الرقم الصعب لبنان على «طريق الحرير»

إنعام خرّوبي

بعد قيامه عام 1860 برحلات عديدة إلى أقطار الشرق، عاد منها إلى أوروبا عام 1872، أطلق العالم الجيولوجي والرحالة الألماني فرديناند فون ريتشهوفن على هذا الطريق التجاري المنطلق من الصين حتى روما اسم «طريق الحرير»، فصار هذا الاسم في عصرنا الحاضر موضع بحث واهتمام جديين، وخصوصاً مع تعاظم النفوذ الصيني في العالم.

وفي العام 2013 طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ فكرة بناء «حزام طريق الحرير الاقتصادي» أثناء جولة قام بها في دول آسيا الوسطى، وقد لقيت هذه الفكرة إجماعاً واسعاً في قمة مجموعة شنغهاي للتعاون التي عقدت في العاصمة القرغيزية بشكيك، ومن شأن هذا الحزام الاقتصادي أن يعزز العلاقات التي طالما جمعت الصين مع البلدان العربيّة على مرّ العصور.

وبالنسبة إلى لبنان الذي استضاف الأسبوع الماضي مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين تحت عنوان «بناء حزام اقتصادي لطريق الحرير»، فأمامه الكثير من الفرص لتطوير العلاقات مع الصين على المستويات كافة وليس على المستوى التجاري فقط، وبما يتناسب مع تحدّيات المرحلة، لكنّ هذا لن يكون بالمهمّة السهلة في ظلّ التطورات والأزمات التي تشهدها المنطقة، وفي ظلّّ الانقسام السياسي الداخلي الذي يعيق تطوير الاقتصاد، وغياب رؤية اقتصادية واضحة تجاه الصين، وهذا ما بدا من خلال الإعلان المتأخر، إلى حدّ ما، عن عزم لبنان الانضمام كعضو فاعل إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية، على لسان رئيس الحكومة تمام سلام الذي توقع «أن تتسعَ الشراكة مع الصين وتتعزَّز بفعل الآفاق الجديدة للتعاون، التي يفتحُها المسارُ الاقتصادي لمشروع طريق الحرير».

وقد رأى البعض أنّ تأخر لبنان في الإعلان عن عزمه الانضمام إلى البنك الآسيوي كان نوعاً من النأي بالنفس عن الكباش الصيني ـ الأميركي على النفوذ الاقتصادي في العالم، وأنّ ما شجعه لاحقاً هو انضمام دول كبرى وحليفة لأميركا كبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

حتى الآن تقتصر العلاقات اللبنانية مع الصين على التبادل التجاري، ولكن، في أيّ موقع هو لبنان من حجم هذا التبادل التجاري الكبير مع المارد الصيني؟ وهل العلاقات التجارية متكافئة؟ بالطبع لا، وهذا لا ينطبق فقط على لبنان، بل على بقية الدول العربية، فالتكافؤ سمة غير موجودة في هذه العلاقات لا على صعيد التبادل التجاري، بحيث تستورد تلك الدول، ومنها لبنان، أكثر بكثير مما تصدّر إلى الصين، ولا على صعيد الاستثمارات، ذلك أنّ حجم الاستثمارات الصينية في البلاد العربية لا يقارَن بحجم نظيرتها العربية في الصين.

وبالنسبة إلى لبنان، فهو يستورد من الصين ما قيمته حوالى 3 مليارات دولار سنوياً، بينما لا تتخطى قيمة صادراته إليها في أحسن الأحوال 10 مليون دولار، كما أنّ المنتج اللبناني لا يلقى معاملة تفضيلية من قبل الصين على غرار منتجات دول أخرى، بل على العكس هناك منتجات كزيت الزيتون مثلاً تفرض الدولة الصينية عليها ضريبة تصل إلى 40 في المئة، في حين تُمنح دول الاتحاد الأوروبي إعفاءات ضريبية على المنتج نفسه.

ورغم أنّ القطاع الخاص اللبناني حقق نجاحات كبيرة على صعيد بناء وتطوير العلاقات مع الصين، بحيث يأتي في طليعة بناة هذه العلاقة، رئيس «الهيئات الاقتصادية» ورئيس «اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في العالم العربي»، الوزير السابق عدنان القصّار والذي كان أول عربي يدخل السوق الصيني، يوم كانت الصين تعيش حصاراً تجارياً في العام 1954، إلا أنّ هذا النجاح يجب أن تواكبه خطة حكومية عبر تعزيز الصناعات اللبنانية وتطوير الأعمال وتنمية الخبرات والطاقات لكي يتمكن لبنان من لعب دور في الأسواق الدولية، والعمل على تصويب العلاقات مع الصين بحيث تصبح متكافئة، وخصوصاً أنّ لبنان من الأسواق الواعدة التي تنظر إليها بكين وفيها الكثير من الفرص الاستثمارية، لا سيّما بعد الاكتشافات النفطية الجديدة في منطقة المتوسط، كما أنّ لبنان يمكن أن يجني فوائد جمّة من خلال الحضور مع الصين في أكبر مصرف استثماري في العالم مع ما يعني ذلك من فرص تمويل، وخصوصاً أنّ البنية التحتية في لبنان في حاجة إلى ما يقارب 10 مليارات دولار.

فهل يستفيد المسؤولون اللبنانيون من مبادرة «طريق الحرير» بما يعود بالفائدة على الاقتصاد اللبناني وخلق فرص عمل وبيئة استثمارية جديدة، أم أنّ علاقاتهم بالدول الكبرى والمؤثرة لا تتخطى خلافاتهم السياسية وحساباتهم الضيقة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى