عناوين التلاقي
رامز مصطفى
قبل عام عقد المؤتمر القومي العربي مؤتمره الخامس والعشرين في بيروت بمشاركة 340 شخصية من 18 دولة، منهم 100 شخصية بصفة مراقب. يومها كانت قد تسللت إلى داخل أعضاء المؤتمر الوازن في تنوّع شخصياته المشاركة، السياسية والثقافية والفكرية والحزبية وأصحاب الرأي، الكثير من التباينات والرؤى المتناقضة على خلفية ما شهدته وتشهده المنطقة من تطورات وأحداث وتحوّلات كبرى وخطيرة.
ومن المؤكد أنّ جهوداً من خلف الكواليس قد بُذلت بهدف تذليل العقبات أمام فتح الطريق لانعقاد المؤتمر، وهذه الجهود تكللت بالنجاح، التي استكملت بالتوصل إلى بيان ختامي يجمع ولا يفرق، ويحافظ في تمسكه على ثوابت الأمة في مواجهة ما يتهدّدها من مخاطر ويواجهها من تحديات، أسمح لنفسي القول إنها لم تواجهه منذ اتفاق «سايكس ـ بيكو»، وقيام «الكيان الصهيوني» الغاصب على أرض فلسطين العام 1948.
فالأمة مهدّدة بوجودها وتاريخها وثقافتها، وتوجهاتها الوطنية والقومية، وفي تسامح مسلميها ومسيحيّيها وتعايشهم كأبناء أمة واحدة.
اليوم، يعقد المؤتمر دورته السادسة والعشرين، ولا شك أنّ التعقيدات التي تشهدها دول المنطقة باتت أكثر تشابكاً وخطورة. حيث أضيف إلى هذا المشهد المتفجر التطورات العراقية المتمثلة في تمدّد القوى التكفيرية على حساب الدولة، وبالتالي استفحال الصراع المذهبي والطائفي، ومحاولة تعويم ثقافة التقسيم، وكذلك المشهد اليمني الذي تسارعت أحداثه لتتطوّر إلى حرب تقودها السعودية ضدّه، ليزيد تأزم هذه التطورات وتشابكها وانحدارها إلى هاوية حرب مذهبية وطائفية معلنة، من الصعوبات في وجه الأمانة العامة للمؤتمر، والتشكيك في انعقاده في هذه الظروف، وكان ميل البعض إلى تأجيله، من خلفية الحرص على عدم تفجره من داخله نتيجة التباينات التي وصلت حدّ الخلافات، والبعض من أعضاء المؤتمر أشهر سيف رفضه حضور المؤتمر، وهذا ما أعلنه المهندس ليث شبيلات في مقالة فنّد فيها الأسباب التي تدفعه إلى عدم حضور المؤتمر في دورته الحالية في 2 و3 حزيران، سارداً الكثير مما يعتبره الضرورات التي لا بدّ من الذهاب فيها نحو إصلاح مؤسسة المؤتمر القومي العربي، الذي خرج عن أساسيات تشكله في مطلع التسعينات. وكذا هو حال المؤتمر القومي الإسلامي الذي اتهم المهندس شبيلات مكوّناته من قوميين وإسلاميين بأنهما لا يصدقان بعضهما البعض في علاقاتهما، مستشهداً بكلام قاله له الأستاذ عبد الباري عطوان، مدللاً من خلال ذلك على حال المؤتمر والبعض الكثير من أعضائه فقط يحضرون لنيل شهادة المؤتمر بأنهم لا زالوا على قوميتهم دون أن يقدّموا إضافات أو أعمال تسجل في هذا السياق. خاتماً مقالته بالقول: «الإصلاح يبدأ فينا معشر الإصلاحيين، قوميين وإسلاميين ويساريين، ففاقد الشيء لا يعطيه. إنهما ثابتان واضحان وضوح الشمس لم نستطع احترامهما: عدم الاستعانة بالأجنبي، وعدم الاستعانة بالعسكري». محيياً في الختام الأصوات التي ارتفعت مطالبة بإصلاح المؤتمر القومي العربي، وشقيقه القومي الإسلامي. وأيد ما كتبه كلّ من منذر الأعظمي وصباح المختار. والذي رأى في ما كتباه يصبّ في نفس خانة ما حاول أن يفنّده أو يكتبه في رسالته.
وبغضّ النظر عن الرأي حول ما جاء في مقالة المهندس شبيلات، إنْ كان مؤيداً أو غير موافق، ولكن هذا يُدلل على أنّ هناك أزمة يعاني منها المؤتمر بحاجة إلى نقاش هادئ، وأنا لا أرى أنّ المؤتمر بهذا العدد من المشاركين مكاناً صالحاً لهذا النقاش، ومعاذ الله أن يكون قد خطر في البال أنّ الأحبة المشاركين ليسوا أهلاً لذلك بل على العكس، ولكن من خلفية أني أحرص كما الجميع على الخروج بأفضل النتائج من الخلاصات وتقييمات تساهم جدياً في إخراج المؤتمر مما يعتريه من خلل أو أزمة. وهذا تتولاه الأمانة العامة الجديدة وفي مقدّمتها الأمين العام الذي سيتمّ انتخابه في ختام أعمال المؤتمر. وهنا يطفو على سطح النقاشات سؤال طرحه الكثيرون وأنا منهم، هل كان عدم عقد المؤتمر وما سيترتب عليه من نتائج أو تداعيات وتصدّعات، أفضل من عقده في وقته؟ بالتأكيد وهذه وجهة نظري لا بدّ من عقد المؤتمر وهذا ما حصل، لأنّ عدم عقده ليس هناك من ضمانة في أن يُعقد مرة ثانية خصوصاً أنّ الأفق مغلق في احتمال أن تجد الأحداث والتطورات التي تعصف بدول المنطقة حلاً قريباُ لها، بل وبأسى وأسف أقول إنها مرشحة لاحتمالات أكثر خطورة وتعقيداً، على اعتبار أنّ من يديرون تلك الحروب والأحداث، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، لم تستنفد بعد مخططاتها في المنطقة. وبين قوسين أقول: لمن يرى أنّ نجم أميركا إلى أفول وبأنها لم تعد لاعباً في مصير المنطقة وصراعاتها الداخلية. أقول من المبكر التعويل على ذلك وإنْ هي مثخنة بالجراح وتعاني ما تعانيه من أزمات اقتصادية ومالية، وهي مع ذلك لا تزال مصنّفة كأكبر قوة اقتصادية ومالية في العالم، فيما روسيا تأتي في المرتبة العاشرة. وإنْ كنا نرغب ونتمنى أن نجد أميركا تلقى ذات المصير الذي انتهى إليه الاتحاد السوفياتي قبل أكثر من عقدين من الزمن. وهذا لا يعني أنها ستبقى قدراً، ليست هناك إمكانية لهزيمتها.
وإلى حين التوافق على إجراء هذه المراجعة والمصالحة والمشاركة استعرتها من الأستاذ العزيز معن بشور من خلفية أنّ الجميع معنيّ في إخراج المؤتمر مما علق فيه من تراجعات وإخفاقات إذا جاز التعبير. أتوجه إلى جميع الزملاء أعضاء المؤتمر الذين يشاركون في الدورة السادسة والعشرين في بيروت، بالقول إنّ هناك عناوين التقاء وتلاق نتقاطع عندها وحولها ولا تزال تجمع بيننا جميعاً فلسطين وعناوينها كقضية مركزية المقاومة وثقافتها المشروع الصهيو أميركي الذي يتمدّد سريعاً في المنطقة على حساب أمننا القومي قوى الإرهاب التي تتهدّدنا جميعاً في تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا… الخ . عناوين تستحق منا جميعاً أن نجتمع ونتلاقى حولها في المؤتمر القومي العربي بدورته المنعقدة في بيروت عاصمة المقاومة، وحاضنة العمل القومي العربي.