سورية… ساحة الحروب الثلاث
د. عصام نعمان
في اختتام الاجتماع الأخير لمجموعة «أصدقاء سورية»، أعلن وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ أن الحل السياسي لإنهاء الحرب في سورية بعيد المنال. وصارح الأصدقاء كما الأعداء بقوله: «برغم المكاسب العسكرية لقوات نظام الأسد، فإن المجموعة تعتقد أن أي طرف لن يحقق نصراً عسكرياً. إن هدف المجموعة هو مضاعفة الجهود من أجل التأكد من بقاء المعارضة المعتدلة».
بقاء المعارضة، إذاً، هو الهدف. ذلك يتطلّب بالضرورة بقاء الحرب، مع أن «أيَّ طرف لن يحقق فيها نصراً عسكرياً». أيُّ حرب هي هذه الحرب وضد مَنْ؟
إنها، في الواقع، ثلاث حروب في آن:
أولاها، حربُ الولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين والعرب ضد سورية وإيران والإرهاب.
ثانيتها، حرب سورية ضد «إسرائيل»، وحلفائها الأطلسيين، والإرهاب.
ثالثتها، حرب روسيا وإيران غير المباشرة ضد الدول الأطلسية وضد «إسرائيل» والإرهاب.
من الواضح أن الإرهاب هو القاسم المشترك الوحيد بين مختلف الأطراف في الحروب الثلاث. مع ذلك، فإن كلاًّ من الأطراف المتحاربين يعتبر أن ثمة طرفاً إضافياً أو أكثر يشكّل له تهديداً يستوجب المحاربة بصورة متزامنة مع الحرب ضد الإرهاب.
إلى هذه المفارقة، ثمة مفارقات أخرى. فالولايات المتحدة تنشط ضد سورية ورئيسها، لكنها ليست ضد الجيش السوري. لماذا؟ لأن الجيش السوري قوة صلبة ضد الإرهاب ولا يجوز، تالياً، تمكين التنظيمات الإرهابية من التغلّب عليه. أكثر من ذلك، لا يجوز تمكين أطراف «المعارضة المعتدلة» من التغلّب عليه. لماذا؟ لأن واشنطن تأمل بأن يكون الجيش هو قوام السلطة اذا ما قيض لها إزاحة الرئيس بشار الأسد. حتى لو تمكّن الأسد من الفوز بولاية رئاسية جديدة والصمود في موقعه، وهذا أمر مرجّح، فإن واشنطن ليست في وارد تفكيك الجيش السوري وربما ليس في مقدورها كما سبق لها أن فعلت بالجيش العراقي لأن من شأن ذلك ترك البلاد مسرحاً للفوضى وقاعدة حشد وانطلاق للتنظيمات الإرهابية. هذه الأمثولة استخلصتها الولايات المتحدة من تجربتها الفاشلة والمكلفة في العراق.
في المقابل، تنشط التنظيمات الإرهابية ضد سورية والجيش السوري، وبعضها ضد الولايات المتحدة، لكنها لا تنشط ضد «إسرائيل» في الوقت الحاضر. لماذا؟ لأنها تحتاج إلى «إسرائيل» لوجستياً، ولا سيما في جبهة حوران الجنوبية المحاذية للجولان السوري المحتل، حيث تساند «إسرائيل» التنظيمات الإرهابية بالدعم المدفعي ضد مواقع الجيش السوري، وتستقبل المئات من جرحاها وتتولى تطبيبهم في مستشفيات طبريا وصفد ونهاريا؟
في ظل هذا الوضع الإقليمي والدولي المضطرب والمعقّد، يقوم اللاعبون الكبار والصغار ببعض الألعاب والألاعيب اللافتة. فالولايات المتحدة تثابر على الإيحاء لقوى «المعارضة المعتدلة» بأنها لن تسمح للرئيس الأسد بالبقاء، وتمدّها بالمال وبـ»أسلحة غير قاتلة»، لكنها ترفض تزويدها صواريخ مضادة للطائرات لأنها لا تريد إعاقة سلاح الجو السوري في حربه ضد التنظيمات الإرهابية.
«إسرائيل» تثابر على الإيحاء من خلال تصريحات مسؤوليها الكبار وقدامى قادتها العسكريين والاستخباراتيين أنها تفكر بالتدخل بصورة فاعلة في الحرب السورية لمنع الجيش السوري من تسجيل نصر حاسم على أعدائه الميدانيين لئلا يصبّ ذلك في مصلحة محور المقاومة والممانعة.
فرنسا تحاول تفعيل إجراءات تطويق سورية سياسياً وأمنياً باقتراح مشروعيّ قرارين في مجلس الأمن، يدعو الأول إلى إحالة الرئيس الأسد على المحكمة الجنائية الدولية فيما يدعو الثاني إلى توفير ممرات للمساعدات الإنسانية داخل سورية في ظل الفصل السابع ما يمكّن الدول الكبرى الأطلسية من استعمال القوة ضد دمشق إذا حالت سلطاتها وقواتها دون وصول المساعدات إلى المتضررين والنازحين.
روسيا، ومثلها إيران، تدعمان سورية في حربها على الإرهاب كما تؤيدان إجراء انتخابات رئاسية في مطلع الشهر المقبل. نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف اعتبر الانتخابات وسيلة للمحافظة على وحدة المؤسسات الرسمية السورية.
في غمرة هذه الصراعات، يترسمل الأسد على مكسب تحرير حمص، التي كانت تُطلق عليها فصائل المعارضة لقب «عاصمة الثورة»، ويعتبره مؤشراً لفشل الحل السياسي للأزمة وفق مخطط الحلف الأطلسي. منه ينطلق لتحقيق مكسبين إضافيين: الأول، إزاحة مقاتلي «جبهة النصرة» من الأحياء الشمالية الشرقية في حلب، وطرد تنظيم «داعش» من الشطر الشمالي الشرقي من دير الزور. الثاني، الترسمل على هذين المكسبين المحتملين من اجل تأمين إجراء الانتخابات الرئاسية في كل مراكز المحافظات السورية ما عدا الرقة حيث يبدو «داعش» قادراً على الاحتفاظ بها لفترة غير وجيزة.
مجموعة «أصدقاء سورية» تعارض بشدة إجراء الانتخابات الرئاسية، وتعتبرها غير شرعية، وتدعو «المجتمع الدولي كافة إلى رفضها»، كما تتعهد «بتغيير الأوضاع على الأرض» كما «بزيادة الدعم للمعارضة المعتدلة». في هذا السياق، قال الرئيس أوباما لزعيم «الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية» أحمد الجربا إن الحل السياسي هو المخرج من الأزمة. لكنه أكد له، كما مساعدوه، على متابعة دعم المعارضة السورية بـ»أسلحة غير قاتلة» ما يعني استمرار تمكينها من متابعة الحرب.
إلى ذلك، تسعى «إسرائيل»، مدعومةً ببعض الخبراء في مجلس الأمن القومي الأميركي، إلى الترويج من جديد لفكرة إقامة مناطق حظر جوي في سورية. يقول هؤلاء: إذا كان تزويد المعارضة بالصواريخ المضادة للطائرات والدبابات ينطوي على خطورة تسربها إلى أيدٍ غير صديقة، فإن البديل الآمن هو في أن تتولى الولايات المتحدة أو الحلف الأطلسي مهمة إقامة مناطق حظر جوي في سورية لمنعها من استخدام طيرانها الحربي. الحظر يؤدي، في رأيها، إلى إلغاء تفوقها على قوات المعارضة التي لا تمتلك طائرات ولا صواريخ مضادة لها.
هل توافق واشنطن على اعتماد هذا البديل؟
ثمة مؤشران إلى ما يمكن أن يكون الجواب عن السؤال:
الأول، ما ستنتهي إليه جولة المفاوضات بين مجموعة 5+1 وإيران في الشهر المقبل. ذلك أن عدم التوصل إلى تسوية «نووية» في هذا المجال قد يدفع واشنطن إلى الموافقة على إقامة مناطق حظر جوي بغية ممارسة مزيد من الضغط على إيران من خلال الضغط على حليفتها سورية.
الثاني، التباطؤ في تعيين وسيط دولي بديل من الأخضر الإبراهيمي المستقيل بقصد استغلال الوقت الضائع للضغط، بشتى الوسائل المتاحة، على كلٍ من إيران وسورية.
في هذه الأثناء، تبقى سورية ساحة لحروب ثلاث متزامنة وضارية وليس، بعد، من ضوء يلوح في نهايات أنفاقها المظلمة.
وزير سابق