سورية: الحلّ السياسي والمقولات السائدة
حميدي العبدالله
مقولتان تردّدهما الدول والجماعات التي خاضت وتخوض الحرب على سورية، ويردّدهما الإعلام التابع لهذه الدول صبحاً ومساءً وعلى امتداد الليل والنهار.
المقولة الأولى، أنّ لا حلّ سياسي مع الرئيس بشار الأسد. والمقولة الثانية، عندما يتمّ التسليم بالحلّ السياسي، فإنّ مفهوم الحلّ السياسي هو نقل السلطة من الحكومة الحالية والنظام الدستوري الحالي إلى نظام جديد تكون الكلمة الفصل فيه للقوى التي تخوض الحرب على سورية، سواء كانت جماعات محلية، أو دول أجنبية وإقليمية.
بديهي أنّ من يردّدون هذه المقولات يتصرّفون على قاعدة أنهم ربحوا الحرب، وما على النظام سوى الاستسلام والذهاب إلى لقاء ينظم نقل السلطة. ولكن واقع الحال هو غير ذلك، منذ بداية الحرب على سورية وحتى الآن. بمعنى آخر برغم المكاسب التي حققتها الحرب وإخراج مناطق عن سيطرة الدولة، لا تزال الدولة السورية هي الطرف الأقوى في الحرب الدائرة، سواء تلقت دعماً من حلفائها أم لم تتلقّ هذا الدعم. دعم حلفاء سورية في ضوء مستوى التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية مهمّ لتحقيق الانتصار واستعادة السيطرة على المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة، لكن لا يتعلق بحقيقة كون الدولة طرفاً رئيسياً في الصراع. وطالما أنّ الدولة بما تمثل، وما لديها من قدرات، بدعم أو من دون دعم الحلفاء، تشكل طرفاً أساسياً في الصراع في سورية، فإنّ أيّ حلّ سياسي جدّي للأزمة ينهي الحرب الدائرة ويوقف سلسلة الخراب والموت، عبر حوار بين الأطراف السورية لا بدّ أن ينطلق من مسلّمتين، لا ثالثة لهما:
المسلمة الأولى، الإقرار بأنه لا يكون ثمة حلّ يوقف الحرب من دون التفاهم وتلبية مطالب ومصالح الطرف الرئيسي، وإلا استمرّت الحرب سنين وسنين إلى أن يتغلب في الميدان فريق على فريق آخر، وعندها لا حاجة إلى الحلّ السياسي.
المسلمة الثانية، أنّ كلّ فريق من أفرقاء الصراع السوريين، أو الصراع في سورية وعلى سورية هو دون غيره الذي يحدّد من يمثله في المفاوضات وفي الحلّ، وفي صياغة مستقبل سورية. ومثلما أنّ الحكومات الغربية وحكومات المنطقة هي التي اختارت رموز المعارضة الذين نصّبتهم ممثلين للشعب السوري، وهم لا يمثلون شيئاً في سورية لا على مستوى المعارضة ولا على المستوى الشعبي، من حق مؤيدي الدولة في سورية أن يحدّدوا من يمثلهم في الحوار وفي صياغة مستقبل سورية، وفي إدارة شؤونها في حال التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.
في حال تمّ رفض هذه المسلمات، فهذا يعني أنّ الذين يتحدثون عن الحلّ السياسي، ويطالبون بنقل السلطة من دون اتفاق مع الطرف الحكومي، أو يحدّدون من يمثل ومن لا يمثل الدولة ومؤيديها في الحوار وفي الحلّ السياسي وفي صياغة مستقبل سورية وقيادتها في مرحلة الإعمار، هذا يعني أنّ هؤلاء في واقع الحال يرفضون الحلّ السياسي، ويصرّون على استمرار الحرب، لا أكثر ولا أقلّ.