سرّ الكلمة الطيّبة بين الخير والشرّ
ونسة سليمان الأسعد
من أقسى الأمور، وأصعبها وأمرّها، اختبارُ ذوي النفوس والإرادة الخيّرة والبصيرة النيّرة، أصحاب الكلمة في موقع القرار، وهم يرون تقلّب قلوب وأبصار مَن دونهم في قلب المعمعة الداهية، وقلقهم في ما يطيقون فهمه، ونظرتهم وإدراكهم، فتراهم يهوى بهم الشك والحيرة إلى سوء التقدير وسوء القرار.
لا شك في أنّ هذه المفارقات قد توقد براكين من الغضب حيناً، وبراكين من التعاسة والشقاء والألم حينا آخر، فحكومات الغرب وعملاؤها في منظومة الفكر الشيطاني، أهل الكلمة الخبيثة، إنما يعبرون عن ذواتهم وليس في مقدورهم إلّا أن يكونوا هم ما لم يجدوا مانعاً لخبثهم، لكني استنهض أولئك الذين يسألون ويتساءلون عن هذه الحرب متى ستنتهي؟ من دون أن يفعلوا شيئاً، كما أنني أحاول أن استعديهم وأستنهض هممهم على تكاسلهم وتقاعسهم، عساهم يلتفتون إلى الصوت الصارخ في ضمائرهم ووجدانهم.
لا استنكر ما يقوم به أعداؤنا بقدر ما يقوم به قعوداً أهل الكلمة الطيبة عن أيّ فعل وجب عليهم فعله ولم يفعلوه! ما لم يكن هذا التقاعس أساساً في قيام النقيض واستفحال الشر، فكل ما تحتاج إليه قوى الشر أن يقعد انصار الخير بلا عمل، فهذا أهم نصر تحققه هذه المنظومة ومن يقوم بها.
العمل في الكلمة الطيبة تنتشر فيه المعرفة بين أصحاب الطبقة البسيطة والمتوسطة في العلم والمعرفة، فيستطيعون التمييز بين الخير والشر وفرز التغيير بين مؤامرة على الوطن وتغيير للوطن، وهذا بون واسع وكبير، لكن بصمت ومن دون حراك أو نطق بكلمة فِعْلية على أرض الواقع . فتراهم ينطقون بجوهر الكلمة أنهم وعلى حدّ تعبيرهم لسنا مع هؤلاء ولا مع اولئك ! وكأنّ الساحة ساحة اختلاف بين أخوة وأشقاء في بيت واحد! وكأن لا خصوصية لهم في الوطن أيام المحن! وكأن الساحة ليست ساحة حرب مع ألد وأشرس وأقذر عدو متحالف مع عشرات، إن لم نقل أكثر، على هذا الوطن الطاهر العزيز!
فالحالة الحضارية السورية الفريدة وخلال هذه الأعوام من الحرب الكونية عليها، وتداعياتها القريبة والبعيدة هي الأساس الوحيد لجميع العالمين والمتنبئين بل والمحلليين. إنّ الأمل والإصرار والثبات على النصر بل والايمان به هو الخلاص من هذه الرياح العاتية والظلمات الداكنة وأياديها الأخطبوطية التي تصل أرجاء هذا الوطن الكبير.
هذه المنظومة التي استحكمتنا لسنين بل لقرون عدة، وامتدّ بها الداء ليصل أرجاء عالمنا العربي الكبير، الى هزائم كبيرة وفي أفضل الأحوال الى الخروج بنصف انتصار، إلّا ما ندر. فجميع ما شاهدناه مخطط له ومدروس ولم يكن خارج السيطرة، فوجود الربيع الصهيوني الذي خيّم على البلاد جميعاً كان بفعل يقوم على ذوي العقول السلبية أولاً، لإقناعهم بأنهم «ثورات» حقيقية تهدف الى إصلاحات جمة للمواطن على وجه التحديد، الذي هو لبنة الوطن، فاقتنعت بها تلك النفوس وأصبحت تنادي بها، وبمقولة «كفوا عن نظرية المؤامرة! وسيروا في ثورة للاصلاح والتحرير». أما الطبقة الأخرى التي كان وقودها الحجارة والسلاح من هذا الربيع الصهيوني فحدِّث ولا حرج في ذلك، وكانت السيطرة المطلقة لليهود على هذه الفئة العمياء في البصيرة قبل البصر، نرى فيها أن الأسياد الحقيقيين لا يريدون أن تنسب إليهم أعمال قذرة كهذه، لذلك يتم التوكيل بمن لا يبالي بمصير ضحاياه، بل يعتبرهم في مزرعتهم ويحلّ له امتلاكهم والسيطرة عليهم وقتلهم متى شاء ووفق عقيدته الاستيلائية والتحكمية، في حين يعتبره أسيادهم الذين استعملوهم أداة لتحقيق أهدافهم في السيطرة على دولهم وأوطانهم، وأنهم مجرد قفاز يرتدونه لارتكاب جريمة دونما أثر يدل أو دليل.
فيصبح القاتل والمقتول من منبع واحد، وتصبح الكلمة الطيبة هي الداء بديلاً من الدواء! وفي هذا الإطار نرى أن العرب في نظر المارينز، وفي نظر مملكة الضباب والذئاب الضارية، هم الأرض الخصبة التي يتم فيها زرع تلك البذرة من الحركات الدينية المتصهينة، فتراها سارعت إلى الإسلام وتلاعبت به في أرض تصلح لتهجين البذرة السيئة، فكانت مثل خضراء الدمن تنبت في منبت سوء وتكون السوء في تنشئتها التي أرادوا لها بل في ثمارها من تلك الحركات! وكان ما كان من إسلام سياسي متصهين!
زاد فتيل القراصنة يتوهّج، وازداد المقامرون، وكان المتآمرون من كل حدب وصوب، وأصبح مسلسل العقوبات اللاأخلاقية المفروضة والتي فرضها الاتحاد الأوروبي، وبدأت الدول أصحاب القفاز الأسود في شراء النفط من تللك الأيادي التي ترتديه، لقاء تزويدهم السلاح فيقوم بجريمته ولا أدلة على ذلك.
أستطيع أن أفهم هنا أنّ أصحاب الكلمة الطيبة السلبية أو المحايدة كما يقال، ورؤية جمهور كبير من المثقّفين الذين لم يسبروا أعماقَ التاريخ ولم ينزعوا القشور عنِ اللبّ، وقعوا في هذه المستنقعات السطحيّة حتّى أصبحوا يرونَ في الحضارة الغربيّة كلّ الحضارة والرقيّ مقابلَ ما يرونهُ في بلداننا من جهل وتخلّف وتناحر، كما أصبحوا ينتظرون فرجاً إن أتى كانوا في سعادة تحت سماء تخيم عليهم، وإن لا قرروا الرحيل، فكيف لهم الحياة بلا أمان واطمئنان، وهم في أصعب الحالات، فهم يدخلون جحورهم ليناموا في سبات علّ الربيع يأتي، وأي «ربيع»!؟ لا فرق. المهم أن يكون «ربيعاً» يخرجون من سباتهم ويتابعون حياتهم، فإما زهور ورياحين ودفء وخيرات، وإما تغيير واحتلال من نوع جديد باسم الثورات، ولكن الأساس أن يكونوا في أمان ولا فرق في وطن محتلّ ووطن سيّد!
تراهم يخلطون الحابل بالنابل، فها هم في الصيف يشعرونُ بالبرد في حين تكونُ الأرض أقربَ إلى الشمسِ مصدر الدفء والحرارة، وعندما يعانون شدّة الحرّ في الشتاء تكون الأرض في أبعدِ نقاط مدارها عنِ الشمس.
من هذا المنظار أدعو أصحاب ـ الكلمة الطيبة ـ أهل العقول السلبية الى نظرة مباشرة لطبيعة الحوادث. أدعوهم إلى التعمّق والتبصّر في خلفيّة الحوادث التاريخيّة الماضية لتحليل الواقع الحالي على نحو دقيق واستقراء الحوادث المستقبليّة بما يشبه اليقين، واتخاذ المواقف التي تقي الوطن من الشرور السلبية، توأم الإرهاب والقتل والتدمير، والعمل للوطن بمنجل ومحراث، أو بندقية ورشاش، وإن لم يقدروا على هذا أو ذاك فلتكن الكلمة الطيبة التي ينطقونها خنجراً في صدر الأعداء، لا أن تكون وردة تزين صدورهم. فالكلمة الطيبة يمكن أن تكون رصاصة تهشم صدور من يريد الاعتداء، فدعها كذلك. ما فائدتها ان تخزّنت في عقول سلبية لا تقوى على المواجهة والدفاع. لتكن كلمتك الطيبة للوطن ومع الوطن، لا على الوطن بخنجر طيب شكلاً، سامّ فعلاً… فاجعل يا أخي كلمتك جذرها في الأرض وفرعها في السماء.