الحرب على سوراقيا 1996 2015

صفية أنطون سعاده

إن الخطة التي وضعتها أهمّ مراكز الدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة الأميركية عام 1996 لنقل «إسرائيل» من حال المراوحة إلى حال السيطرة على المشرق العربي، تمّ تنفيذها بحذافيرها بدءاً من رئاسة جورج بوش الأب وحتى اليوم، وانخرط فيها الرؤساء الجمهوريون كما الديمقراطيون 1 . فحين نقرأ البنود المطلوب تحقيقها، نُصاب بالذهول لمدى تطابق هذه البنود مع واقع الحرب التي نعيشها على رغم أنها كُتبت منذ ما يقارب العقدين من الزمن!

ترأس ريتشارد بيرل 2 مجموعة رؤساء مراكز الأبحاث الاستراتيجية المهتمّة بإرساء سياسة جديدة سُمّيت «القطع مع السياسات السابقة» A Clean Break ، وسُلّمت إلى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء «الإسرائيلي» آنذاك 3 .

الأحداث التي اجتاحت سوراقيا منذ عام 2002 ما هي إلا التطبيق العملي والدقيق لخطة «القَطْع مع الماضي» الأميركية التي تهدف إلى التدمير المنهجي لدول سوراقيا كأنظمة، وجيوش ومجتمعات، وتشمل هذه الخطة النقاط التالية:

1 ـ التوقف عن العمل باتجاه إحلال «سلام شامل وعادل» بين «إسرائيل» والدول العربية، والتعاون مع تركيا والأردن عوضاً عن ذلك لاحتواء العراق وسورية ولبنان- المقاومة، ومن ثم زعزعة هذه الدول وإرغامها على التراجع والانكفاء.

2 ـ تغيير العلاقة بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين باتجاه ملاحقتهم حتى ضمن مناطقهم، والتخلص من ياسر عرفات.

3 ـ رفض إجراء مفاوضات تحت شعار «الأرض مقابل السلام» واستبداله بشعار «السلام مقابل السلام» الذي تَضْمَنُه «إسرائيل» بخلق توازن ردعي مع الدول العربية.

4 ـ الطلب من «إسرائيل» مواجهة إيران وسورية وحزب الله عسكرياً على حدودها الشمالية، بما أن إيران وسورية تدعمان المقاومة في جنوب لبنان.

5 ـ القيام بحملة ضدّ زراعة الماريوانا في لبنان لحرمانه من أيّ فائض مادي يستفيد منه، وقد تستفيد منه سورية أيضاً 4 .

6 ـ إشعال حرب في سورية من خلال استعمال قوات بالوكالة وبديلة عن القوات الأميركية أو «الإسرائيلية».

7 ـ التشديد في المحافل الدولية على أنّ «إسرائيل» لا تستطيع أن تتعامل مع نظام سوري «ديكتاتوري»، ولا البحث في موضوع إعادة أراضي الجولان المحتلة، في الوقت الذي «تستحوذ» فيه سورية على أسلحة دمار شامل، وبالتالي لن تجري أية مفاوضات قبل احتواء سورية من قبل الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني.

8 ـ أنّ بالإمكان السيطرة على سورية من خلال اتخاذ الخطوات التالية:

أ خلق بيئة استراتيجية ملائمة لـ«إسرائيل» عبر تعاونها الوثيق مع الأردن وتركيا.

ب إسقاط صدام حسين لأنّ إسقاطه يحجّم الدور الإقليمي السوري، كما أن تدمير العراق يؤدّي إلى تغيير ميزان القوى لمصلحة «إسرائيل» وتركيا.

ج – اللجوء إلى حروب استباقية وعدم الاعتماد على العمليات الانتقامية فقط.

استطاع المحافظون الجدد البدء بتنفيذ هذه الخطة عام 2002، أي بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وذلك لوجود الأكثرية الساحقة من قيادييهم على رأس الإدارة الأميركية في فترة رئاسة جورج بوش الابن. ولقد لعب بول ولفوفيتز كنائب وزير الدفاع دوراً حاسماً في تطبيق هذه الخطة، وفي إقناع الرئيس جورج بوش باحتلال العراق. ويقول دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي 2001 2006 إنّ وولفوفيتز بادر إلى طرح موضوع احتلال العراق مباشرة بعد 11 أيلول 2001، وأنه كان المهندس الرئيس لسياسة بوش في العراق 5 . ومن المعروف أنّ وولفوفيتز من أشدّ مناصري «إسرائيل» منذ رئاسة رونالد ريغان، حين تبوأ مركز مدير عام في وزارة الخارجية الأميركية عام 1980.

هكذا نجد أنّ ما خطط له المحافظون الجدد تبنّاه رؤساء الولايات المتحدة الأميركية: جورج بوش الأب، والابن في ما بعد، وكذلك بيل كلينتون وباراك أوباما. لقد بدت هذه الخطة مغرية لهؤلاء الرؤساء لأنها تعتمد في الوصول إلى أهدافها على جيوش من المرتزقة لا يتورّط فيها جنود أميركيون، بالتالي لن يواجه الرؤساء الأميركيون اية محاسبة من قبل شعبهم أو الكونغرس، كما أنها تُظهر هذه المعارك وكأنها حروب أهلية، أو حروب بين العرب، لا دخل لـ«إسرائيل» أو الولايات المتحدة الأميركية فيها.

المصادر

1 ـ «A Clean Break: A New Strategy for Securing the Realm. Institute for Advanced Strategic and political Studies, July 2006.

2 ـ عمل ريتشارد بيرل Richard Perle كمساعد وزير الدفاع من عام 1987 وحتى عام 2004.

3 ـ المشاركون في وضع استراتيجية جديدة للولايات المتحدة الأميركية و «إسرائيل» هم:

Richard Perle, American Enterprise Institute

Douglas Feith, Feith and Zell Associates.

David Wurmser, Institute for Advanced Strategic and Political Studies.

Meyrav Wurmser, Johns Hopkins University

Jonathan Torop, Washington Institute for Near East Policy.

Robert Loewenberg, President of Institute for Advanced Strategic and Political Studies.

Charles Fairbanks Jr. Johns Hopkins University, SAIS.

James Colbert, Jewish Institute for National Security Affairs.

واضح من هذه اللائحة أنّ جلّهم محافظون جدد وصهاينة متشدّدون لا يرون اختلافاً بين الأهداف الأميركية والغايات «الإسرائيلية».

4 ـ إن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر الماريوانا مادة شرعية لا يعاقب القانون من يتناولها أو يتاجر بها.

5 ـ مقابلة دونالد رامسفيلد على قناة «فوكس» في الثامن من شباط 2011.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى