إلى متى ستبقى السعودية قادرة على تحمّل تبعات سياساتها الحالية؟
حميدي العبدالله
لا شك أنّ تصعيد المواجهة، وإثارة الحروب، وتعطيل البحث عن حلول سياسية لأزمات المنطقة، يشكل قوام السياسة السعودية الراهنة. وتتجلى هذه السياسة الآن في شنّ الحرب على اليمن، حيث يسقط يومياً عشرات الشهداء والجرحى، وهي شريك أساسي في التصعيد الذي تشهده جبهات القتال في سورية، ولا سيما جبهتي إدلب وتدمر، وما ينجم عنها من كوارث ومآس، وتحديداً سقوط عدد غير قليل من الشهداء في صفوف الجيش والمدنيين وهجرة الآلاف من بيوتهم، كما أنّ المملكة السعودية شريك مباشر وغير مباشر في التصعيد الذي يشهده العراق والمآسي التي حلت بسكان الرمادي، لأنها كانت ولا تزال من أشدّ المعارضين للاستعانة بالحشد الشعبي لمقاتلة «داعش»، وكانت هذه المعارضة وراء سيطرة هذا التنظيم الإرهابي على مدينة الرمادي وتشريد سكانها وارتكاب المذابح بحقهم.
كما أنّ حكومة المملكة السعودية تلعب دوراً أساسياً في دعم مواقف تركيا وقطر الساعية إلى دعم التنظيمات الإرهابية وتعطيل الوصول إلى تسويات سياسية لأزمات المنطقة.
لكن السؤال المطروح الآن، وبعد الحرب على اليمن، وفشل الحرب في تحقيق أهدافها، لجهة إنقاذ نظام الحكم القديم الذي كان يقوده عبد ربه منصور هادي ومنع حركة أنصار الله والجيش من التمدّد في كلّ أنحاء اليمن، وانتقال الحرب إلى داخل السعودية، إضافة إلى فشل سياسة السعودية في العراق لجهة تعطيل الاستعانة بالحشد الشعبي لتحرير الأنبار من «داعش»، مع ما يعنيه ذلك من حسابات السعودية في تعزيز دور ونفوذ القوى العراقية حليفة إيران، وفي ضوء الكلفة الباهظة لحروب المنطقة التي تموّلها السعودية وقطر، ولا سيما الحرب اليمنية، وانتقال هجمات القوى الإرهابية إلى داخل السعودية في المنطقة الشرقية والرياض وخروج التظاهرات بعشرات الألوف مستنكرة الهجمات الإرهابية في سابقة لم تشهدها المملكة منذ قيامها، إلى متى تستطيع السعودية الاستمرار في السياسة الحالية؟
الإجابة على هذا السؤال تكمن في واحد من خيارين:
الخيار الأول، أن تجري المملكة مراجعة لسياستها الحالية، بمعنى أن تتخلى عن سياسة تفجير الحروب، ودعم الجماعات المتشدّدة التكفيرية للحفاظ على نفوذها في المنطقة، وأن تسهّل التوصل إلى تسويات لأزمات المنطقة، بدءاً من الحرب في اليمن وانتهاء بالأزمة القائمة في سورية، ووقف تقديم الدعم الحالي المالي والإعلامي والعسكري للجماعات الإرهابية وللجماعات التكفيرية، وبغضّ النظر عن نتائج هذا الخيار فهو الأكثر واقعية والأقلّ خطراً على المملكة وعلى مصالحها واستقرارها.
الخيار الثاني، أن تستمرّ في سياساتها الحالية، وهذا يعني أنها ستواجه جيوش المنطقة مدعومة بالقوى الشعبية المسلحة، على جبهات اليمن والعراق وسورية، مدعومة هذه الجبهات من إيران، ومن كلّ الدول التي تخشى جدياً تعاظم خطر الجماعات الإرهابية والتكفيرية، ومن شأن ذلك بكلّ تأكيد أن يطيح باستقرار السعودية ويحمل مخاطر كثيرة على وجودها، ولا سيما انطلاقاً من اليمن والعراق حيث الحدود المشتركة.
قد تنجح السعودية عبر التشكيلات الإرهابية المسلحة أن تحقق نجاحات موقتة في هذه الجبهة أو تلك، مثل الذي حصل على جبهتي إدلب وتدمر في سورية، لكن من المستحيل أن يتحوّل المشهد العام لمصلحتها لأنها لا تحوز على القدرات التي حازت عليها دول وجهات أكبر وأقوى منها مثل الولايات المتحدة وحلف الناتو والكيان الصهيوني في لبنان عام 1982، وفي العراق منذ عام 2003، وفي أفغانستان منذ عام 2002.
في المحصلة ستخسر السعودية الحرب على جبهات سورية والعراق واليمن، وستكون ارتدادات خسارتها داخل السعودية أكبر من أن تتحمّلها، فهل تسارع إلى مراجعة سياستها الحالية، أو ترغَم من حلفائها على ذلك؟
الجواب على هذا السؤال برسم الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة.