سلام في السعودية: إعلان نهاية الحريرية
يوسف المصري ـ خاص
منذ فترة بعيدة لم يزُرْ الرئيس تمام سلام السعودية. وخلال الأعوام التي سبقت ترشيحه من قبل الرياض لرئاسة الحكومة، ومن ثمّ نيلها بعد أشهر عدة من استعصاء تشكيلها، عاد الدفق إلى دم العلاقة المباشرة بين الرياض والمصيطبة.
ولا شك في أنّ زيارة سلام في هذا التوقيت الذي يتزامن مع معمعة الاستحقاق الرئاسي المتعثر، تحمل أكثر من معنى وحتى رسالة:
أول هذه المغازي وفق مصدر دبلوماسي عربي قريب من الرياض، يتمثل في أنّ السعوديين يريدون من هذه الزيارة وفي هذا التوقيت الإيحاء لحلفائهم السنّة في لبنان، بأنّ مرحلة تمام بك لم تنتهِ مع انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان، بل هي قد تستمرّ خلال العهد الرئاسي المقبل، بغضّ النظر عن ظروف نضوج الاستحقاق أو عدمه في المدى المنظور.
ووراء هذا المغزى الذي تطيّره السعودية إلى من يهمّه الأمر، توجد فكرة متداولة في الرياض منذ ما بعد أحداث 7 أيار عام ٢٠٠٨، ومفادها أنه بات على المملكة أن تكفّ عن سياسة تجميع الزعامة السنّية في لبنان في سلة عائلة واحدة أو شخص واحد، وبدلاً من ذلك عليها توزيعها بين العائلات السياسية السنّية المختلفة، بخاصة أن معظمها هو في موقع الحليف لها.
وهذه الفكرة هي من بنات أفكار آل التويجري المعتبرين بمثابة عائلة البلاط الملكي. فهؤلاء يعملون في خدمة بلاط آل عبدالعزيز منذ زمن مؤسّس المملكة حتى الآن، واستمرّوا في مهمتهم هذه اباً عن جدّ.
وخلال عهد الملك عبدالله تعزّز دورهم وأصبحوا أكثر نفوذاً حتى تجاه أمراء من آل سعود. وسبب ذلك أنّ الملك عبدالله منحهم نفوذاً قوياً في موازاة حالة التنافر الصامتة السائدة بينه وبين غير شقيق له من غير والدته.
وتقول فكرة آل التويجري التي تبناها الملك عبدالله، إنّ تجربة الرياض مع آل الحريري في لبنان بيّنت أنه عندما يضع الملك كلّ معنى النفوذ السعودي في لبنان في شخص زعيم سنّي واحد، فإنّ خصوم المملكة اللبنانيين او الإقليميين يستطيعون عبر توجيه ضربة قاصمة له، النجاح في تحويل كلّ المعنى السعودي في لبنان إلى ركام، وذلك على النحو الذي حدث عندما تمّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أو لاحقاً عند إقصاء نجله سعد الحريري عن رئاسة الحكومة.
ويضيف المصدر عينه أنّ ترشيح الرياض تمام سلام ابن العائلة السياسية السنّية العريقة قبل أشهر لرئاسة الحكومة، إنما يصبّ في خدمة فكرة آل التويجري عن ضرورة توزيع معنى الزعامة السياسية السنّية في لبنان على عائلاتها الحليفة للسعودية.
ولو أنّ السعودية أرادت شخصية سنّية لرئاسة حكومة الوقت الضائع بانتظار عودة الحريري، لكانت اختارت شخصية سنّية على وزن السنيورة أو ميقاتي، لكن انتقاءها لسلام ابن العائلة السياسية البيروتية العريقة حمل إيحاءات بدء تطبيق نظرية آل التويجري حول توزيع الزعامة السنّية في لبنان على عائلاتها السياسية العريقة.
ولفت المصدر في هذا المجال إلى الغداء الذي أقامه السفير السعودي قبل أشهر لأقطاب الزعامة السنّية في لبنان، واشتمل حينها حتى على فيصل كرامي. لقد أراد العسيري من خلاله الإيحاء بفكرة العودة الى إعطاء أدوار سياسية للبيوتات السنّية السياسية اللبنانية.
باختصار تفيد هذه المعادلة التويجرية بأنّ سعد الحريري هو أحد الزعماء السنّة في لبنان وليس الزعيم الأوحد. وكعادة السعودية فإن أسلوبها في تطبيق سياساتها تتسم بأسلوب النفس الطويل. وثمة اعتقاد بأنّ تظهير منطقها الجديد حول ما يجب أن تكون عليه ماهية زعامة السنّة في لبنان، سيخضع لمراحل طويلة ولكنها بدأت بلا شك.
وبرأي المصدر ذاته فإنّ زيارة سلام إلى السعودية في هذا التوقيت، تريد الإيحاء بأنّ رئاسته للحكومة ليست سحابة صيف، بل هي مرشحة للاستمرار في العهد الجديد، وذلك ضمن مفهوم بدء سريان العمل بمعادلة توزيع الزعامة السنّية اللبنانية على عائلاتها العريقة الذين من بينهم آل الحريري.
وتكشف هذه الشخصية أنّ تمام سلام في السعودية يحمل ملفات عدة ليس بينها موضوع رئاسة الجمهورية، ولكن على رأسها موضوع تعميق علاقته كبيت سياسي سنّي لبناني عريق بالرياض وإعطائه حيثيته الخاصة. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي لم تُوجّه إليه أية دعوة رسمية لزيارة الرياض، وذلك في سابقة ليس لها مثيل مع أي رئيس حكومة لبناني سابق. آنذاك قيل إنّ المملكة تقصّدت عدم دعوته في إشارة منها إليه بأنها تدير ظهرها له كتعبير عن عدم دعمه وليس عن معارضته. واليوم لم ترد الرياض ان ينتهي عهد سلام من دون أن توجه دعوة رسمية له لزيارتها، لكي لا يفسّر ذلك على أنه سابقة سعودية بحقه كرئيس للوزراء في لبنان. وهذا يؤكد أنّ الرياض حرصت على توجيه دعوة إلى تمام سلام قبل نفاد اللحظات الأخيرة من عهد الرئيس سليمان، حتى تضمن عدم تسجيل سابقة عدم استقباله خلال رئاسته الحكومة، ولكن من ناحية ثانية يؤكد أنّ الرياض في المضمون توحي بأنها قد تلجأ الى إطالة عمر سلام الرئاسي لحكومة ثانية في حال انتخاب رئيس جديد.
وكلّ هذه المقاربة تجرى في ظلّ معادلة لم تتغيّر في السعودية بخصوص عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، فالمعروف أنّ قرار هذه العودة هو سعودي بامتياز. وتؤكد المصادر السعودية أنّ عودته من وجهة نظر الرياض لا تحتاج فقط إلى تفاهم سعودي – إيراني، بل الى تسوية، ومن دون ذلك سيبقى الحريري في حالة انتظار نضوج ظروف عودته إلى لبنان.