الانتخابات الأوروبية: اليمين الشعبوي في المقدمة ولكن…
عامر نعيم الياس
تجرى انتخابات البرلمان الأوروبي في الفترة الواقعة ما بين 22 و25 من الشهر الجاري. انتخابات تقترع بموجبها الدول الـ28 في الاتحاد لانتخاب نوابها الـ766 لخمس سنوات مقبلة على وقع أزمات متعدّدة تعيشها منطقة اليورو، لعل أهمها تصاعد الحراك المضاد للاتحاد الأوروبي بشكله الحالي ونمط القوانين الناظم للعلاقات بين دوله. حراك دفع إلى الواجهة أحزاب اليمين الشعبوي «المتطرف» بحسب المصطلح المحبّب للنخب الأوروبية الحاكمة في توصيف أحزاب اليمين التقليدي لديها.
صحيفة «لو جورنال دو ديمانش» الفرنسية أجرت استطلاعاً شمل عيّنة من 1006 أشخاص، تبلغ أعمارهم 18 سنة وما فوق عبر الهاتف، وتمحور السؤال حول تقويم أداء الاتحاد الأوروبي وجاءت النتائج على النحو التالي: 51 في المئة من الفرنسيين راضون عن الاتحاد، فيما 49 في المئة منهم أي النصف الآخر غير راض عنه، وذلك قبل أسبوع على الانتخابات الأوروبية. ووفق الصحيفة فإن أسباب الرفض تعود إلى ارتفاع سعر اليورو، بحسب «53 في المئة» من الكتلة الرافضة، والتوسع الكبير للاتحاد «38 في المئة»، وغياب الحدود «33 في المئة».
على المقلب الآخر أظهر معهد ايبسوس أن الجبهة الوطنية الفرنسية برئاسةة مارين لوبين ما زالت في مقدمة الأحزاب الفرنسية المتوقع انتخابها في 25 أيار الجاري، إذ سيصوّت لها 24 في المئة من الناخبين مقابل 22 في المئة لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، و17.5 في المئة للحزب الاشتراكي الحاكم.
ما سبق يستدعي طرح التساؤلين التاليين: هل نحن أمام صعود لليمين الشعبوي في أوروبا؟ وما حدود هذا الصعود؟
الواضح من نتائج العديد من الانتخابات المحلية والبلدية في القارة الأوروبية، أن اليمين الشعبوي في حالة نهوض دائم، نهوض يستند في الأساس إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أوروبا وسياسات التقشف التي فرضتها القيادة الألمانية للبنك الأوروبي على الدول التي تعاني من الإفلاس كاليونان على سبيل المثال. أزمة اقتصادية دفعت بعض المحللين الأوروبيين إلى المقارنة بين الصعود الحالي لليمين وما شهدته حقبة الثلاثينات من القرن الماضي أيام ما سمي بـ«الكساد العظيم» وبزوغ نجم حزب «العمال الاشتراكي القومي» الذي ضم أدولف هتلر بين صفوفه. ويرى بعض المهتمين أن أسباب صعود اليمين لا تتوقف على الاقتصاد فقط، بل تتعداها إلى ملفات الهجرة والبيروقراطية والتزامات توسع الاتحاد الأوروبي وصولاً إلى تجنيس الغجر في القارة الأوروربية. ملفات عمل اليمين على استغلالها وركوب موجتها ليؤسس عبرها أساساً للعمل والتحرك باتجاه الناخب الأوروبي، بدءاً من الدانمارك مروراً باليونان وهولندا وليس انتهاءً بالنمسا وألمانيا وفرنسا. وهنا تقول «لوموند» في توصيف الحالة المعارضة لأوروبا في وضعها الراهن: «نحن أمام صعود للأحزاب المناهضة لليورو في ألمانيا، واليمين المتطرف في النمسا بقيادة هاينز كريستيان ستراخ، وصعود نجم نيجيل فاراج رئيس حزب استقلال المملكة المتحدة والضغط الذي يمارسه على المحافظين في بريطانيا، والكارثة الانتخابية للحزب الحاكم في الانتخابات البلدية البرتغالية بسبب سياسات التقشف، فضلاً عن بيبي غريللو في إيطاليا، وحزب سيريزا المعارض أيضاً لسياسات التقشف الأوروبي في اليونان».
لقد تعهدت الأحزاب اليمينية في أوروبا توحيد جهودها في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، كي تشكل كتلة برلمانية داخل البرلمان الأوروبي بهدف التأثير المباشر في السياسة العامة للاتحاد، فالبرلمان الأوروبي يشرف على السياسات المالية للاتحاد ويصدّق على التشريعات الخاصة به، وهو الذي يعطي الموافقة النهائية على موازنة الاتحاد، صلاحيات من شأنها أن تسمح لليمين بالتأثير على توجهات منطقة اليورو. لكن على رغم صعود اليمين وارتفاع منسوب الرفض لأوروبا الحالية، إلا أن نتائج الانتخابات سواء برلمانية أو رئاسية أو بلدية في الدول الأوروبية كافة، تشير إلى محدودية تأثير اليمين في الداخل الأوروبي حتى هذه اللحظة، مع عدم إنكار أنه في حالة صعود، فضلاً عن أن القانون الناظم لعمل البرلمان الأوروبي يفرض شروطاً لتشكيل مجموعة برلمانية داخله «لتشكيل كتلة في البرلمان الأوروبي لا بد من وجود 25 نائباً منتخباً من أصل مجموع النواب الأوروبيين، على أن تضم المجموعة أعضاء من ربع دول الاتحاد الأوروبي، أي سبع دول من أصل 28 دولة».
كاتب سوري