقيقيّ في العراق ضدّ «داعش»، فلمَ نقوم نحن، بإزعاجهم؟
يوصف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالرئيس الضعيف والحليف للولايات المتحدة الذي سيعمل دوماً على إبقاء التوازن بين المصالح الأميركية وتلك الخاصة بجارته الإيرانية.
لكن، وبعد سقوط الرمادي الكارثي، وغير ذلك من الأخبار المريعة التي تأتينا من الداخل السوري، فإن للعبادي فرصة ضئيلة في التخفيف من فداحة هذه الخسائر. فهو أمر الآلاف من قوات الحشد الشعبي أي الجماعات العسكرية الشيعية المعروفة باسم قوات التعبئة الشيعية بالزحف إلى الأنبار لاستعادة السيطرة على الرمادي. واللافت أن هذا أتى بمباركة سنّة الأنبار الذين صوّتوا بغالبية ساحقة لتلقي الدعم العسكري من قوات الحشد الشعبي.
ينضمّ إلى قوات الحشد بضع آلاف من المقاتلين السنّة، ما يُقرأ على أنه قبول سياسيّ. وإذا ما سارت عملية الرمادي على ما يُرام، فإن الجهود السنيّة ـ الشيعية المتضافرة والتي أثبتت أيضاً نجاحها في تكريت قد تقدم نموذجاً عراقياً يُحتذى في وجه القاصي والداني.
ألقت الخسائر الأخيرة لمعارضي «داعش» بظلالها على كلّ من لبنان وروسيا مروراً بإيران، مع التزام الإمداد بالأسلحة، والقوة البشرية والتمويل. وحتى لو استُعيدت السيطرة على الرمادي، فلن يوقف هذا التجمع مسيرته، بل سيشكل زخماً للاندفاع نحو الأراضي التي يسيطر عليها «داعش» على الحدود السورية. وهناك سبب جيد للقيام بذلك: فالمجنّدون الذي استولوا على الرمادي اجتازوا الحدود السورية تحت مرأى قوات الاستطلاع الأميركية ومسمعها.
وكان مسؤول مقاوم رفيع المستوى قد قال لي مؤخراً هذه السنة: «لن نسمح بقيام مساحةِ تمدّدٍ جغرافية وديمغرافية بين سورية والعراق. سنعمل على دفع مقاتلي داعش السوريين إلى الداخل السوري، والعراقيين إلى العراق».
وفي الوقت الراهن، فإن المفتاح المناسب لدحر المكاسب التكفيرية داخل المسارح السورية الشرقية والشمالية الغربية، يكمن في تعزيز المشهد العسكري في العراق. والأولوية الحتمية في تحقيق ذلك، يكون لتطهير أي نشوء لدولة «عازلة» بين سورية والعراق.
منذ حوالى ثمانية عشر شهراً، وفي تحليل حول كيفية قتال الجهاديين من الشام وحتى الخليج الفارسي، كتبتُ عن بعض الحلول المتاحة لهذه المعركة في المنطقة، وتحديداً من تلك الدول التي يتعرّض أمنها للخطر، او لنقل تقع تحت التهديد المباشر: لبنان، سورية، العراق وإيران.
وقلتُ إن هذه الدول الأربع قد ترفع من تعاونها العسكري مع اشتداد المعارك، وأنها قد توفر الأرضية الوحيدة في المنطقة لهذا القتال.
وهذا ما سيحصل. غير أن تأمين التغطية الجوية مكوّن أساسيّ للعمليـات الهجوميـة الناجحـة، حتى في حالات الحرب غير التقليدية. وإذا كانت الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها واهية وغير قادرة على تأمين المساعدة المطلوبة أو غير راغبة في القيام بتغطية جوية مطلوبة، فعلى العراق حينها تحويل أنظاره إلى إمكانية تلقي التغطية مـن طـرف آخـر، قـد يكـون إيـران أو روسيـا، وقـد نصـل قريبـاً إلـى هنـاك.
يحتاج كلّ من العراق وسورية إلى دمج استراتيجيتهما العسكرية بشكلأ أقوى ـ مجدّداً، بهدف إتاحة الفرصة للإيرانيين والروس إلى توفير خبراتهما القيّمة. فالدولتان جاهزتان للقيام بهذه الأفعال والدافع لديهما قويّ للغاية.
يفعّل حزب الله ـ تلك القوة اللبنانية المقاوِمة ـ وجوده في ساحات المعارك، كما وعد أمينه العام السيد حسن نصر الله منذ فترة، بأن هذا الحزب لن يحدّ من تواجده جغرافياً بعد الآن، وسيذهب إلى حيث يتواجد أعداؤه التكفيريون. فالجهات الفاعلة غير الحكومية التي صنعت الجهاديين والتكفيريين لا يمكن أن تُهزم من قبل الجيوش التقليدية، ولهذه الأسباب اعتادت الميليشيات المحلية على اعتبار الحروب غير المتكافئة الحروب على أنها الأنسب لهذه المعارك.
لم تطالعنا أيّ ردود فعل شاجبة لاحتلال «داعش» للرمادي من قبل الأميركيين، وقد أشار قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني إلى هذا منتقداً: «لا يقف أحد اليوم في مواجهة داعش سوى الجمهورية الإيرانية، والدول المدعومة من إيران أو تلك التي تقف إلى جانبها». لقد أصبح الإيرانيون الشخصيات الأبرز في مكافحة الإرهاب، على طول الخط مع واشنطن التي تبعد عنهم 6000 ميلاً.
على الولايات المتحدة تركيز اهتمامها على الأولويات الضرورية لتقويض التطرّف فيما لو كانت تنوي فعلاً الالتزام الحقيقي في الحرب على الإرهاب:
تأمين الحماية للحدود التركية والأردنية لمنع تدفق المزيد من «الجهاديين» إلى سورية والعراق.
معاقبة الدول وكذلك الأفراد الذين يموّلون التكفيريين ويسلّحونهم، ومعظمهم من حلفاء الولايات المتحدة، والذين ـ ومن المفارقات ـ يعتبرون أنفسهم جزءاً من «الائتلاف» الذي يحارب «داعش».
تبادل المعلومات الاستخبارية الدقيقة حول تحركات «الجهاديين» في الدول التي تدور فيها رحى المعارك.
آن الأوان للتقليل من فداحة هذه الخسائر والتصرّف بجدّية أكبر مع التطرّف. فإذا بقي التحالف عاجزاً عن توجيه الضربات الجوية، وفقاً للتوجيهات الصحيحة للدول السيادية التي أضحت تقف وجهاً لوجه أمام هذا الخطر الإرهابي الكبير، فربما يكون البديل الوحيد الاستعانة بالحلفاء الملتزمين قضية التخلّص الجدّي من الإرهاب، لتنظيف الرقعة الجوية السورية والعراقية من طائرات التحالف الأميركية.