الحلف الأميركي: إبحار نحو التقسيم

وليد زيتوني

ليس اكتشافاً القول إنّ المشروع الأميركي يستهدف تقسيم المقسّم. فهو يعلن عبر إداراته المتكرّرة، ومن خلال مراكز أبحاثه وعلى ألسنة مفكريه نيته المعلنة بذلك وليست المضمرة، بل وإذا قضت مصلحته أن يجري تعديلاً على خرائطه المرسومة للمنطقة إلى أقسام أصغر وأصغر، فلن يتوانى عن فعلته. ومشروع التقسيم كما هو معلن لن يقتصر على بلد دون آخر، وإنما ترتبط الأولوية بمسألتي القابلية الذاتية والحاجة الأميركية المباشرة. فمصر والسعودية واليمن وسورية والعراق ولبنان وليبيا والسودان والجزائر موجودة فعلاً على روزنامة التفتيت.

وليس سراً أنّ هذا المشروع لا ينجح بالإرادة الأميركية وحدها، ولا بالتمني الصهيوني فقط، وإنما بعوامل ذاتية داخل كلّ كيان أهمّها على الإطلاق مساندة فئة من شعب هذا الكيان للمشروع بشكل مباشر أو مداورة. فالصراعات الداخلية في معظم الدول المطروحة على طاولة التقاسم وصلت إلى طريق مسدودة، ومنها، بل وفي معظمها، وصل إلى حدود الحرب الأهلية.

طبعاً، هذا الصراع لم يأت من العدم، وإنما من جهود دفعتها الإدارة الأميركية بالتعاون مع رؤساء ومسؤولين وزعماء محليين. حيث قامت هذه الإدارة بتنظيم دورات تدريبية لمؤسسات في المجتمع المدني على كيفية القيام بانقلابات شعبية وتأليب تلك المجتمعات على حكامها من خلال شعارات الحرية والسيادة والاستقلال والمطالب المعيشية. كما قامت الإدارة الأميركية بإعادة تشكيل جماعة «الإخوان المسلمين» ووضع البرامج السياسية ومناهج التدريب العسكري لهم. وعملت على تجنيد الكثيرين منهم في أجهزة مخابراتها وأجهزة المخابرات التابعة لها. ولعلّ أهمّ هذه المراكز كان موزعاً بين الولايات المتحدة وقطر حيث قيادة المنطقة الوسطى الأميركية، وفي تركيا والأردن وغيرهما. كلّ هذه المراكز تتلقى تعليماتها من غرفة العمليات المركزية الموجودة في لبنان التي تشرف عليها المخابرات المركزية الأميركية بإشراف وإدارة السفارة الموجودة في بيروت. وللبنان تاريخ في استضافة معاهد الجاسوسية لوكالات المخابرات الأميركية منذ معهد شملان الذي يعرف قصته كلّ مطّلع. طبعاً هناك مجموعة من المنظمات المساعدة التي تهيّئ الأرضية اللازمة، مثل وكالات التنمية والدعم المالي والإغاثة والمعونات الإنسانية والبشرية، وجمعيات كبرى كالماسونية العالمية وأندية متعدّدة تدور في فلكها.

ببساطة نعرض هذا الكلام لنقول وبصراحة كلية، إنّ مجموعة كبيرة من المسؤولين المحليين والإعلاميين ورجال السياسة والاقتصاد خضعوا لهذه الدورات ومنهم قد جند فعلاً في المخابرات الخارجية. كما أنشأت أو موّلت مجموعة من الشركات ومراكز الأبحاث ودور النشر والمحطات التلفزيونية والصحف اليومية لخدمة هذا المشروع.

هذا النمط من العمل لم يقتصر على كيان أو دولة وإنما الطريقة نفسها تتكرّر على امتداد العالم. «الربيع العربي» نتاج هذا العمل، وكذلك في جورجيا وأوكرانيا وقبلها في بولندا ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وفي كلّ بلدان البلقان التي خضعت للتقسيم، وربما في أماكن كثيرة من أميركا الجنوبية. حيث تدعو الحاجة الأميركية إلى السيطرة والهيمنة ونهب الثروات وإشعال الحروب لتشغيل معامل سلاحها وتغذية اقتصادها وترفيه مواطنيها.

في الخلاصة نقول: هل مَن يدعم هذا المشروع أو يتعاطف معه لمصلحة شخصية، أو ينخرط في الدفاع عنه، هو وطني؟

وهل هو يدافع عن أهله وشعبه وعرضه كما يدّعي؟ أم أنه يدفع هذا الشعب إلى أتون الموت والتهلكة؟

أيها المنافقون… كفى كذباً ورياء وتبجّحاً بالوطنية وعهراً بالسياسة.

إذا كانت السفن الأميركية اقتربت من الشاطئ حين اقترب مشروع التقسيم لنقلكم وتهجيركم عام 1976، فإنّ الأميركيين اليوم سيهجرونكم وإنما على نفقتكم الخاصة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى