السعودية تضبط «البوصلة الحريرية»… والقاعدة الزرقاء تتفرق
هتاف دهّام
لم تقتصر الأوامر الملكية مع بداية عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز على سلسلة تعيينات جديدة غيّر بها ملامح القيادات السياسية والعسكرية بالمملكة، بل وصلت الى لبنان مع اتخاذ ولي العهد محمد بن نايف قراراً بتحجيم الزعامة الأحادية السنّية المتمثلة بتيار المستقبل في لبنان، وتسليط بعض الأقطاب السنّة التي تسير تحت جناح تيار المستقبل كالوزيرين نهاد المشنوق واللواء أشرف ريفي، وصولاً الى النائب السابق مصباح الأحدب الذي شكل لقاء الاعتدال المدني وزار منذ فترة الرئيس سليم الحص ومفتي الجمهورية عبداللطيف دريان وصولاً الى تواصله اللافت مع رئيس حزب الاتحاد الوزير السابق عبدالرحيم مراد، ولقائه رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي في بيروت.
ويبدو أن التواصل السعودي لن يقتصر على بعض مسؤولي تيار المستقبل، فالمملكة تتجه الى اعطاء الزعامات السنّية الاخرى على مختلف توجهاتها وانتماءاتها حقها المشروع ودورها على الساحة اللبنانية سواء كان ذلك نكاية بالرئيس الحريري أو عدمه إلا أن هذا ما يحصل.
وهنا يظهر جلياً الحراك الذي يقوم به رئيس حزب الاتحاد الوزير السابق عبدالرحيم مراد لحوار سني – سني من أجل المصلحة العامة والمشتركة لجميع الافرقاء. دعوة مراد الى الحوار في زمن الحوارات الجارية بين حزب الله وتيار المستقبل وبين القوات والتيار الوطني، لم تكن لترى النور في السنوات الماضية على رغم أهميتها وصدقيته في طرحها، في حين أصبحت اليوم قابلة للحياة، مع اقتناع السعودية بأن الوقت حان لأن تتخلى عن الحصرية السنية التي كانت محصورة بالـ «الحريرية»، لذلك باتت تحظى بدعم وتأييد مطلقين من دار الافتاء بشخص المفتي عبد اللطيف دريان ومفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس.
أعلن السفير السعودي علي عواض عسيري بعد تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام في «مجلس خاص» أن قرار السعودية تكليف سلام هو رد اعتبار للعائلات السنّية التي اسدلت الستارة عليها في عهد الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي كان بنظر السعودية الزعيم السنّي الوحيد.
بدأت السعودية ضبط «البوصلة الحريرية» لافساح المجال أمام القيادات السنية الاخرى لاثبات دورها، وبدا الأمر واضحاً خلال زيارة الحريري واشنطن وطلبه مساعدة الاميركيين لتسويقه عند الامير سلمان وولي العهد محمد بن نايف كي يبقى الزعيم السنّي الوحيد الا انه لم ينجح.
أثبت الرئيس سعد الحريري فشله في ادارة الملفات الداخلية في «المستقبل» التي تشتت بغيابه، وجعل من الرئيس فؤاد السنيورة والوزيرين نهاد المشنوق واشرف ريفي يطمحون كل من منصبه لسحب الكرسي «المستقبلي» من تحت الحريري للفوز به، وهذا ما أدى إلى فوضى في التيار المنشغل مسؤولوه بالتخطيط لمستقبلهم بعيداً من مصلحة التيار، كل ذلك أحدث بلبلة وتخبطاً في المواقف نتج منها طرد النائب خالد الظاهر الذي تخطى الخط الأزرق المسموح به، وصولاً إلى تفكك القاعدة الشعبية، التي باتت ترى الحريري فاقداً للمصداقية لا يملك قراره لا من قريب ولا من بعيد.
ولا يخفى على أحد الصعوبات المالية التي يعانيها الرئيس الحريري، فهو توقف عن الدفع منذ ثلاث سنوات لمؤسساته ومسؤوليه في المناطق، كما انه لم يسدد فواتير الموائد والافطارات التي اقامها في رمضان الماضي في طرابلس وصيدا وبيروت والبقاع، ويعود ذلك الى شرائه حصص أخوته، في شركة «أوجيه» التي أبعدها الملك سلمان لمصلحة شركات أخرى، وانكفاء السعودية عن مساعدته مالياً.
«المستقبل» في البقاع:
سرايا… سلفيون… واتحاديون
يؤكد نائب تيار المستقبل جمال الجراح في تصريح عام 2010 «أن محاولات التضليل عن تراجع التيار في البقاع الغربي استنتاج خاطئ، للمنطقة مرجعية أساسية هو الرئيس سعد الحريري». صخب الجمهور الذي اعتاد عليه التيار الأزرق من عام 2005 أقله الى عام 2009، تبدد بنسبة كبيرة. من تيار المستقبل إلى سرايا المقاومة أو الى التيارات السلفية. هذه حال القاعدة الشعبية لتيار المستقبل في البقاعين الأوسط والغربي. في بلدة سعد نايل التحق 100 عنصر من عائلات شحيمي، رحيمي، وحمصي بسرايا المقاومة. وانشقت رابطة شباب سعد نايل عن بعضها بعد ان كانت كتلة واحدة متلاصقة، بفعل سلوكيات الرئيس الحريري.ذهب جزء من هؤلاء الى الجماعات السلفية، وجزء آخر إلى سرايا المقاومة. واتجه الشيخان بلال ورضوان شحيمي الى «السرايا» على غرار بعض الاشخاص في الرابطة من عائلات قاروط وصوان ورحيمي، في حين اتجه القسم الآخر من الرابطة الى بعض الأحزاب السلفية وإلى حزب التحرير الذي يرأسه رضوان السيد، على غرار خالد الشحيمي وخير الدين الملقب ابو خريطة واشخاص آخرين. لا يقتصر الأمر في سعد نايل على ذلك، انما يتعداه الى إطلاق بعض المشايخ السلفيين خلال صلاة الجمعة الدعوات الى الانضمام الى صفوفهم على مسمع الجميع مستغلين خصوصاً الاطفال والنازحين السوريين. وفي برالياس، يتكرر المشهد، لكن في وجهة واحدة إلى سرايا المقاومة التي التحق بها أكثر من 50 شخصاً من آل «الميس»، إضافة إلى اشخاص من آل عراجي، والجدري. وفي بلدة قب الياس، ونتيجة الخلاف الكبير الذي نسب داخل البلدية والذي كان سببه تيار المستقبل انشق بعض الاشخاص من عائلات حاطوم وحاراتي وعاموري عن التيار وباتوا مناصرين لسرايا المقاومة وبعضهم الآخر باتوا مؤيدين للسلفيين. لم ينجح تيار الرئيس رفيق الحريري في استعاب القاعدة الشعبية البقاعية واحتضانها. الخلافات بين مسؤوليه في البقاع انعكست على الارض. فغياب الانسجام بين الوزير السابق محمد رحال والنائبين الحاليين جمال الجراح وزياد القادري، انعكس في الكوادر «المستقبلية» في بلدات المرج وخربة روحا وحوش الحريمة وجب جنين وغيرها من المناطق. لا يتعاطى الجراح والقادري مع ناخبيهما لا من قريب ولا من بعيد، لا يستقبلان أحداً، ولم يقدما اي خدمات تذكر لأهالي البقاع الغربي. الوعود التي تلقاها المواطنون في عام 2009 قبيل الانتخابات لم ترَ النور حتى الساعة. المغتربون في كندا الذين وعدوا بثمن الفيزا لقاء مجيئهم للتصويت لمصلحة لائحة «زي ما هي» فقدوا الاتصال بالمعنيين في الأمر الذين غابوا عن السمع منذ تلك اللحظة. فهؤلاء المغتربون، لا حول لهم ولا قوة. فالتيار الأزرق في ضائقة مالية كبيرة والذي يؤكد ذلك تقديم منسقه في البقاع الغربي وراشيا حمادي جانم استقالته، مرتين الشهر الماضي، لأنه لم يتقاض راتبه منذ نحو أربعة أشهر، الىمدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري الذي رفضها. بدأ الحريري يخسر البقاع. خلال انتخاب عضوي المجلس الشرعي في البقاع، فاز القاضي الشيخ عبدالرحمن شرقية المدعوم من حزب الاتحاد بـ 51 صوتاً على الشيخ أحمد الصميلي المدعوم من تيار المستقبل والذي نال 39 صوتاً من أصل 82 صوتاً. في مقابل ذلك، فرئيس حزب الاتحاد عبد الرحيم مراد «عم يلعبها صح». بدأ بشبك العلاقات مع الحزب التقدمي الاشتراكي والجماعة الاسلامية ومفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس من أجل أمن البقاع واستقراره، ودعا الى حوار سنّي سنّي برعاية المفتي عبداللطيف دريان من أجل تحقيق المصالحة. فالحوارات الحزبية في المناطق كما يقول مقربون من حزب الاتحاد من شأنها أن تتطورعلى الصعيد اللبناني عموماً. دعوة مراد ذكية. فهو من خلالها عاد ليكسب مجدداً الشارع السنّي الذي مل التحريض، والكلام المعسول. زرع مراد على مدى السنوات الماضية وبدأ يحصد. ما قدمه للبقاعيين بدأ يثمر حضوراً مضاعفاً منهم في المناسبات التي أقامها لا سيما خلال تكريمه الاساتذة في عيد المعلم، وصولاً الى تكريمه في بلدة خربة روحا من جانب منصور منصور في حضور مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس، مفتي راشيا القاضي الشيخ أحمد اللدن، ومن جانب رجلالأعمال المغترب محمد المظلوم في الخيارة، ومن الجالية اللبنانية في دول الاغتراب لا سيما البرازيل وفنزويلا. بات البقاعي اليوم يبحث عن لقمة عيش، وعن مؤسسات اجتماعية ومستوصفات، ومدارس بأسعار معقولة للطلبة، كل ذلك لم يعد موجوداً عند تيار المستقبل الذي باع مستوصف الحريري في تعنايل والجامعة في جب جنين الى محمد ياسين من بلدة غزة الذي يملك اراضي وعقارات في البلدة. وأمام هذا الواقع قطعت أعداد كبيرة من مناصري تيار الرئيس الحريري صلتها ببيت الوسط وقررت التوجه إلى غزة في البقاع الغربي، على رغم التهديدات التي تلقتها، فهذه الجماعات وجدت في مؤسسات الغد التابعة للوزير مراد والتي تعمل كخلية نحل، ما افتقرت اليه طيلة عشر سنوات عند بيت الحريري، من مساعدات مختلفة ومنح مدرسية إضافة الى الجرافات التابعة «لمركز الغد الأفضل للخدمات الاجتماعي التي لم تهدأ خلال فصل الشتاء وتصدت للعواصف الثلجية وفتحت الطرقات في كافة البلدات المناوئة والداعمة له، وصولاً إلى تأمين الخيم ومستلزماتها لأهالي البقاع الغربي مجاناً متى طلبوها في مناسباتهم الاجتماعية
في استقبال مسؤولي «المستقبل» في طرابلس:
الخراف أكثر من المناصرين
تسجل طرابلس تراجعاً شعبياً كبيراً لتيار المستقبل. لا حياة سياسية في المدينة المقسومة بين أنصار الرئيس نجيب ميقاتي وتيار المستقبل. تحول الطرابلسيون الى كبش محرقة في الصراع بين «الميقاتية» و«المستقبل» بعد تولي ميقاتي رئاسة الحكومة عام 2011.
يعود أهالي طرابلس بالذاكرة الى يوم الغضب الذي أعقب تأليف الحكومة، بحجة ان ميقاتي تخلى «عن السنّة» ومشى في موكب حزب الله. لتبدأ الأزمة السورية، وتنأى الحكومة بنسفها تارة عما يجري، وتغض النظر تارة أخرى عن بعض الامور كباخرة «لطف الله 2» وغيرها.
استقالت حكومة ميقاتي. وتشكلت حكومة المصالحة الوطنية برئاسة الرئيس تمام سلام. يتحدث الطرابلسيون اليوم بسخرية وقرف من أداء «المستقبل» واستهزائه بعقول مناصريه. ويقولون: «تيار المستقبل اليوم الى جانب حزب الله في الحكومة. الوزير أشرف ريفي يصعّد ضد حزب الله، ولكن ضمن السقف المرسوم له، فمن يتخطى الحدود المرسومة له سيكون مصيره مصير النائب خالد الظاهر».
يعبر الطرابلسيون عن سخطهم من خطاب تيار المستقبل المتفاوت بين مسؤول وآخر. يحاور هذا التيار حزب الله في عين التينة. وزير الداخلية يتحاور مع مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا. يأكلان الى جانب المشاركين الآخرين من الفريقين «الفريكة» ويشربان الشاي معاً، يضحكان ويمزحان، وفي الوقت نفسه، تحمل الأمين العام لـ«تيار المستقبل احمد الحريري عناء الوصول الى طرابلس منذ نحو شهرين حيث استقبله 30 شخصاً وذبح له 40 خروفاً، لتجييش أبناء الشمال ضد حزب الله، بالتهجم عليه بلغة عالية النبرة».
عودة الحريري الى لبنان لفترة وجيزة التي لم تتعدَ العشرة أيام ليغادر بعدها لدواعٍ أمنية كانت مدعاة تساؤل عند الطرابلسيين الذين يتساءلون كيف لرئيس تيار لا يستطيع ان يحمي نفسه وأن يحمي مناصريه وجمهوره»؟
ويتابع الطرابلسيون: «جولات المعارك في طرابلس بدأت مع تولي الرئيس ميقاتي رئاسة الحكومة عام 2011، وانتهت مع دخول تيار المستقبل الحكومة السلامية، مشيرين الى ان تيار المستقبل صاحب اليد الطولى في ما آلت اليه الامور بين جبل محسن وباب التبانة».
وفق الطرابلسيين، فإن الكثيرين من مناصري «المستقبل» باتوا يكرهون السماع باسم المشنوق بعد أحداث سجن رومية، وهو ما اضطر النائب محمد كبارة الى مهاجمة وزير الداخلية لتهدئة الشارع الذي لم يعد يتقبل لا المشنوق ولا تياره.
يسخر أهالي طرابلس من الخطة الأمنية في المدينة التي نصت على إزالة كلمة «الله» من ساحة عبدالحميد كرامي، وعلى منع كل الاطياف من تعليق صور ويافطات، باستثناء صور المملكة السعودية والملك سلمان مع الرئيس سعد الحريري بتوقيع انصار الوزير ريفي. وكيف لخطة أمنية أن تقبل بنزع بعض يافطات التأييد لرياضِيي طرابلس وتبقي يافطات تأييد الحرب والدمار للسعودية على اليمن.
لم يعد في وسع طرابلس ان تتحمل سياسة تيار المستقبل الفاشلة كما يقول الطرابلسيون في صالوناتهم والمقاهي. يهمسون في ما بينهم إلى متى ستبقى طرابلس عنواناً للتحريض ضد الآخر، لماذا يتم اللجوء اليها لتنظيم تظاهرات تأييد لحرب السعودية ضد اليمن ولا تنظم تلك التظاهرات في بيروت أو سواها من المناطق؟
بدأ اللواء ريفي في طرابلس بحسب رواية الطرابلسيين يأكل من صحن الحريري. الأمر الذي سيخلق مشكلة مع الوقت داخل التيار الأزرق. بات ريفي أكبر من الجميع، لا يحضر اي اجتماع يعقد من أجل المدينة عند النائبين سمير الجسر ومحمد كبارة، ولا يشارك الا في الاجتماعات التي يترأسها في منزله.
وعلى رغم ذلك يشير الطرابلسيون إلى أن ريفي لم يتمكن من جمع اكثر من 150 شخصاً في الوقفة التي نظمت ضد قرار المحكمة العسكرية أمام ضريح الرئيس الحريري، ولم يتمكن من جمع أكثر من 400 شخص في ساحة النور. لم نعد نثق بهم هذا ما يقوله الطرابلسيون، فالمجلس العدلي سارع الى اطلاق سراح الكثير من العملاء لـ«إسرائيل»، ولم يصدر حتى الساعة احكاماً بحق الموقوفين الاسلاميين.
يرفض الأهالي «محاولات تذاكي اللواء ريفي عليهم بأن إصدار المجلس العدلي حكم براءة بحق حسام صباغ، جاء رداً على قرار المحكمة العسكرية بحق ميشال سماحة»، ويؤكدون «أن صباغ حكم بالبراءة لأنه يُحاكم بالإتهامات نفسها في المحكمة العسكرية ولديه حكمٌ مُبرم، ويغمز الاهالي بأن «القضية التي يحاكم بها هي نفسها التي يحاكم بها الشيخ نبيل رحيم الذي لم يصدر حكم البراءة بحقه حتى الساعة لأنه ليس محسوباً على ريفي».
من ينطق باسم العميد حمود في التحقيق بأحداث طرابلس مصيره السجن الى أجل غير مسمى، هكذا يقرأ الطرابلسيون من حالة الموقوفين سعد المصري وزياد علوكي خلف القضبان. في حين ان جهاد الدندشي الملقب بأبو تيمور وغيره أطلق سراحهم بعد توقيف دام سنة ونصف السنة، ويتحدث هؤلاء عن فراس العلي الذي أطلق 5 رصاصات في بطن شادي البدوي خلال اشكال وقع بينهما في الميناء على خلفية تمزيق صور لريفي، وانتهى الأمر باعتقال العلي وأطلق سراحه بعد 10 أيام.
اقتصادياً، يتحدث الطرابلسيون عن انتفاء المساعدات من تيار المستقبل لقاعدته الشعبية منذ عام 2009. أما استشفائياً فهو اكتفى بإقامة مستوصف واحد عند دوار ابو علي ومستوصفين اثنين في عكار، في حين ان هناك 18 مركزاً طبياً لميقاتي. ويتحدث الطرابلسيون عن مكرمة بقيمة 20 مليون دولار من الرئيس سعد الحريري للمناطق المتضررة في المدينة خصوصاً باب التبانة وبحنين في المنية، والتي ذهبت الى طلاء ست بنايات بالأبيض والأزرق من الخارج من دون ترميمها من الداخل.